عاجل| تقرير «الشيوخ» يكشف أسباب أزمة الأسمدة الزراعية في مصر
افتتح المستشار عبدالوهاب عبدالرازق، رئيس مجلس الشيوخ، الجلسة العامة، اليوم الأحد، لمناقشة تقرير اللجنة المشتركة من لجنتي الزراعة والري، والطاقة والبيئة والقوى العاملة عن "اقتصاديات وصناعة الأسمدة الكيماوية في مصر".
وأصدرت اللجنة المشتركة من لجنتي الزراعة والري، والطاقة والبيئة والقوى العاملة، تقريرها عن "اقتصاديات وصناعة الأسمدة الكيماوية في مصر"، بعد أن اطلعت اللجنة المشتركة على الدراسة المُحالة إليها، واستحضرت نصوص الدستور وأحكام اللائحة الداخلية للمجلس ذات الصلة، والقوانين والقرارات المرتبطة بالدراسة، كما استمعت إلى رؤى السادة المسئولين ممثلي الوزارات والجهات المعنية، وبناءً على ما دار من مناقشات مستفيضة من جانب السادة أعضاء اللجنة المشتركة، فإنها تُورد تقريرها على النحو الآتي:
تعتبر الأسمدة الكيماوية أحد العوامل الرئيسية اللازمة لزيادة الإنتاج الزراعي، التي تهدف إلى تحسين نوعيته خاصةً في ظل زيادة مساحة الأراضي المنزرعة، وبما يتوافق والزيادة المستمرة في الطلب على الغذاء نتيجة زيادة عدد السكان بشكل مستمر، بالإضافة إلى استنزاف العناصر الغذائية الرئيسية اللازمة للتربة، وزيادة الامتداد والزحف العمراني الذي يهدد الرقعة الزراعية.
ولذلك ظهرت المخصبات الزراعية الصناعية (الأسمدة الكيماوية) في العقود الأخيرة بشكل بارز، وذلك بهدف زيادة الإنتاج الزراعي، ولتعويض نقص العناصر المغذية للتربة الزراعية لاسيما التي تخضع لزراعات مُكثفة على مدار العام أو في أعوام متتالية، وبغرض تحقيق الفائدة المأمولة من استخدام هذه الأسمدة بما يتناسب و نمو النبات وحاجته، ولكن تبين أن الاسراف العشوائي في استخدام الأسمدة الكيماوية تسبب في حدوث أضرار بالغة على التربة نفسها وعلى المحيط الحيوي والبيئي، وهذا ما يؤكد ضرورة الاستخدام المتوازن للأسمدة الكيماوية لتجنب استمرار حدوث تلك الأضرار.
وتعتبر صناعة الأسمدة الكيماوية في مصر من أهم الصناعات الواعدة، والتي تحقق مردود إيجابي على الاقتصاد القومي من خلال دورها الحيوي في زيادة الإنتاج الزراعي، وخدمة خطط التنمية الزراعية بالنسبة للتوسع الزراعي الأفقي والرأسي، أو من خلال قدرتها الذاتية كسلعة صناعية تتمتع بآفاق مُبشرة في مجال التصدير خاصةً في ظل ما تتمتع به مصر من ميزة نسبية في هذه الصناعة التي يتزايد الطلب عليها عالمياً.
ومن المؤكد أن مصر تمتلك مقومات كبيرة تؤهلها إلى الريادة في مجال صناعة الأسمدة بصفة عامة، وذلك لتوافر احتياطي كبير من الخامات الرئيسية الداخلة في إنتاج الأسمدة الكيماوية لعل من أهمها الغاز الطبيعي وخام الفوسفات، بالإضافة إلى توافر الخبرة والعمالة المدربة والكوادر الفنية المتخصصة، فضلاً عن تمتع مصر من موقع إستراتيجي يعطيها الميزة التصديرية من خلال موانئها المتعددة.
أولاً: أهداف الدراسة:
1-التعرف على الوضع الراهن لاقتصاديات الأسمدة الكيماوية من حيث الإنتاج المحلي المتاح والاستهلاك في السوق المصري وتحديد احتياجات الأراضي من الأسمدة.
