حكم الجهر بالبسملة في الصلاة
حكم الجهر بالبسملة في الصلاة هو ما يجب أن يعرفه الجميع خاصة لأنها آية من فاتحة الكتاب، ما يجعل من معرفة حكم الجهر بالبسملة في الصلاة أمرا مهما من أجل صحة الصلاة.
وورد إلى دار الإفتاء سؤال حول حكم الجهر بالبسملة في الصلاة، وتمت الإجابة عنه عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء ليتعرف الجميع على حكم الجهر بالبسملة في الصلاة.
حكم الجهر بالبسملة في الصلاة
سأل يقول: ما حكم الجهر بالبسملة في الصلاة؟
وأجابت دار الإفتاء بقولها: الجهر لغة: إعلان الشّيء وعلوّه، يقال: جهرت بالكلام أعلنت به، ورجل جهير الصّوت، أي عاليه، قال أبو هلال العسكريّ في "معجم الفروق اللغوية": [وأصله رفع الصّوت، يقال: جهر بالقراءة إِذَا رفع صوته بها] اهـ.
ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ الأوّل؛ وهو الإعلان.
والجَهْرُ في الصلاة في موضعه والإسرار فيها في موضعه من هَيْئَاتِ الصلاة التي لا ينبغي للمُسْلِم أَنْ ينشغل بها عن مقصود الصلاة الأسمى، وهو الخشوع والتدبر والمُنَاجاة.
والجهر بالبسملة في الصلاة جزء من هذه الهيئة وهي الجهر في الصلاة، ومع كونها من هيئات الصلاة، فهي مسألة خلافية غير مُجْمَعٍ عليها.
وقد يرجع الخلاف فيها إلى مدى إثبات البسملة قرآنية؛ قال الإمام ابن كثير في "تفسيره" (1/ 117، ط. دار طيبة) بعد ذِكْرِه خلافَ العلماء في كونها قرآنًا: [هذا ما يتعلق بكونها من الفاتحة أم لا، فأمَّا ما يتعلق بالجهر بها، فمفرَّع على هذا، فمَن رأى أنها ليست من الفاتحة فلا يَجهر بها، وكذا مَن قال: إِنَّها آية من أوَّلها، وأمَّا مَن قال: بأنها من أوائل السور فاختلفوا؛ فذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة والسورة، وهو مذهب طوائف من الصحابة والتابعين، وأئمة المسلمين سَلَفًا وخَلَفًا] اهـ.
وقد يرجع الخلاف فيها إلى التعارض الظاهر بين الآثار فيها، وهو ما يقتضي الترجيح كأي مسألة فقهية خلافية؛ قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 300، ط. دار الفكر): [اعلم أَنَّ مسألة الجهر ليست مَبْنِيَّة على مسألة إثبات البسملة؛ لأَنَّ جماعة مِمَّن يرى الإسرارَ بها لا يعتقدونها قرآنًا، بل يرونها مِن سننه كالتعوذ والتأمين، وجماعة ممن يرى الإسرار بها يعتقدونها قرآنًا، وإنما أسروا بها وجهر أولئك لما ترجَّح عند كل فريق من الأخبار والآثار] اهـ.
ولا مانع من أن يكون الخلاف في مسألة ما مبنيًّا على أكثر من سبب؛ فحُكْمُ الجهرِ بالبسملة مترتِّبٌ على حكم قراءة البسملة في الصلاة، وحُكْمُ القراءةِ فرعُ الخلافِ في مسألة إثبات البسملة آيةً من الفاتحة، وذلك مع اختلافهم في الآثار الواردة في قراءتها جهرًا أو سرًّا.
ومذهب الشافعية وما نفتي به: استحباب الجهر بها؛ حيث يُجْهَر بالقِرَاءَةِ في الفاتحة والسورة جميعًا، وهذا قول أكثر العلماء من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم من الفقهاء والقراء.
فأمَّا الصحابة: فروي عن: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمار بن ياسر، وأبي بن كعب، وابن عمر، وابن عباس، وأبي قتادة، وأبي سعيد، وقيس بن مالك، وأبي هريرة، وعبد الله بن أبي أوفى، وشداد بن أوس، والحسين بن علي، وعبد الله بن جعفر، ومعاوية وجماعة الـمهاجرين والأنصار الذين حضروه لمَّا صلَّى بالمدينة وتَرَكَ الجهر فأنكروا عليه، فرجع إلى الجهر بها، رضي الله عنهم أجمعين.
قال الإمام ابن عبد البر في "الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف" (ص: 160، ط. أضواء السلف): [فلم يُخْتَلف في الجهر في ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ عن ابن عمر رضي الله عنهما، وهو الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنها أيضًا، وعليه جماعة أصحابه: سعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد، وطاوس، وهو مذهب ابن شهاب الزهري وعمرو بن دينار، وابن جريج، ومسلم بن خالد، وسائر أهل مكة] اهـ.
وقال أيضًا في "الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف" (ص: 277): [وهو أحد قولي ابن وهب صاحب مالك] اهـ.
