«التحول الجوهري» في الأسواق الواعدة يجذب مستثمري السندات
تبنت الأسواق الواعدة تحولات قوية في السياسات المالية، وبدأ المستثمرون في السندات بالعملة المحلية في جني الفوائد.
رفعت البنوك المركزية في أنحاء الاقتصادات الواعدة الرئيسية، بما فيها كينيا ونيجيريا ومصر، أسعار الفائدة بطريقة كبيرة خلال الشهور الأخيرة، مع بدء تنفيذ إجراءات لتحرير الأسواق، على غرار تدابير نيجيريا التي تسمح بالتداول الحر لعملة النيرة.
هذه التدابير التي ترمي إلى كبح موجة التضخم الناشئة جزئياً بسبب انخفاض قيمة العملات، تدل على تزايد الالتزام بالسياسات المالية التقليدية وتحقيق الاستقرار المالي. بدأت بعض شركات إدارة الثروة بالفعل تعديل مراكزها الاستثمارية، للاستفادة من انخفاض عوائد السندات وقوة العملات التي ربما تزداد نتيجة لذلك.
أوضح تشارلي روبرتسون، رئيس وحدة استراتيجية الاقتصاد الكلي في شركة "فيم بارتنرز" (FIM Partners)، أن الأسواق الواعدة قدمت خلال الأعوام الأخيرة خليطاً مروعاً من الأسعار الحقيقية بالسالب والعملات ذات القيم المبالغ فيها". مضيفاً: "نجد حالياً عملات رخيصة، وفي بعض الحالات أعلى أسعار فائدة حقيقية حول العالم. لقد كان تحولاً جوهرياً".
مرتفع
أضاف روبرتسون أن الطلب على السندات بالعملة المحلية في كينيا ومصر تقدم منذ أن رفع البلدان أسعار الفائدة الرئيسية. أشار إلى توقعات بأن تبلغ الفائدة في نيجيريا مستويات مشابهة، بمجرد أن يستكمل بنكها المركزي دورة زيادة أسعار الفائدة.
تحولت أسعار الفائدة الحقيقية التي تسبق تحقق التوقعات (Ex-ante real rates) في الأسواق الواعدة - الفرق بين العائدات الاسمية ومعدل التضخم المتوقع- إلى المنطقة الإيجابية، بحسب تقديرات بنك "غولدمان ساكس غروب". يمنح هذا التحول تلك الأسواق ميزة عوائد متنامية مع بدء تحرك الأسواق المتقدمة الكبرى لتخفيض أسعار الفائدة.
ذكر بيتر ماربر، كبير مسؤولي الاستثمار في الأسواق الناشئة في "أبيرتشر إنفيستورز" (Aperture Investors) ويقع مقرها في نيويورك أن الأسواق الواعدة "تقدم فرصاً"، مبيناً أن تخفيض قيمة العملات وعائدات السندات العالية في بلدان مثل مصر ونيجيريا والأرجنتين وتركيا، والتي يعتبرها بعض المستثمرين بمثابة خصائص واعدة، يجعل من أسواق السندات المحلية جذابة.
علاوة على ذلك، توفر بعض البلدان ذات التصنيف السيادي المنخفض فروقاً للعائد بالدولار الأميركي تصل إلى ألف نقطة أساس، والتي لديها فرصة للانكماش مع بدء تخفيض أسعار الفائدة الأميركية العام الحالي، وفق ماربر.
تحولات السياسات المالية
من الممكن أن تكون الرهانات على الأسواق الواعدة محفوفة بالمخاطر نظراً لتاريخ من تحولات السياسة المالية بداية من نيجيريا وصولاً إلى زيمبابوي.
أوضح زياد داود كبير خبراء بلومبرج للاقتصادات الأسواق الناشئة: "تحتاج هذه البلدان لإزالة قيود رأس المال، والتخلص من تعدد أسعار الصرف، وتقديم أسعار فائدة حقيقية إيجابية لجذب الاستثمارات الدولية. يحتاجون أيضاً إلى تعلم الدروس من تجربتهم الأخيرة عن طريق عدم الإفراط في الاعتماد على تدفقات الأموال الساخنة".
هذا ما تقوم به نيجيريا على ما يبدو. إذ أسفرت سلسلة تدابير اتخذها صناع السياسات المالية بهدف تحرير سوق العملات واجتذاب رأس المال، عن قفزة في التحويلات المالية وعمليات شراء أصول من قبل محافظ المستثمرين الأجانب.