2- توفير جميع أنواع الأسمدة اللازمة لجميع الأراضي وبالأخص الأسمدة الآزوتية في ضوء التوسع الحالي والمستقبلي في الأراضي المُستصلحة.
3- تلبية احتياجات المزارعين من الأسمدة الزراعية بأنواعها المختلفة.
4-إجراء تطوير للسياسة السمادية في مصر حتى يمكن الوصول إلى المستوى الذي يحقق الاستخدام الآمن للأسمدة في ظل التغيرات المناخية بما يتفق مع الظروف البيئية المختلفة.
5- تحفيز الحكومة على وضع خطة مُحكمة للعمل على توفير الأسمدة في التوقيتات المحددة بالكميات المطلوبة وبالأسعار المناسبة.
6- الوقوف على دور كل الجهات المعنية بملف الأسمدة في مصر.
7- تقدير حجم الطلب المتوقع على الأسمدة بما يُمكن من إعداد خريطة سمادية شاملة يتم فيها تحديد مناطق توزيع الأسمدة وأنماطها وكمياتها وأوقات استخدامها.
8- المساهمة في إيجاد حل نهائي وجذري لمنظومة إنتاج واستهلاك وتوزيع وتصدير الأسمدة، وذلك وفق جداول وبرامج زمنية مُلزمة للأطراف المعنية، مع مراعاة المتابعة المستمرة (الشهرية) للاكتشاف المبكر لاحتمالات وقوع أزمات وعدم انتظار وقوع الأزمة حتى يتم البدء في التعامل معها.
ثانياً: أهمية اقتصاديات وصناعة الأسمدة الكيماوية في مصر:
يواجه العالم المُعاصر حالياً مشكلة نقص الغذاء خاصةً في الدول النامية التي يتزايد فيها عدد السكان مع استمرار عجز الإنتاج الزراعي عن تلبية الاحتياجات الضرورية لهذه الدول، لذلك لجأت العديد من الدول إلى زيادة إنتاجها الزراعي ورفع كفاءته عن طريق الاستخدام الرشيد للأسمدة الزراعية (التوسع الرأسي)، بجانب التوسع في استصلاح الأراضي (التوسع الأفقي).
وبالتالي لا يرتبط تحسين الكفاءة الإنتاجية الزراعية بالإجراءات المتعلقة بتحسين كفاءة استخدام الأراضي والمياه فقط، إنما يرتبط أيضاً بالتحسين والتطوير التكنولوجي الذي يتضمن استخدام مستلزمات الإنتاج الزراعي خاصةً السلالات المُحسنة والأسمدة الكيماوية والمبيدات وغيرها ذلك، بالإضافة إلى تنظيم العلاقات الإنتاجية وتوفير الحوافز الاقتصادية من أجل النهوض بالإنتاجية الزراعية وإحداث تغيرات هيكلية في القطاع الزراعي بشكل عام.
وتجدر الإشارة إلى أن الأسمدة الكيماوية تعتبر من أهم بنود مستلزمات الإنتاج الزراعي، ثم يليها المبيدات الكيماوية، كما أن الثورة التكنولوجية البيولوجية واستخدام أصناف وسلالات جديدة من التقاوي المُستنبطة ذات الإنتاجية المرتفعة اجتمعت بمثابة عوامل تؤدى إلى زيادة الكميات المُستخدمة من الأسمدة الكيماوية، وذلك لسرعة استجابة هذه المحاصيل لعمليات التسميد، كما أصبحت الأسمدة الكيماوية من العناصر الضرورية والهامة في الإنتاج الزراعي نظراً لمحدودية الأراضي الزراعية القائمة والموارد المائية اللازمة للتوسع الزراعي الأفقي.
ومن هنا تأتى أهمية دراسة اقتصاديات وصناعة الأسمدة الكيماوية في مصر وتوسع آفاقها بهدف تقديم مجموعة متكاملة من التوصيات الفعالة التي تخدم السياسات الزراعية والصناعية لكل من جانبي منظومة الأسمدة (المُنتج والمُستهلك)، وبغرض تحديد الطرق واجبة الاستخدام التي يجب إتباعها لتحقيق التكامل الأمثل بين قطاعي إنتاج الأسمدة واستهلاكها، بما يؤدى إلى تحقيق الأهداف التنموية الاقتصادية والاجتماعية بوجه عام وأهداف التنمية الزراعية بوجه خاص، والسعي نحو توفير جميع أنواع الأسمدة اللازمة لجميع الأراضي
الزراعية، وخاصةً الأسمدة الآزوتية في ضوء التوسع الزراعي الأفقي للأراضي المستصلحة الجديدة، كما تبرز الدراسة دور كل الجهات المعنية بمنظومة الأسمدة في مصر.
