المستثمرون يستعدون لمواجهة اضطرابات بنوك أمريكا الإقليمية
يكثف المستثمرون حماية أنفسهم من جولة جديدة من الاضطراب المالي في أسهم البنوك الإقليمية الأمريكية، إذ يستعد المقرضون للكشف عن مدى سوء تقلص أرباحهم جراء الاضطرابات التي أطاحت ببنك “وادي السيليكون”.
واستقرت أسعار أسهم البنوك الإقليمية عقب انخفاض هائل نجم عن انهيار “وادي السيليكون” منتصف مارس، لكن وفقا لبيانات “بلومبرج”، المتداولون منخرطون في شراء كميات قياسية من عقود الخيارات الآجلة المرتبطة ببنوك الإقراض متوسطة الحجم، التي لديها بعض أعلى التقلبات.
العديد من البنوك التي تضررت بشدة في التقلبات الأخيرة، ومن بينها “سيتيزنز فاينانشيال” و”تشارلز شواب” و”كي بنك”، شهدت مستويات فائدة قياسية على عقود الخيارات، بينما شهد عدد أكبر من البنوك أعلى مستويات لأسعار الفائدة على هذه الخيارات منذ أعوام.
يشير تسعير العقود إلى أن المستثمرين يتوقعون أن تصل تقلبات الأسهم في بعض البنوك إلى ثلاثة أضعاف المستويات العادية، وفقا لتحليل أجرته شركة “آر.بي.سي كابيتال ماركتس”.
يعكس الاهتمام بالمقرضين المشكلة التي تواجه بنوك الإقراض المتوسطة الحجم التي لعبت منذ فترة طويلة دوراً كبيراً في الاقتصاد الأمريكي، لكنها تواجه توقعات متضائلة للأرباح، وتدفقات خارجة للودائع، وتشديدا في اللوائح التنظيمية قد يختبر قدرتها على الازدهار.
خفض المحللون في بنك “مورجان ستانلي” مؤخراً تقديراتهم لأرباح البنوك الإقليمية بنسبة 20% في 2023 ونحو 30% في 2024.
يقدر مستثمرو عقود الخيارات الآجلة تقلبات أسعار الأسهم بأكثر من 10% في اثنين من البنوك الإقليمية التي ستعلن عن نتائجها في نهاية أبريل الجاري، وهما بنك “يوتاه زيونز بانكورب” وبنك “كوميريكا” في تكساس.
وفقا لإيمي وو سيلفرمان، محللة مشتقات الأسهم في شركة “آر.بي. سي كابيتال ماركتس”، “من المتوقع حدوث تقلبات كبيرة، احتسبت لها السوق في وقت مبكر”، مضيفا أن “عددا من العملاء يفكر في موسم الأرباح باعتباره نقطة انعطاف محتملة قد تؤدي إلى مكاسب أو خسائر كبيرة اعتمادا على الأرباح المعلنة للبنوك”.
والولايات المتحدة، هي موطن لنحو 4400 بنك، لكن القلق الذي أشعله انهيار بنك “وادي السيليكون” يتركز على نحو 100 مقرض تأتي في التصنيف مباشرة بعد أكبر 20 بنكا في البلاد، بما فيها “جيه بي مورجان تشيس” و”بنك أوف أمريكا”.
يمتلك هؤلاء المقرضين متوسطي الحجم أصولاً تتراوح بين 10 مليارات و150 مليار دولار، ويشكلون بصورة جماعية نحو ثلث جميع القروض الأمريكية التي تشمل ما وصفته دراسة أجرتها جامعة “هارفارد” عام 2015 بحصة “كبيرة بشكل غير متناسب” من الإقراض التجاري، خاصة للشركات الصغيرة.
بدأت بنوك عدة هذا العام معالجة الخسائر الورقية لاستثماراتها في السندات جراء ارتفاع أسعار الفائدة، فقد تسبب انهيار بنوك “وادي السيليكون” و”سيجنتشر” و”سيلفر جيت” في اضطرابات أوسع في أوساط العملاء والمستثمرين، ما أدى إلى تسريع التدفقات الخارجة للودائع وتراجع مؤشر “كيه.بي.دبليو” المصرفي الإقليمي بنسبة 20% في 10 أيام.
