مصر وروسيا.. 80 عامًا من الشراكة الاستراتيجية والعلاقات المتجذرة
تشارك مصر في فعاليات النسخة الثانية من القمة الإفريقية - الروسية، وفي إطار ذلك، التقي الرئيس السيسي نظيره الروسي فلاديمير بوتين. وقال بوتين، إن مصر احتلت جزءًا كبيرًا من التبادل التجاري مع قارة أفريقيا، مشيرا إلى أن روسيا أحرزت تقدمًا كبيرًا في العلاقات مع مصر. لذا نجد أنه من المهم أن نتعرف على مدى عمق العلاقات التاريخية بين مصر وروسيا في مختلف المجالات.
وتتسم العلاقات المصرية الروسية بأهمية بالغة، إذ يمكن وصفها بأنها علاقات ذات طبيعة استراتيجية. وينظر دائمًا إلى روسيا كشريك سياسي وأمنى وتنموي. وقد اكتسبت العلاقات المصرية الروسية زخمًا كبيرًا خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة وأن لدى البلدين رؤى مشتركة فيما يتعلق بالحوكمة العالمية بجوانبها السياسية والاقتصادية، لا سيما مبادئ الاحترام المتبادل بين الدول والمساواة في السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحق كل دولة في اختيار النموذج التنموي الذي يناسب ظروفها.
ومن ناحية أخرى، تعد مصر واحدة من أهم شركاء روسيا في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ إذ تضم العديد من المراكز السياسية والاقتصادية والثقافية الرائدة في المنطقة، فضلًا عن مكانة مصر الكبيرة في العالم الإسلامي. وتتحدد طبيعة العلاقات المصرية الروسية بـ«اتفاقية الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي» التي وقعها الرئيسان عبد الفتاح السيسي وفلاديمير بوتين في أكتوبر عام 2018 ودخلت حيز التنفيذ في يناير 2021.
تاريخ العلاقات المصرية الروسية.. بين صعودٍ وهبوط
مرت العلاقات المصرية الروسية بفترات صعود وهبوط، إذ أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي ومصر في 26 أغسطس 1943. وشهدت العلاقات بين البلدين تغيرات جدية، كما تغيرت أولوياتها على الصعيدين الخارجي والداخلي. أصبحت روسيا ومصر اليوم شريكتين على الصعيدين الثنائي والدولي.
عندما كانت روسيا تُسمى الاتحاد السوفيتي، وقفت بقوة بجوار مصر في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، وقدمت دعمًا كبيرًا لمصر في المشروعات الاستراتيجية الكبرى، خاصة بناء السد العال، وإنشاء مصانع الألومنيوم والحديد والصلب والمشاركة في بناء حائط الصواريخ عام 1970 الذي أوقف استباحة الطائرات الإسرائيلية للأجواء المصرية، إضافة إلى أن الانتصار المصري على القوات الإسرائيلية في حرب أكتوبر 1973 كانت بالسلاح الروسي.
وبذلك بلغت العلاقات الثنائية ذروتها في فترة الخمسينات – الستينات من القرن العشرين حين ساعد آلاف الخبراء السوفييت مصر في إنشاء المؤسسات الإنتاجية، وبينها السد العالي في أسوان ومصنع الحديد والصلب في حلوان ومجمع الألومنيوم بنجع حمادي ومد الخطوط الكهربائية أسوان – الإسكندرية. وتم في مصر إنجاز 97 مشروعا صناعيا بمساهمة الاتحاد السوفيتي. وزودت القوات المسلحة المصرية منذ الخمسينات بأسلحة سوفيتية.
وفي 28 سبتمبر 1970، بادر الرئيس السادات بطرد الخبراء السوفييت من مصر في صيف 1972، ثم انفتح على الولايات المتحدة والغرب، وظل هذا التوجه أساسيًا في السياسة المصرية طوال عهد الرئيس حسني مبارك منذ عام 1981 وحتى تنحيه عن السلطة في 11 فبراير 2011.
وكانت ثورة 30 يونيو 2013، نقطة تحول كبيرة في علاقة مصر بروسيا، وتحديدًا منذ الزيارة التي تمت في 14 نوفمبر 2013 وقام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي –وقت أن كان وزيرًا للدفاع- ووزير الخارجية، الأمر الذي بدا أنه مؤشر على تحول مهم في السياسة الخارجية المصرية، ثم تعددت الزيارات المتبادلة بين الجانبين على كافة المستويات.
ومنذ هذا الوقت، توثقت العلاقات المصرية الروسية؛ إذ زار الرئيس عبد الفتاح السيسي موسكو عدة مرات، ومنح شركاتها مشروعات عملاقة أهمها مشروع «الضبعة النووي» الذي دشنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
مجالات التعاون المصرية الروسية
ويوجد توافق كبير بين موسكو والقاهرة في التعاطي مع العديد من القضايا والأزمات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وانعكست تداعياتها بشكل كبير على الدول الأوروبية بشكل عام وروسيا بشكل خاص، مثل الأزمة الليبية والقضية الفلسطينية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الاتفاقيات والتعاون بين مصر وروسيا في قضايا الأمن السيبراني وقضايا الإرهاب، فضلًا عن تعزيز التعاون الاقتصادي بوتيرة سريعة منذ عام 2013، الأمر الذي جعل من روسيا الشريك الثالث الأكثر أهمية لمصر بعد الاتحاد الأوروبي والصين؛ انعكاسًا لرغبة البلدين في تطوير العلاقات الثنائية.