ثالثاً: الإنتاج العالمي من الأسمدة:
وصل حجم سوق الأسمدة السائلة في العالم خلال عام 2021 لنحو 2.4 مليار دولار ومن المستهدف الوصول الى 3 مليار دولار عام 2025 بمعدل نمو سنوي 4.4% ،حيث تأتي روسيا في المرتبة الاولى بنسبة 12.7% من اجمالي سوق الأسمدة العالمية بإجمالي 7 مليار دولار، تليها الصين بنحو 12% و 6.6 مليار دولار، ثم كندا بنسبة 9.4% ونحو 5.2 مليار دولار، ثم الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 6.7% ونحو 3.7 مليار دولار، وقد بلغ إجمالي سوق الأسمدة النيتروجينية عالمياً عام 2021 نحو 55 مليار دولار وبمعدل نمو سنوي 5.2% ، وتأتي اليوريا على قمة الإنتاج والاستخدامات العالمية بنسبة 39.2% تليها الأمونيا السائلة بنسبة 22%.
رابعاً: الأسمدة الكيماوية في مصر:
السماد الكيماوي هو العنصر الغذائي الذي يسبب زيادة مطردة في المحصول، حيث يتناسب حجم المحصول طردياً مع الكمية المُضافة من الأسمدة ما دامت في الحدود الاقتصادية والبيئية والصحية المناسبة، كما يعتبر مادة غذائية ضرورية لنمو النباتات والمزروعات، تُضاف إلى التربة أو تُضاف مباشرةً للنبات (بالرش على الأوراق)، وذلك بغرض تلبية متطلبات النبات أو الزرع الغذائية في حالة عجز التربة عن تلبيتها ، ويتم تحضير الأسمدة الكيماوية صناعياً، وحيث تحتوي على عناصر غذائية تدخل بالدرجة الأولى في تسميد النباتات والمزروعات بقصد تغذيتها وتحسين ظروف نموها وزيادة الإنتاجية من المحاصيل النباتية والزراعية.
إن الهدف الرئيس لاستخدام الأسمدة الكيماوية هو تزويد الأراضي الزراعية بالعناصر السمادية الكبرى التي تحمل النيتروجين (الآزوت) والفوسفور والبوتاسيوم (N. P. K)، وذلك لرفع الفئة الإنتاجية والكفاءة لمختلف المحاصيل الزراعية، وهي مُنتج مُعقد يحتوي على مغذيات تذوب بسهولة في محلول التربة، وتختلف الأسمدة الصناعية عن الأسمدة الطبيعية من ناحية الشكل والحجم وفقاً للعمليات المُستخدمة في مراحل التصنيع، فقد تكون على شكل حبيبات أو كريات أو بلورات أو مسحوق خشن أو ناعم، وعادةً ما يتم توريدها في شكل جوامد.
وتُنتج الأسمدة الكيماوية في مصر على صورتين:
1- صورة صلبة: حيث يتم وضـع الأسمدة في صورة جافة إلى التربة.
2- صورة سائلة: حيث يتم رش الأسمدة في صورة محلول على التربة أو النبات.
كما تنقسم الأسمدة الكيماوية حسب مكوناتها إلي:
- أسمدة بسيطة: هي أسمدة تحتوي على عنصر سمادي واحد من العناصر الغذائية الكبرى أو الصغرى التي تفتقد إليها التربة.
2- أسمدة مركبة: هي أسمـدة متعـــددة العناصـــر حيث تحتـــوى على أكـــثر من عنصر سمادي وتكون مُصنعة كيمــاوياً.
