بوتين يفرض شروطاً لإحياء اتفاق الحبوب المدعوم من الأمم المتحدة
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه لن يعيد إحياء الاتفاق المدعوم من الأمم المتحدة والذي خفف حدة أسعار الغذاء العالمية من خلال السماح لأوكرانيا بشحن حبوبها عبر البحر الأسود، ما لم تُرفع العقبات التي تعترض الصادرات الزراعية الروسية.
جاءت تصريحات بوتين بعد اجتماع استمر ثلاث ساعات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في منتجع سوتشي الروسي. كان أردوغان، الذي توسط في المبادرة الأصلية لحبوب البحر الأسود في عام 2022، يأمل في الانتهاء من المحادثات من خلال إطار جديد للمفاوضات لتقديمه إلى قادة العالم المجتمعين بقمة مجموعة العشرين في الهند في وقت لاحق من الأسبوع الجاري.
وبدلاً من ذلك، أكد الزعيمان خططاً لإرسال مليون طن من الحبوب الروسية عبر تركيا إلى الدول الأفريقية الغير قادرة على التكيف مع الاضطرابات التي تؤدي لارتفاع أسعار المواد الغذائية.
يمثل ذلك جزءاً محدوداً من إجمالي صادرات القمح الروسية التي يُتوقع أن تصل إلى نحو 48 مليون طن هذا الموسم. كما أنها أصغر بكثير من الكمية التي كانت أوكرانيا تشحنها عبر البحر الأسود قبل أن تتخلى روسيا عن صفقة الحبوب وتغلق الممر الآمن في يوليو.
تقلبات الأسعار
ساهمت حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الإمدادات من أحد أكبر مصدري الحبوب في العالم في تقلبات استمرت لأسابيع بأسعار القمح عالمياً، وكذلك تصاعد الأعمال العدائية في البحر الأسود وحوله.
شنت روسيا موجات من الهجمات بطائرات بدون طيار على منطقة أوديسا الجنوبية في الفترة التي سبقت المحادثات، مما ألحق أضراراً بالمخازن والمنشآت الصناعية وكذلك المعدات الزراعية. كما استهدفت ميناءين نهريين يشكّلان طرق التصدير البديلة الرئيسية إلى البحر الأسود.
اشتكى بوتين من تصاعد هجمات الطائرات بدون طيار الأوكرانية على خطوط أنابيب الغاز الروسية، حيث أشار وزير دفاعه لاحقاً إلى هذه الهجمات كذريعة للخروج من الصفقة، وفقاً لوكالة "إنترفاكس" للأنباء.
قال إيهور جوفكفا، نائب رئيس الأركان الأوكراني لتليفزيون "بلومبرج" قبل المحادثات إن بلاده كانت تعتمد على تركيا في مسألة دعم إحياء صفقة الحبوب، وأنها مستعدة لتصديرها إلى الدول الفقيرة في أفريقيا وآسيا.
أضاف: "المحاصيل في أوكرانيا هذا العام جيدة جداً. لذلك نحن مستعدون. العالم يعاني عندما تستخدم روسيا أدوات عدوانية في مجال الأمن الغذائي".
مطالب روسيا
قال بوتين في مؤتمر صحفي عقب انتهاء المحادثات: "سنكون مستعدين للنظر في إمكانية إحياء صفقة الحبوب. سنفعل ذلك على الفور بمجرد تنفيذ جميع الاتفاقات المتعلقة برفع القيود المفروضة على تصدير المنتجات الزراعية الروسية".
طالبت روسيا بتسهيل صادراتها من المواد الغذائية والأسمدة التي تضررت مع ابتعاد البنوك وشركات التأمين وشركات الشحن عن التعامل مع المنتجات الروسية، في الوقت الذي تمتنع فيه دول البلطيق عن التعامل مع الشحنات الروسية عبر موانئها.