يرجع ذلك إلى سعي القيادة السياسية المصرية إلى تنويع شراكاتها الدولية من أجل توسيع استقلالها الاستراتيجي، مع تعظيم العوائد الجيوسياسية والاقتصادية. وفي الوقت نفسه، تود روسيا أن تجني فوائدَ أمنيةً وتجاريةً من التعاون.
العلاقات الاقتصادية
تشغل الخامات والمواد الغذائية وزناً نوعياً عالياً في الصادرات الروسية بينما تشكل المنتجات الزراعية والسلع الاستهلاكية البنود الأساسية في الصادرات المصرية.
ويشهد التعاون بين مصر وروسيا في مجال الطاقة على التقدم الملحوظ للتعاون الروسي المصري الأمر الذي يبدو واضحاً في ميادين استخراج وإنتاج النفط والغاز الطبيعي. وتتابع شركة «لوكويل» النفطية الروسية بنجاح نشاطها في مصر. وقد وقعت شركة «نوفاتيك» اتفاقية حول إنشاء مؤسسات مشتركة مع شركة «ثروة» لاستخراج وإنتاج الغاز في حقول بلدة العريش. كما تعمل شركة النفط والغاز الروسية العملاقة «گازپروم» بنشاط في مصر.
وبلغت عدد الشركات الروسية والاستثمار الروسي في مصر 400 شركة روسية بإجمالي استثمار 7.4 مليار دولار يوفر العديد من فرص العمل، ومن أهم المشروعات التي تم الاتفاق عليها مشروع الضبعة النووي بتكلفة استثمارية قدرها 29 مليار دولار منها قرض وتمويل روسي قدره 25 مليار دولار، بالإضافة إلى المنطقة الصناعية الروسية في محور تنمية قناة السويس المتوقع أن تكون حجم الاستثمارات في هذه المنطقة يتجاوز الـ 8 مليارات دولار.
ومؤخرا قام البنك المركزي الروسي بإدراج الجنيه المصري ضمن أسعار صرف العملات بروسيا في المعاملات التجارية والتي بلغت قيمتها نحو 4.7 مليار دولار لعام 2021.
وفي مجال السياحة، منذ سنوات أصبحت المنتجعات المصرية مكانًا مفضلًا للسياح الروس؛ إذ يشكل تدفق السياح الأجانب إلى مصر مصدرًا مهمًا للدخل القومي.
وفي العلاقات السياسية، تعد مصر أحد الشركاء الرئيسيين لروسيا الاتحادية في منطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية. وتشكل الاجتماعات المنتظمة لوزراء الخارجية والدفاع في صيغة «2+2» جزءًا مهمًا للحوار السياسي الثنائي، خاصة في ظل المتغيرات والأحداث المتلاحقة التي يشهدها العالم.
التعاون في المجال العسكري: إن التعاون المصري الروسي في الجانب العسكري ليس بالأمر الجديد؛ إذ يمتد هذا التعاون بين البلدين منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وتعد مصر أحد الشركاء ذوي الأولوية بالنسبة لروسيا في مجالات التعاون العسكري والتقني.
وقد أسست زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي -حين كان وزيرًا للدفاع- إلى روسيا لتعاون استراتيجي واسع النطاق بين البلدين من خلال تحديث قدرات الجيش المصري، وإمداده بمنظومات دفاعية متقدمة منها طائرات مقاتلة من طراز “ميج – 29 “، وأنظمة دفاع جوي وصواريخ “كورنيت ” المضادة للدبابات، وطائرات مروحية مقاتلة من طراز “كا – 25″، “مي – 28″، “مي – 25″، وتمثل تلك الصفقات دعمًا للمساعدة في القضاء على العناصر الإرهابية المتطرفة.
وشهدت أواخر عام 2020، المناورات البحرية المشتركة بين البلدين تحت عنوان «جسر الصداقة-3»، والتي نظمت لأول مرة في البحر الأسود، وكانت تهدف إلى دعم جهود الأمن والاستقرار في المنطقة. بحيث عبرت بموجبها قطع بحرية مصرية مضيق الدردنيل والبوسفور للاشتراك في المناورات البحرية. وتعد مناورات «جسر الصداقة»، أحد أهم التدريبات المشتركة بين مصر وروسيا لنقل وتبادل الخبرات بين القوات المسلحة لكلا البلدين وتعزيز آفاق التعاون العسكري.
ومن المتوقع أن يستمر نهج العلاقات على هذا المسار من التوافق، نظرًا إلى وجود بعض المظاهر والدلائل التي تؤكد اتجاه العلاقات بين البلدين إلى التطور في شتى المجالات.