3- أسمدة مخلوطة: هي أسمدة تحتوي على نوعين أو أكثر من مغذيات النبات، وهي الأسمدة المُصنعة بعمليات صناعية متعاقبة تتضمن تفاعلات كيماوية لمحتويين أو أكثر من محتويات السماد، كما تحتوي على نوعية أو أكثر من الأسمدة البسيطة مخلوطة معاً(ليست مُنتج ناتج عن تفاعل كيمائي).
استخدامات مصر من الأسمدة الكيماوية:
تُستخدم في مصر ثلاثة أنواع فقط من الأسمدة الكيماوية هي الأسمدة النيتروجينية والفوسفاتية والبوتاسية.
(أ): الأسمدة النيتروجينية: يعتبر النيتروجين من أهم العناصر السمادية التي يجب إضافتها للأرض الزراعية، حيث تعتبر الأسمدة الآزوتية من أهم الأسمدة على الإطلاق، وذلك ليس في الأراضي الزراعية في مصر وحدها بل في مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في جميع دول العالم، لذا تُعد صناعة الأسمدة النيتروجينية من أهم الصناعات الكيماوية في مصر لما لها من أهمية في المجال التجاري، فضلاً عن كونها تلعب دوراً كبيراً في زيادة المجموع الخضري للمحصول الزراعي.
وتعتبر صناعة الأسمدة النيتروجينية من أكثر الصناعة ملائمةً للمحاصيل الزراعية والتربة الزراعية في مصر، لذلك نالت صناعة الأسمدة النيتروجينية عناية كبيرة وموضع اهتمام من الدولة، وأُعطيت لمشروعاتها الأسبقية على ما عداها من صناعات الأسمدة الأخرى، وتمتاز هذه الصناعة بتوفر الخامات الرئيسية اللازمة لها مثل الغاز الطبيعي - اليوريا - نترات النشادر (نترات الأمونيوم) – سلفات النشادر.
ويبلغ حجم إنتاج الأسمدة الآزوتية بمصر حوالي 7-7,5 مليون طن يوريا تمثل نحو46 % سنوياً من حجم انتاج الأسمدة (تعادل 21 مليون طن / 15.5 % أزوت)، بينما يبلغ الاستهلاك المحلي حوالي 4 مليون طن يوريا 46 % سنوياً من إجمالي استهلاك الأسمدة، ويُقدر الفائض الموجه للتصدير بحوالي 3 مليون طن يوريا يمثل نحو 46%، وهناك شركات متميزة في إنتاج الأسمدة الكيماوية في مصر هي (أبوقير للأسمدة – موبكو – المصرية – حلوان – إسكندرية – كيما_ النصر للكيماويات الوسيطة).
نقص الأسمدة الآزوتية
ظهرت فى الفترة الماضية أزمة في نقص كميات توريد الأسمدة الآزوتية إلى السوق المحلي، حيث كان المطلوب توريده من الأسمدة الآزوتية 4 مليون طن في حين أن ما تم توريده فعلياً هو 2,2 مليون طن فقط، أي بعجز توريد يُقدر بنحو 1,8 مليون طن، ومن المعلوم في علم الاقتصاديات الزراعية أن أي نقص في كميات توريد الأسمدة بنسبة 5% يقابله زيادة في الأسعار بنسبة 20%.
(ب):الأسمدة الفوسفاتية:
هي التي تحتوي على عنصر الفوسفور (P) كعنصر أساسي للتسميد، وهي تساعد في تكوين الجذور وفى دفع النبات إلى التزهير وهي تشتمل على:
1- سوبر فوسفات الكالسيوم (الأحادي): يحتوي على 15% خامس أكسيد الفوسفور المكون الأساسي للسماد بالإضافة إلى كبريتات الكالسيوم.
2- سوبر فوسفات الكالسيوم (الثلاثي): يحتوي على 45 % خامس أكسيد الفوسفور المكون الأساسي للسماد على صورة فوسفات أحادي الكالسيوم.
3 - سوبر فوسفات المركز: يحتوي على 37 % خامس أكسيد الفوسفور المكون الأساسي للسماد على صورة فوسفات أحادي الكالسيوم.
4- فوسفات أحادي الأمونيوم: يحتوي على 61 % خامس أكسيد الفوسفور و13 % نيتروجين. (M.A.P).
5- فوسفات ثنائي الأمونيوم: يحتوي على 46 % خامس أكسيد الفوسفور و18 % نيتروجين (D.A.P).