قال الشيخ أبو محمد المقدسي: [والْجَهْرُ بالبسملة هو الذي قرَّرَهُ الأَئِمَّةُ الحفَّاظ، واختاروه وصنفوا فيه مثل: محمد بن نصر المروزي، وأبي بكر بن خزيمة، وأبي حاتم ابن حبان، وأبي الحسن الدارقطني، وأبي عبد الله الحاكم، وأبي بكر البيهقي، والخطيب، وأبي عمر بن عبد البر، وغيرهم رحمهم الله] اهـ. "المجموع شرح المهذب" (3/ 342).
وقد روي من الأحاديث ما يدل على صحة الجهر بالبسملة، نذكر منها: حديث نعيم بن عبد الله المجمر قال: صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، فَقَرَأَ بِـ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى بَلَغَ ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ قال: "آمِينَ". وَقَالَ النَّاسُ: آمِينَ، وَيَقُولُ كُلَّمَا سَجَدَ: "اللهُ أَكْبَرُ"، وَإِذَا قَامَ مِنَ الْجُلُوسِ قَالَ: "اللهُ أَكْبَرُ"، وَيَقُولُ إِذَا سَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلم. رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والدارقطني وقال: هذا صحيح، ورواته كلهم ثقات، وأخرجه الحاكم في "مستدركه" وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 267، ط. دار المعرفة): [وهو أصحُّ حديثٍ وَرَدَ في ذلك] اهـ. يقصد الجَهْر بالبسملة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ يَؤُمُّ النَّاسَ افْتَتَحَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "هِيَ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ فَاتِحَةَ الْقُرْآنِ فَإِنَّهَا الْآيَةُ السَّابِعَةُ" أخرجه الدارقطني والبيهقي.
وفي رواية: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أَمَّ الناسَ قَرَأ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" أخرجه الدارقطني.
وعن قتادة رضي الله عنه قال: "سُئل أنس رضي الله عنه: كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: كانت مدًّا، ثم قرأ ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾؛ يَمُدُّ ﴿بِسْمِ اللهِ﴾، ويَمُدُّ ﴿الرَّحْمَنِ﴾، ويَمُدُّ ﴿الرَّحِيمِ﴾" أخرجه البخاري في "صحيحه".
قال الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي: [هذا حديث صحيح لا نعرف له علة، وفيه دلالة على الجهر مطلقًا يتناول الصلاة وغيرها؛ لأن قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو اختلفت في الجهر بين حالتي الصلاة وغيرها لبيَّنها أنسٌ رضي الله عنه ولما أطلق جوابَه، وحيث أجاب بالبسملة دَلَّ على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يَجْهر بها في قراءته، ولولا ذلك لأجاب أنس رضي الله عنه بـ﴿الحمد للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أو غيرها] اهـ. "المجموع شرح المهذب" (3/ 347).
قال الشيخ أبو محمد المقدسي: [فلا عذر لمن يترك صريح هذه الأحاديث عن أبي هريرة رضي الله عنه ويعتمد رواية حديث: «قسمت الصلاة»، ويحمله على ترك التسمية مطلقًا، أو على الإسرار، وليس في ذلك تصريحٌ بشيءٍ منهما، والجميع رواية صحابي واحد، فالتوفيق بين رواياته أوْلى مِنِ اعتقاد اختلافها، مع أن هذا الحديث الذي رواه الدارقطني بإسناد حديث «قسمت الصلاة» بعينه؛ فوجب حَمْلُ الحديثين على ما صرَّح به في أحدهما] اهـ. "المجموع شرح المهذب" (3/ 346).
ومذهب الإمام أبي حنيفة أنه يُسَنُّ قراءتُها سرًّا مع الفاتحة في كُلِّ ركعةٍ، وإن قرأها مع كل سورةٍ فحَسَنٌ، وكذلك عند الإمام أحمد يُسَنُّ قراءتُها سرًّا مع الفاتحة، فإنْ تَرَكَها -ولو عمدًا- حتى شَرَعَ في القرآن سقط طلبُها؛ لأنـها سنةٌ فات محلُّها. ينظر: "الدر المختار" (1/ 490-491، ط. دار الفكر)، و" كشاف القناع" (1/ 335-336، ط. دار الكتب العلمية).
والإمام مالك مَنَعَ قراءتها في الصلاة الـمكتوبة جهرًا كانت أو سرًّا، لا في أول الفاتحة ولا في غيرها من السور، وأجاز قراءتها في النوافل؛ وذلك راجع لقوله: إنها ليست آية من الفاتحة، ولاعتماده الأحاديث الدَّالة على عدم قراءتها في الصلاة. ينظر: "شرح مختصر خليل" للإمام الخرشي (1/ 289 وما بعدها).
وعلى هذا: فنرى استحباب الجهر بقراءة البسملة في الصلاة في الفاتحة والسورة؛ لما ذكرناه من أدلة، مع التذكير بأن المسألة خلافية، فلا تستوجب الشقاق بين المسلمين.