وتريد روسيا أيضاً إعادة فتح خط أنابيب الأمونيا الذي يمر عبر أوكرانيا، وإعادة ربط بنك "روسلخوزبنك" (Rosselkhozbank) المملوك للدولة والذي يركز على الزراعة، بنظام "سويفت" للمدفوعات الدولية.
رغم أن روسيا لا تزال أكبر مصدر للقمح في العالم، إلا أنها أكدت عدم فتح الممر التجاري ما لم تُلبَّ شروطها.
الأمم المتحدة التي لعبت دوراً مهماً في التوصل إلى الاتفاق الأساسي بشأن تصدير الحبوب، عملت من جهتها بشكل وثيق مع بنوك القطاع الخاص وشركات التأمين، في محاولة لمعالجة مخاوف روسيا. أرسل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مؤخراً إلى موسكو، اقتراحاً منقحاً قال إنه يمكن أن يشكل الأساس لاتفاق جديد.
يبقى أن نرى ما إذا كانت الشروط الجديدة كافية لكسر حالة الجمود.
وقال غوتيريش للصحفيين في نيويورك يوم الخميس: "لا يمكن أن نكون أمام مبادرة للبحر الأسود، تنتقل من أزمة إلى أخرى ومن تعليق إلى تعليق.. نحن بحاجة إلى شيء ناجح ويعمل لمصلحة الجميع".
وساطة تركيا
ساهمت وساطة تركيا، وهي قوة متوسطة الحجم تحافظ على علاقات قوية مع كل من بوتين والغرب، في التوصل إلى التوقيع على مبادرة حبوب البحر الأسود في يوليو 2022، وهو ما سمح للشحنات الأوكرانية بالعودة إلى الأسواق العالمية التي انقلبت رأساً على عقب بسبب الغزو الروسي والاضطرابات اللاحقة التي أحدثها في إحدى أهم قنوات شحن المحاصيل في العالم.
إلا أن هذا الاتفاق الذي عكس نجاحاً دبلوماسياً نادراً في الحرب الطاحنة، كان هشاً منذ البداية، حيث تعطلت صادرات الحبوب الأوكرانية مراتٍ عديدة بسبب بطء عمليات تفتيش السفن والتوترات السياسية.
في يوليو الماضي، انسحبت روسيا من الاتفاق، وأغلقت الممر الآمن بسبب تجاهل مطالبها الخاصة بشروط تجارية أفضل.
استهدفت الصواريخ الروسية بشكل متكرر البنية التحتية لتصدير الحبوب الأوكرانية، فيما أعطبت طائرات أوكرانية بدون طيار سفينة تابعة للبحرية الروسية وناقلة نفط، ما عرّض صادراتها عبر البحر الأسود للمخاطر للمرة الأولى.
وشنت روسيا عدة موجات من الهجمات بطائرات "شاهد" بدون طيار في الفترة التي سبقت المحادثات، واستهدفت منشآت في منطقة أوديسا في جنوب أوكرانيا.
عرض التمويل القطري
حتى لو فشلت جهود أردوغان في إحياء اتفاق البحر الأسود، ستظل المحاصيل الأوكرانية قادرة على الوصول إلى الأسواق. إلا أن ارتفاع تكاليف النقل، يمكن أن يؤدي إلى تراجع عمليات زرع الحبوب التي تجري خلال الفترة القريبة المقبلة، ما سيؤدي إلى تقلّص الإمدادات العالمية على المدى الطويل.
في الوقت ذاته، اقترحت روسيا ترتيباً يقضي ببيع مليون طن من الحبوب الروسية بسعر تفضيلي إلى تركيا، حيث يمكن معالجتها وشحنها إلى البلدان المحتاجة. وقد جرت مناقشة هذه الصفقة، التي ستأتي مع العرض الإضافي للدعم المالي من قطر، في اجتماع عقد مؤخراً بين وزيري خارجية روسيا وتركيا.