من أهم العوامل التي أدت إلى التوسع في إنتاج أسمدة السوبر فوسفات في مصر ما يلي:
1- توافر الخامات الرئيسية للإنتاج وهي خام الفوسفات.
2- الإنتاج المحلى منه كان أقل بكثير من الاحتياج الحقيقي للأراضي الزراعية منه.
3- أظهرت التحاليل المختلفة لعدد كبير من المناطق الزراعية في مصر حاجتها إلى التسميد بالأسمدة الفوسفاتية بكميات كبيرة وبصفة خاصة الأراضي الثقيلة ثم الأراضي الخفيفة والأراضي الرملية التي تفتقر إلى عنصر الفوسفور.
4- التوسع في استصلاح الأراضي.
ويبلغ إجمالي إنتاج مصر من الأسمدة الفوسفاتية 4 مليون طن، بينما يصل الاستهلاك الحالي 2,5-3 مليون طن.
(ج): الأسمدة البوتاسية:
هي الأسمدة التي تحتوى على عنصر البوتاسيوم (K) كعنصر أساسي للتسميد ، وهى تساعد في كبر حجم الثمار وسماكة الساق في بعض النباتات والمحاصيل الدرنية والخضراوات ، وتؤدى الزراعة المكثفة للأراضي المصرية واستعمال كميات كبيرة من الأسمدة الآزوتية والفوسفاتية إلى نقص البوتاسيوم الصالح للنبات، خاصةً بعد أن أصبح المركز العام لعنصر البوتاسيوم في الأراضي المصرية غير متوازناً، مما يجعل إنتاج الأسمدة البوتاسية متضمناً في خطط النهوض بالزراعة المصرية، وتشمل الأسمدة البوتاسية على سلفات البوتاسيوم وهى تحتوي على 48 – 52 % أكسيد بوتاسيوم، ويجب ألا تزيد نسبة الكلور بها عن 2,5 % ونسبة الرطوبة عن 0,5 % ، وهو يعتبر من أفضل أسمدة البوتاسيوم، التي تُضاف إلى التربة مباشرةً.
ويتم استيراد 96% من خام كلوريد البوتاسيوم، بينما يبلغ الاستهلاك 1مليون طن سلفات البوتاسيوم.
وتعاني الزراعة المصرية من خلل في نسب معدلات التسميد الكيماوي، حيث تزيد معدلات الأسمدة الآزوتية على حساب الكميات المستخدمة من الأسمدة الفوسفاتية والبوتاسية.
لذا فإن الوضع الحالي يؤكد على عدم التوازن بين العناصر الأساسية (أزوت - فوسفور - بوتاسيوم بما يؤثر على الإنتاجية والنوعية، فالإسراف في استخدام مخصر الأزوت يؤدى الى تناقص الإنتاجية الغذائية، كما أن العجز في الكميات المستخدمة من الأسمدة البوتاسية يؤدى إلى انخفاض نوعية الإنتاج هذا، وقد زادت أسعار الأسمدة الكيماوية بمعدلات أقل من زيادة أسعار عناصر الإنتاج الأخرى مبيدات - تقاوي .... إلخ). فبالرغم من كون عائد الاستثمار على الجنيه المستخدم في الأسمدة الكيماوية يحقق ١٠ أضعاف قيمته إلا أن هذا الأمر يتطلب أولاً استخدام رشيد لتلك الأسمدة حتى يمكن تحقيق ذلك، كما أن زيادة أسعار الأسمدة البوتاسية والفوسفاتية بمعدلات أسرع من زيادة أسعار الأسمدة الأزوتية انعكست في استخدام المزيد من الأسمدة الأزوتية على حساب الأسمدة البوتاسية والفوسفاتية مما جعل المشكلة لكثر تعقيداً خاصة وأن الأسمدة البوتاسية يتم استيراد خاماتها بالكامل من الخارج بما لا يسمح بإمكانية توفيرها إلا في إطار السعر العالمي المعان، في حين أن الأسمدة الازوتية والفوسفاتية يتم إنتاجها محلياً مما يمكن معه وضع سياسة داخلية بشأن توفيرها بأسعار مدعومة لأغلب المحاصيل الزراعية بالمقررات السمادية .
