شيخ الأزهر: اختيار شريك الحياة بمقياس الدين هو الأساس الصلب للأسرة
قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، إن المقياس في اختيار الزوجة هو مقياس الدين، والسبب في ذلك هو أن الإسلام يؤسس بنيان الأسرة على قواعد صلبةٍ، وأسس متينة ذاتِ أثر ممتد في استقرارها وبقائها.
وأضاف شيخ الأزهر - في حديثه للحلقة الثالثة حول توجيهات رسول الله ﷺ لشباب أمته (فتيانًا وفتيات) اليوم الأحد خلال الحلقة الـ25 من برنامجه الرمضاني (الإمام الطيب) - أن مقياس الدين في اختيار الشاب للفتاة، واختيار الفتاة للشاب ليس هو ما يتصوره بعض الناس مما يتعلق بجانب العبادات وكفى، وأن التدين هو الاجتهاد في الصلاة وفي قيام الليل وصوم الاثنين والخميس ولا شيء بعد ذلك.. ولكن هناك جوانب أخرى هي من صلب هذا الدين وجوهره وحقيقته وهي الأخلاق التي لا تقل أهميةً ولا خطرًا عن جانب العبادات المفروضة.
وأوضح أنه تم قبل ذلك عرض العديد من الآيات القرآنية بشأن الصلاة ومقاصدها والصوم وغايته والزكاة وثمرتها الخلقية والانتهاء عن الفواحش والتقوى، والتطهير والتزكية، وكل ذلك من باب الأخلاق والفضائلِ والآداب.
وتابع أنه تم أيضًا عرض حديث لرسول الله ﷺ في شأن المرأة التي كانت تصوم النهار وتقوم الليل، إلا أنها كانت تؤذي جيرانها بلسانِها، فكان مصيرها إلى النار، مما يدلنا على أن الأخلاق الكريمة التي تسع الآخر ولا تعتدي عليه ولا تؤذيه بغير حق، هي والإسلام وجهان لعملة واحدة.
وأكد أن الغرض من وراء هذا التحليل السريع لمعنى الدين، أنه والأخلاق أمر واحد، فحين نعدد صفات المرأة التي تدعو إلى الاقتران بها، ونذكر منها وصف الدين، فإننا نقصد من الدين هذا المعنى المرتبط بالأخلاق، والذي يدورُ معه الدِّين وجودًا وعدمًا، فإذا صحَّت الأخلاق صَحَّت العبادات وصحَّ التدين.
ولفت إلى أهمية أن نعلم أن كل ما قيل في اختيار شريكة الحياة يُقال مثله في اختيار الفتاة شريكَ حياتها، من عدم الانبهار بالثروة أو الشكل أو وجاهة الأُسرة، والأمر هنا أكثر خطرًا وأشد خوفًا؛ لأن أسباب الاضطرابات التي يُخشى منها على استقرار الأُسرة متجمعةٌ -هذه المرَّة- في يد الزوج الذي تُغريه ثروته أو وسامته بالطلاقِ أو التعدد.
وأشار إلى اهتمام الإسلام بالأسرة وعدم إجبار الفتاة على التزوج بمَن لا تُحِب أو لا تشعُر بالميل إليه، وتحريم ذلك تحريمًا قاطعًا على أولياء أمور الفتيات، وهذا النوع المؤلم من الزواج كان موجودًا إلى عهدٍ قريبٍ، وكان يُمثِّل حالة من حالات تغلب العادات والتقاليد على أحكام الشريعة.
وأضاف أن الإسلام لا يبيح للفتاة أيضًا أن تختار شابًا غير كفء لها ولا لعائلتها ثم تفرضه عليهم باسم الشريعة وحرية الاختيار، وعليها أن تعلم أنها عضو في أسرة، وأن الحكم الشرعي هنا متساوٍ.
وذكر أنه من اهتمام الإسلام بالأسرة نهيه أن يخطب الشاب على خطبة شاب آخر، وأن من يرغب في ذلك فعليه أن ينتظر إتمامَ الخطبة فينصرف عن المخطوبة أو فسخَها فيتقدم إليها، والحديث النبوي صريح في ذلك الأمر: «لا يخطِبُ الرَّجلُ على خِطْبةِ أخيهِ، حتى يترك الخاطبُ قبله، أو يأذَن له الخاطب»، والنَّهيُ هنا للتحريم، إذ هو حُكْم الأخلاق التي بُعِثَ نبي الإسلام ﷺ ليتمِّم مكارمها.
وقال شيخ الأزهر: "إن من اهتمام الإسلام بالأسرة أن جعل مسؤولية الأسرة مسؤولية شرعية مشتركة بين الزوج والزوجة، وليست مسؤولية قانونية، ومعنى المسؤولية الشرعيَّة هي استحقاق الثواب أو العقاب، فهي مسؤولية مراقبة ومسجّلة، وتفضي بصاحبها إما إلى رضا الله، وإما إلى غضبِه، وإذا كان المسلم ليس حرا في أن يكون شريرًا خارجًا على حدود الله وحرماته في غير نظام الأسرة، فهو بالأَحرى ليس حرًا في الخروج على الحدود التي حددها الشرع في معاملة الأسرة، أو التهاون في المسؤولية الشرعية التي أناطها الله تعالى بالزوج والزوجة على السواء".
وأوضح - في ختام الحلقة - أن كلا من الزوج والزوجة ليس حرًا في معاملة الآخر حسب الأمزجة، أو حسب دواعي الكراهية أو العناد، وإنما هنالك المسؤولية الشرعية وبعدها الثواب أو العقاب، وأن هذه المسؤولية الشرعية بما تدعو إليه من إيثار المعاملة بالمودة والتقدير المتبادل كفيلة بحماية عشِّ الزوجية واستقراره، وأن المعاملة في إطارِ المودة والرحمة والعشرة بالمعروفِ هي صانعة السعادة التي لا تُكتَسب من الأشياء، ولا تُجتلب من المقتنيات، وإنما يفيض بها القلب حين تنبع من أعمق أعماقه.