عيد تحرير طابا.. قصة الانتصار المصري في المعركة الدبلوماسية والقانونية
عيد تحرير طابا هو اليوم الذي استردت فيه مصر آخر قطعة من أراضيها الغالية في سيناء، بعد انتصار أكتوبر 1973، بعد أن خاضت الدولة معركة دبلوماسية وقانونية حققت من خلالها الهدف المنشود باسترداد آخر شبر من تراب الوطن.
ونستعرض في سياق التقرير التالي جهود المفاوضات المصرية والتي سجلت واحدة من أعظم المعارك القانونية والدبلوماسية لتكتمل في النهاية بقرار هيئة التحكيم في 15 مارس 1989، ورفع العلم المصري فوق أرض طابا في 19 مارس من العام نفسه.
على رأس خليج العقبة بين سلسلة جبال والهضاب الشرقية، ومياه خليج العقبة تقع طابا، التي تبتعد عن مدينة شرم الشيخ حوالي 240 كيلومتر باتجاه الشمال، وتجاورها إيلات الإسرائيلية، وتمثل المنطقة الواقعة بين طابا شمالًا وشرم الشيخ جنوبًا أهم مناطق الجذب والتنمية السياحية بجنوب شبه جزيرة سيناء.
معركة الدبلوماسية المصرية لاستعادة طابا
عقب توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في 1979، والتي نصت على سحب إسرائيل بكامل قواتها من شبه جزيرة سيناء في موعد غايته 25 أبريل 1982، بدأت معركة الدبلوماسية المصرية في استرداد طابا، فيما تصاعدت حدة الخلافات بين مصر وإسرائيل بشأن مواقع 14 علامة حدودية، كان أهمها موقع العلامة 91 التي توجد على حدود الشريط الأخير في طابا.
من جانبها تحدثت إسرائيل في ديسمبر 1981 عن معلومات غير صحيحة عن العلامة 91، في محاولة لضم منطقة طابا إلى إقليمها، لتبدأ الدبلوماسية المصرية في البحث عن حل مقبول يسمح بإنجاز الانسحاب الإسرائيلي في الموعد المحدد، والعثور على وسيلة مقبولة لحل الخلافات القائمة حول العلامات المعلقة دون حسم.
كان القرار المصري هو عدم التفريط في شبر أرضها، مع استمرار إسرائيل في تزييف الحقائق والتاريخ وعقب مفاوضات استمرت كثيرًا دون جدوى، لجأت مصر إلى التحكيم الدولي لاسترداد طابا.
طبقت مصر المادة السابعة من معاهدة السلام التي تم تطبيقها مع إسرائيل، والخاصة بأي خلاف حول الحدود، والتي تنص خلاصتها بأن يتم الحل عن طريق المفاوضات، وفى حالة فشلها يتم اللجوء إلى التوفيق أو التحكيم، وكثيرًا في حين رفضت إسرائيل ذلك؛ لكنها اضطرت للرضوخ في النهاية، وتم توقيع مشارطة للتحكيم بين مصر وإسرائيل في 11 سبتمبر 1986، وبناءً عليها أحيل النزاع إلى هيئة تحكيم دولية تشكلت من خمسة محكمين.
سير المفاوضات الشاقة لاسترداد طابا
على مدار 7 سنوات من المفاوضات، خاضت الدبلوماسية المصرية حربًا شرسة من أجل استراد آخر كيلو مترًا من أراضي سيناء، ومنذ تشكيل هيئة التحكيم في سبتمبر عام 1986 وحتى 29 سبتمبر 1988، قدمت مصر أسانيد ووثائق تمتد من عام 1274 تؤكد حقها التاريخي في منطقة طابا، كما قدم وثائق تاريخية من المندوب السامي البريطاني إلى وزارة الخارجية المصرية، والمخابرات المصرية يعود تاريخها لعام 1914، هذا بخلاف تقارير مصلحة الحدود في عام 1931.
وزارة الخارجية قدمت 29 خريطة بأحجام مختلفة تثبت الملكية المصرية لطابا، وتمكنت من جمع خرائط ووثائق من الأرشيف المصري والبريطاني والتركي، وقدمت 10 خرائط من الأرشيف الإسرائيلي نفسه، تثبت تبعية طابا للأراضي المصرية.
وفي فيلم وثائقي تحدث الدكتور مفيد شهاب، عضو هيئة الدفاع المصرية لاستعادة طابا، قائلا إن اللجنة التي تم تشكيلها لاسترداد طابا ضمت ما يقرب من 20 شخصية ما بين أساتذة قانون وجغرافيا وتاريخ وخبراء من شتي المجالات، موضحًا أن حدودنا معمولة من سنة 1906 لما كانت مصر جزء من الإمبراطورية العثمانية، ثم حصلت مصر على الاستقلال الذاتي وأصبح لها حاكم خاص بها، وتم عمل خريطة سنة 1906 لحدود مصر.
حكم تاريخي باسترداد طابا
في 29 سبتمبر 1988 أصدرت هيئة التحكيم الدولية، حكما تاريخيا، ليسدل الستار بإنهاء تلك النزاع وحسمه لصالح مصر، في جلسة علنية عقدت في قاعة المجلس الكبير بالمقر الرسمي لحكومة مقاطعة جنيف في حضور وكيلي الحكومتين، وأعضاء هيئة الدفاع لكلا الجانبين معلنة عودة طابا إلى مصر.
جاء ذلك بعد إثبات 10 علامات حدودية لصالح مصر من مجموع 14 علامة بأغلبية 4 أصوات ضد صوت واحد، وإثبات 4 علامات لصالح مصر بإجماع الأصوات الخمسة، وأمتد عمل هيئة الدفاع المصرية بعد صدور الحكم ومراوغات إسرائيل في التنفيذ إلى عقد جولات أخرى من الاجتماعات لتنفيذ حكم التحكيم وتسليم طابا بمنشآتها إلى مصر حتى وصلت إلى المرحلة الأخيرة بتسليم طابا في 15 مارس 1989 ورفع العلم المصري عليها في 19 مارس من نفس العام.
نص اتفاق استرداد طابا
حسمت اللجنة الخماسية قرارها لصالح مصر باسترداد طابا في اتفاق روما، وتم الاتفاق على ثلاث بنود تتضمن:
- اتفاقية تختص بالنشاط السياحي، وذلك بتعويض إسرائيل بمبلغ 37 مليون دولار، وبأسعار ذلك الوقت تدفعه مصر مقابل تسليمها المنشآت السياحية في فندق "سونستا طابا" والقرى السياحية، وذلك على غرار ما حدث في كل من: دهب ونويبع وشرم الشيخ من قبل.
- تحديد موعد الانسحاب الإسرائيلي النهائي من طابا وتوصيل خط الحدود إلى شاطئ الخليج "النقطة 91"، وتحدد 15 مارس 1989.
- نظام مرور الإسرائيليين من وإلى طابا إلى جنوب سيناء، فقد اتفقت الأطراف على السماح للسياح الإسرائيليين بالدخول لطابا، وفي حالة دخول السيارات يتعين أن يلصق على السيارة كارت خاص، كذلك يسمح بالدخول والخروج من طابا إلي إيلات في زيارات متعددة خلال 14 يوما، وأن يحمل كل سائح جواز السفر الخاص به وأن يقوم بملأ بطاقة بيانات تختم بمعرفة السلطات المصرية في طابا وتكون صالحة لمدة 14 يومًا.