ولقد أثبتت الدراسات أن حوالي ٥٧% من إنتاجية القمح في مصر ترجع إلى استخدام الأسمدة الكيماوية، وتُعد مصر من أعلى الدول من حيث إنتاجية الفدان في كثير من المحاصيل حيث تحتل المرتبة الأولى بين دول العالم في إنتاجية الفدان لكلا من محصولي الأرز وقصب السكر.
إن عملية الاعتماد على زيادة الاستخدام السمادي تهدف إلى رفع إنتاجية الفدان من المحاصيل المختلفة في الوقت الراهن، وهي التي ستخضع للأسعار النسبية لكل من مدخل الأسمدة من ناحية والناتج المحصولي من ناحية أخرى، وخلال تلك الظروف فإن المزارع سوف يبحث عن الكفاءة الاقتصادية لاستخدام مختلف الموارد الزراعية بما في ذلك الأسمدة الكيماوية، بمعنى أنه سوف يلتزم بالمقررات السمادية لكل المحاصيل التي يزرعها كلما كانت تكلفة السماد مقبولة بحيث يحقق ربحاً نتيجة استخدامها.
خامساً :أزمة الأسمدة الآزوتية في مصر
تعتبر أزمة الأسمدة الأزوتية في مصر أحد أهم الأزمات التي تتكرر كل عام، وتختلف حدتها من عاماً لآخر، حيث تكمن خطورة هذه الأزمة في ارتباطها بشكل مباشر بقطاع الزراعة، بالإضافة إلى آثارها على السلع والمحاصيل الزراعية كماً ونوعاً، كما يتسم الطلب على الأسمدة الأزوتية في مصر بالموسمية نظراً لأنه يتوقف على المواسم الزراعية، وعلى المساحة الزراعية. وتتفاقم حدة أزمة الأسمدة الأزوتية خلال الموسم الصيفي حيث ترتفع أسعار الأسمدة الأزوتية نظراً لاحتياج المحاصيل الصيفية إلى مقررات سمادية أعلى من المحاصيل الشتوية ، ومنها محاصيل تحتاج إلى التسميد الأزوتي بكثرة مثل قصب السكر والذرة الشامية والقطن إلا أن كميات الأسمدة الأزوتية المنتجة التي يتم توريدها للسوق المحلى لا تعد كافية ولا تسد احتياجات القطاع الزراعي في مصر، ولقد تسبب نقص الأسمدة الأزوتية بالجمعيات الزراعية إلى انخفاض إنتاجية الكثير من المحاصيل الزراعية، فضلاً عن حدوث خسائر مالية ضخمة لدى المزارعين الذين يضطرون إلى شراء الأسمدة من السوق السوداء بأسعار مرتفعة جداً نظراً لحاجتهم الملحة إليها ولعدم كفايتها وفق احتياجاتهم، مما يعد أزمة حقيقية تعوق القطاع الزراعي المصري.
سادساً: تأثير سعر الغاز الطبيعي على صناعة الأسمدة:
يعمل في صناعة الأسمدة في مصر نحو ما يزيد على 17 شركة مصرية تنتج نحو 12 مليون طن سماد متنوع سنوياَ، ويتم تصدير كميات كبيرة منها إلى الخارج بعد الوفاء بالتزامات الشركات المحلية المعنية بشأن توريد الحصص المقررة لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، وتبلغ صادرات الأسمدة سنوياً نحو ما يزيد عن 1,5 مليار دولار، ومع ذلك تعاني بعض الشركات من بعض التحديات لعل أبرزها ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المُستخدم في الإنتاج وتقادم المصانع الحكومية، وتوقف حركة التصدير نتيجة ظروف طارئة مثل تفشي جائحة كورونا واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
ويعتبر الغاز الطبيعي مُدخلاً صناعياً هاماً في العديد من الصناعات، لذا فهو يعد مُدخل رئيسي في صناعة الأسمدة، وبصدد ذلك الأمر تقوم الحكومة المصرية دورياً بإصدار قرارات بشأن تحديد سعر بيع الغاز وفق معدلات الأسعار العالمية، وكان آخرها صدور *قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر برقم 3221 لسنة 2022، بشأن تحديد سعر بيع الغاز الطبيعي المُورد لصناعة الأسمدة الآزوتية وغير الآزوتية.