وأعلن البنك المركزي الشهر الماضي عن زيادة ضخمة لسعر الفائدة للتصدي للتضخم الجامح ووقف الانهيار في سعر صرف النيرة، العملة الأسوأ أداء على مستوى العالم السنة الجارية.
نتيجة لذلك، استقرت سعر النيرة قرب 1600 للدولار، مع سد الفجوة أيضاً مع سعر السوق غير الرسمية. تحولت أسعار الفائدة الحقيقية إلى إيجابية على أساس التضخم المتوقع، رغم أن المعدل الحقيقي الفعلي (EX-post real rate) -استناداً لمعدل التضخم الحالي- ما يزال بالسالب بصورة كبيرة.
ذكر أندرو ماثيني محلل "غولدمان ساكس" أنه "بالنظر لتركيبة تتكون من أسعار الفائدة الحقيقية الإيجابية، وتدفقات رأس المال، ووجود دليل على التحول إلى هيكل سياسة تقليدية أكثر، نعتقد أن نيجيريا بدأت تحرز تقدماً بعد أزمتها الأخيرة الخاصة بالعملة".
يتوقع "غولدمان ساكس" أن يصعد سعر صرف النيرة إلى 1200 لكل دولار أميركي خلال 12 شهراً، بزيادة 25% تقريباً. يرى أيضاً البنك أن السندات المقومة بالدولار في البلاد جذابة، إذ بلغت احتياطيات النقد الأجنبي 34.37 مليار دولار مسجلة أعلى مستوى منذ يونيو الماضي، بحسب بيانات البنك المركزي.
قصة مشابهة
تحظى مصر بقصة مشابهة. فبعد تأمين استثمار من الإمارات العربية المتحدة، خفض البنك المركزي للبلاد قيمة العملة بعد فترة طويلة من الانتظار، ورفع سعر الفائدة الأساسي بمقدار 600 نقطة أساس الأسبوع الماضي. بالإضافة لذلك، طبقت القاهرة نظاماً مرناً لسعر صرف العملة، وتخلت عن تثبيت سعر صرف الجنيه أمام الدولار. أعقب ذلك تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم معونة إضافية قدرها 7.4 مليار يورو (8.1 مليار دولار).
أنجزت كينيا أيضاً تحولاً ملموساً. خلال يناير الماضي، كان الشلن الكيني صاحب ثالث أسوأ أداء عالمياً، إذ سجل هبوطاً قياسياً مقابل الدولار. منذ ذلك الوقت، انتعش أكثر من 20%، مدعوماً بسياسة نقدية متشددة أكثر، وتمويل صندوق النقد الدولي، وإصدار جديد لسندات مقومة باليورو.
يوصي بنك "باركليز" بشراء سندات مصر ونيجيريا الدولارية، قائلاً إن التطورات الأخيرة وزخم الإصلاح قد يسفر في نهاية المطاف عن ترقيات للتصنيف الائتماني. وكتب خبراء استراتيجيون بقيادة كريستيان كيلر في مذكرة للعملاء: "بدأت الأسواق تدرك ما يحدث وتكافئ التطورات الإيجابية الخاصة بكل سوق بأداء متفوق".
عوائد جذابة
من جهة أخرى، يفضل "دويتشه بنك "الديون المحلية لمصر. كتب خبراء استراتيجيون بقيادة كريستيان ويتوسكا في مذكرة للعملاء أنه "رغم التقييم المرتفع قليلاً بحسب نموذج القيمة العادلة الثابت لدينا، فإن أذون الخزانة ذات الآجال الطويلة والسندات قصيرة الأجل تقدم مستويات من العوائد الجذابة من منظور عوامل الاقتصاد الأساسية، والأهم من ذلك انتعاش جذاب للعقود الآجلة غير القابلة للتسليم على المدى القصير".
لا تثير وحدها الأسواق الواعدة الأفريقية الانتباه. إذ يرى "بنك أوف أميركا" فرصاً في الديون الخارجية لباكستان وسريلانكا، من بين أدوات أخرى. في أميركا اللاتينية، يوصي "بنك أوف أميركا" بشراء سندات غواتيمالا المستحقة 2050، والتي تحمل علاوة مخاطر سياسية كبيرة يمكن أن تتبدد بعد تنصيب برناردو أريفالو رئيساً للبلاد.
كتب كريستيان غونزاليس روخاس وإيزيكيل أغيري في مذكرة للعملاء: "مع تفاقم حالة عدم اليقين إزاء التضخم والنمو وتوقعات أسعار الفائدة الأميركية، نعتقد أن المستثمرين ينبغي لهم أن يبقوا انتقائيين وأن يركزوا على فرص ارتفاع القيمة النسبية في أميركا اللاتينية".