أدت إجراءات طارئة اتخذها الاحتياطي الفيدرالي والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، وقرار أكبر المقرضين في البلاد “فيرست ريبابليك” إيداع 30 مليار دولار في أحد أكثر البنوك تضررا، إلى إيقاف التدهور، لكن المحللين قلقون من أن هذا القطاع سيتعثر لأعوام مقبلة.
يرى بليك جوي، رئيس استراتيجية الأسعار في بنك “آر.بي.سي”، أن البنوك الإقليمية “في وضع صعب حقاً”.
على عكس البنوك الكبيرة التي تستفيد بشكل روتيني من أسواق الجملة، تمول البنوك الإقليمية والمجتمعية عموما قروضها عن طريق تلقي الودائع.
وفي مثل هذا الوقت من العام الماضي، كان لدى البنوك التجارية الصغيرة التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها ما قيمته 5.3 تريليون دولار من الودائع الأساسية، تدعم 4.6 تريليون دولار في شكل قروض واستثمارات يصعب بيعها، وفقا للاحتياطي الفيدرالي.
وكانت الفجوة تعني أن لدى البنوك احتياطي 700 مليار دولار على شكل نقد أو أصول لبيعها إذا أراد المودعون استرداد أموالهم، كما اختفى حاجز الحماية هذا، وفقا لبيانات صادرة عن البنك المركزي مؤخراً، فقد كان لدى المقرضين الإقليميين والمجتمعيين 260 مليار دولار في شكل قروض واستثمارات يصعب بيعها أكثر مما كان لديهم من الودائع.
ونظرا إلى أن العملاء أنفقوا أو نقلوا النقد المتراكم خلال الجائحة، شهدت البنوك الصغيرة تدفقات خارجية جماعية حجمها 420 مليار دولار من الودائع الأساسية منذ منتصف العام الماضي، بما في ذلك 250 مليار دولار في الشهر الماضي.
لقد تحول المقرضون الإقليميون إلى كيانات مدعومة من الحكومة، واقترضوا نحو 300 مليار دولار من الاحتياطي الفيدرالي والبنك الفيدرالي لقروض الإسكان.
وللبقاء في وضع سليم، يجب على المقرضين استعادة العملاء من صناديق الأسواق المالية، التي تدفع حاليا أكثر من 4% سنويا مقابل نحو 0.5% لمعظم حسابات التوفير المصرفية، كما قال جيم بيانكو، الخبير الاستراتيجي في شركة “بيانكو” للأبحاث، لكن هذا سيقلل من الربحية بشكل حاد.
وأضاف بيانكو أن “الحكمة الشائعة هي أن الحصول على الطلاق أكثر ترجيحا من ترك البنك الذي تتعامل معه. الشيء العقلاني الذي يجب على الناس فعله هذه الأيام هو عدم الاحتفاظ بأموالهم في أي بنك”.
ستتقلص أرباح البنوك الإقليمية بشكل أكبر بسبب خطط إعادة فرض قواعد ولوائح أكثر صرامة في أعقاب انهيار “وادي السيليكون”.
دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى عكس تغييرات 2018 التي قللت من الإشراف على البنوك التي لديها أصول قيمتها 50 مليار دولار إلى 250 مليار دولار.
قال ريتشارد بيرنر، الذي كان يدير سابقا المكتب الأمريكي للبحوث المالية، وهو مكتب تابع لوزارة الخزانة، “إن جزءا من التنظيم هو الحكم على التوازن بين السلامة والمتانة من ناحية وتكلفة تلك اللوائح التنظيمية وتكاليف هذا الإشراف لمعرفة الهدف النهائي، وهو أن يكون لديك نظام مالي يعمل حقا ويساعد الاقتصاد”.