«الحشاشون».. حكاية حسن الصباح الزعيم الغامض وطائفته السرية
تُعدّ «الحشاشون» من أكثرِ الطوائفِ إثارةً للجدلِ في التاريخِ الإسلاميّ. فبين سطور التاريخ، تُخفى حكاياتٌ تُثير الفضول وتُشعلُ خيّالَنا. حكاياتٌ عن جماعاتٍ غامضةٍ اتخذت من السريةِ نهجًا، ومن الاغتيالِ سلاحًا. من بين هذه الحكايات، تبرزُ قصةُ طائفةِ الحشاشين، تلك الطائفةُ التي اتخذت من قلعةِ الموتِ في إيران مقرًا لها، وتركت بصمةً لا تُمحى في صفحاتِ التاريخ.
من هم الحشاشون؟
يُؤرّخُ نشأةُ طائفةِ الحشاشين إلى القرنِ الحادي عشر الميلادي على يدِ حسنِ الصباح، وهو رجلٌ فارسيٌّ فذٌّ تمكن من تأسيسِ دولةٍ سريةٍ في قلبِ العالمِ الإسلاميّ. نشأت أفكارُ الحشاشين من المذهبِ الإسماعيليّ الباطنيّ، وهو مذهبٌ شيعيٌّ يُؤمنُ بتأويلِ النصوصِ الدينيةِ تأويلًا باطنيًا.
حسن الصباح.. زعيم غامض
ولد حسن الصباح عام 1037 ميلادي في مدينة الري، إيران. نشأ في بيئة شيعية اثني عشرية، ثم انتقلت عائلته إلى مدينة الري، مركز نشاطات الطائفة الإسماعيلية. تأثر الصباح بأفكار الإسماعيلية، وانخرط في دعوتهم سراً. سافر إلى مصر عام 1078م للقاء الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، ونال ثقته، وأصبح داعيةً للدعوة الإسماعيلية.
وبعد وفاة المستنصر بالله، نشأ صراع على خلافة العرش الفاطمي بين ولديه نزار ومستعلي. آمن الصباح بنزار، ورفض بيعة مستعلي. عاد الصباح إلى فارس عام 1090م، وبدأ بنشر الدعوة لنزار، ونجح في الاستيلاء على قلعة ألموت عام 1094م. اتخذ الصباح من قلعة ألموت مقراً له، وبدأ بتأسيس دولة قوية عرفت باسم "دولة الحشاشين".
وحكم حسن الصباح دولة الحشاشين حتى وفاته عام 1124م. اشتهر الصباح باستخدام أساليب سرية في نشر دعوته، مثل الاغتيالات والعمليات الاستخباراتية. اعتبره خصومه زعيمًا متطرفًا ودمويًا، بينما اعتبره أتباعه إمامًا عادلًا ومُصلحًا. ترك الصباح إرثًا غنيًا من الكتابات والفلسفة، لا تزال تُدرس حتى اليوم.
وكان حسنُ الصباح زعيمًا ذا كاريزما استثنائية، تمكن من جذبِ الكثيرِ من الأتباعِ من مختلفِ الطبقاتِ الاجتماعية. ونجح في تأسيسِ نظامٍ داخليٍّ مُحكمٍ سمحَ له بالسيطرةِ على أتباعِه بشكلٍ كامل.
قلعة ألموت.. عاصمة سرية
استطاع حسن الصباح عام 1090 الاستيلاء على قلعة ألموت، الواقعة في جبال شمال إيران. اتخذها عاصمة لدولته، ومركزاً لنشر دعوته. نظم حسن الصباح دولته على أسس عقائدية صارمة، وفرض نظاماً تعليمياً خاصاً لتدريب أتباعه على فنون القتال والتجسس. وكانت هذه القلعةُ منيعةً للغاية، وتقعُ على قمةِ جبلٍ شاهقٍ يصعبُ الوصولُ إليه. ساعدَ موقعُ القلعةِ الاستراتيجيّ على حمايةِ الحشاشين من أعدائِهم، وجعلها مركزًا لنشرِ أفكارِهم.
الحشاشون: اغتيالات وأساطير
اشتهرت طائفة الحشاشين بعمليات الاغتيال التي نفذوها ضد أعدائهم، مستخدمين أساليب سرية ودقيقة. ارتبطت هذه العمليات بالعديد من الأساطير، ونُسبت إليهم قصصٌ عن استعمالهم للحشيش لتخدير ضحاياهم قبل قتلهم، حيث استخدمَ الحشاشون أساليبَ مُختلفةً في اغتيالاتِهم، من التسميمِ إلى الخنجرِ. ونجحوا في اغتيالِ العديدِ من الشخصياتِ السياسيةِ والدينيةِ المهمّةِ في ذلك الوقتِ.
تراث الحشاشين: إرث مثير للجدل
تركت طائفة الحشاشين أثراً عميقاً في التاريخ الإسلامي. ما زال إرثهم مثيراً للجدل، بين من يراهم أبطالاً ضحوا بأنفسهم من أجل عقيدتهم، ومن يعتبرهم قتلةً مأجورين زعزعوا استقرار الدول.
وظلّت طائفةُ الحشاشين قائمةً لأكثرَ من قرنينِ من الزمان، قبلَ أن تُقضى عليها على يدِ المغولِ في القرنِ الثالث عشر الميلادي.
تركَت طائفةُ الحشاشين أثرًا كبيرًا في التاريخِ، ولا تزالُ قصّتهم تُثيرُ الفضولَ وتُلهمُ الفنانينَ والكتّابَ حتى يومِنا هذا. فما بين أسرارِ قلعةِ ألموت وجرأةِ حسنِ الصباح، تُخفى حكايةٌ تستحقُّ أن تُروى وتُخلّدُ في ذاكرةِ التاريخِ.