يذكر أن اللجنة الوزارية المختصة بمراجعة أسعار الغاز الطبيعي للقطاع الصناعي تعقد اجتماعاً دورياً لها كل ثلاثة شهور لكي يتم مراجعة أسعار بيع الغاز للصناعات التي يدخل فيها الغاز كمكون أساسي في عمليات الإنتاج، كما تطالب شركات الأسمدة بالعمل على خفض سعر بيع الغاز الطبيعي، بما يؤدي ذلك إلى زيادة الصادرات المصرية للخارج من الأسمدة ودعم قدرتها التنافسية والتصديرية بشكل كبير، علاوة على أن ذلك الأمر سوف يساهم في زيادة الإنتاج وتقليل الضغوط على الشركات بما يُمكنها من التحديث وسداد ما عليها من ديون ومستحقات قديمة للغاز.
وتعمل الدولة جاهدة على تطوير صناعة الأسمدة من خلال خطة استراتيجية لاستثمار الفائض من الغاز الطبيعي والتوسع في صناعة الأسمدة الفوسفاتية والنيتروجينية وهي التي تدر عائداً كبيراً من العملة الصعبة لمصر، حيث يشكل الغاز الطبيعي مادة أساسية في صناعة البتروكيماويات والأسمدة.
سابعاً: التحديات التي تواجه صناعة الأسمدة الآزوتية في مصر:
-عدم التزام المصانع المُنتجة للأسمدة بتسليم النسبة المقررة المقدرة بنحو (55 %) من إجمالي الانتاج إلى وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي لتغطية احتياجات السوق المحلى.
- زيادة تكاليف النقل والشحن الحالية للأسمدة.
- لجوء بعض المزارعين إلى استلام حصصهم من الأسمدة وبيع جزء منها في السوق السوداء.
- عدم التزام المزارعين بالزراعة وفقاً للتركيب المحصولي المُدون بالبطاقات الزراعية، وقيامهم بصرف الأسمدة المقررة للمحاصيل الزراعية التي قد لا تحتاج لأسمدة وقت الصرف.
- التفاوت الكبير بين أسعار الأسمدة المٌدعمة وأسعار الأسمدة المُصدرة، الأمر الذي يدفع الشركات المُنتجة للتوجه إلى التصدير.
- الزيادة المستمرة في أسعار الخامات نتيجة زيادة أسعار الوقود والزيوت وقطع الغيار وتكلفة العمالة.
- قيام المزارعين باستخدام كميات عالية من التسميد الآزوتي باعتقاد خاطئ أن ذلك يؤدى الى زيادة الانتاجية المحصولية، وبالتالي يزداد الطلب في السوق المحلي عن المعروض.
- التركيز على استخدام بعض أنواع من الأسمدة الآزوتية دون الاعتماد على البدائل المتاحة مثل الاسمدة العضوية والأسمدة المركبة.
- الزيادة الكبيرة على شراء وتخزين الأسمدة خوفاً من وقف التوريد وارتفاع الأسعار مستقبلاً.
- إصدار قرارات مُنظمة لتداول الأسمدة ثم التراجع عنها مما يؤدى إلى ارتباك السوق.
- معاناة بعض الشركات من انخفاض الطاقات التخزينية لديها لتخزين الفرق الناتج من ثبات حجم الإنتاج وموسمية الطلب على الأسمدة.
- انخفاض الطاقة الفعلية عن الطاقة التقديرية لبعض المصانع، وفى نفس الوقت هناك انخفاض في الطاقة التوزيعية.
- النقص في التمويل المقرر لصناعة الأسمدة من جانب البنك الزراعي المصري.
- عدم وجود تقديرات حقيقية لاحتياجات الزراعة المصرية من الأسمدة الكيماوية ونقص المعروض من بعض أنواعها في السوق المحلى نتيجة التوجه نحو التصدير للخارج.
- عدم توفير حصص الغاز للشركات مما يعرقل إنتاج الأسمدة الكيماوية في مصر.
- ارتفاع تكلفة إنتاج الأسمدة بسبب الارتفاع المستمر في أسعار بيع الغاز الطبيعي.
- وجود مشكلة التوزيع المتمثلة في وجود حوالي 65% من الأراضي الجديدة والقديمة غير مُحيزة مما يصعب وصول البنك الزراعي والتعاونيات إليها، وبالتالي فإن هذه المساحات تلجأ إلى القطاع الخاص لشراء وتوفير احتياجاتها من الأسمدة.
-عدم حصول الأراضي الزراعية ذات مساحات 25 فدان فأكثر على الأسمدة المدعومة، وبالتالي يلجأ مزارعيها إلى شراء الأسمدة من السوق السوداء لتوفير الاحتياجات المطلوبة للزراعة.
ثامناً: جهود الحكومة نحو حل أزمة الأسمدة الكيماوية:
(أ) وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي:
تتأثر صناعة الأسمدة في مصر بشكل كبير بظروف التضخم العالمي والارتفاع في مستوى أسعار بيع الطاقة، الأمر الذي يؤثر بشكل ملحوظ على القطاع الزراعي ، وبالتالي على الاقتصاد القومي خاصة إذا ما علمنا أن مساهمة القطاع الزراعي تمثل نسبة 15% من إجمالي الناتج القومي، وتقوم وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي باتخاذ إجراءات لمجابهة ارتفاع الأسعار بالنسبة لمُدخلات العملية الزراعية، خاصة المدخلات من السماد الآزوتي.
ومن المعروف أن إجمالي مساحات الأراضي المنزرعة في مصر تصل إلى ما يقرب من 9,6مليون فدان، وتصل احتياجاتها السمادية إلى 4 مليون طن سماد آزوتي سنوياً، حيث تصل احتياجات الموسم الصيفي من الأسمدة إلى 2,2 مليون طن أي ما يعادل 330 ألف طن شهرياً، كما تبلغ احتياجات الموسم الشتوي من الأسمدة نحو 1,8مليون طن، علماً بأن إجمالي حجم انتاج الشركات المُنتجة للأسمدة في مصر يتراوح مابين 7 إلى 7,5مليون طن سنوياً، وأن احتياجات السوق المحلى تصل إلى 4 مليون طن سماد آزوتي سنوياً، في حين إننا نحصل على 75% من كميات الأسمدة الآزوتية المستهدفة، وهذا يعنى أنه يوجد لدينا عجز في توفير السماد الآزوتى تُقدر نسبته بنحو 25% من إجمالي معدلات السماد الآزوتي المستهدف توريده للسوق المحلى، أما بالنسبة للأسمدة الفوسفاتية والمركبة فلا توجد مشكلة بشأن توافرهما في السوق المحلي.
وتكمن المُشكلة الأساسية التي تواجه القطاع الزراعي في مصر بشأن شتى أنواع الأسمدة في استخدام السماد الآزوتى بصفة عامة حيث إن السماد الآزوتى يدخل بنسبة تتراوح ما بين 7% إلى10% من مُدخلات الإنتاج الزراعي، ويؤثر في الإنتاج الكلي، ومن أهم المحاصيل التي تتأثر بنسبة كبيرة بنقص السماد الآزوتى محصولي الذرة الشامية والقمح وهما من المحاصيل الاستراتيجية.
وهناك مشكلة كبيرة في ارتفاع أسعار بيع السماد الآزوتي، حيث توجد زيادة كبيرة في سعر بيع السماد الآزوتي بشكل مستمر، لاسيما في ظل ارتفاع سعره من 280دولار للطن إلى 1200 دولار للطن نتيجة اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، مما يزيد من الأعباء المالية المُلقاة على عاتق المزارع المصري ، ويرجع ذلك إلى ظروف وطبيعة المناخ المصري، وقلة مياه الأمطار التي تجعل زراعة الأراضي في احتياج إلى السماد الآزوتى بنسبة كبيرة لزيادة إنتاجية المحصول، خاصةً الأراضي المستصلحة الجديدة التي وصلت مساحتها إلى ما يقرب من 4 مليون فدان، وفي ظل الزيادة السكانية المتوقعة مستقبلاً تظهر الحاجة إلى استصلاح مساحات أكبر من الأراضي، مما يؤدى إلى زيادة الكميات المطلوبة للاستخدام من الأسمدة الآزوتية.