ما لون ثياب الحداد للمرأة؟.. مفتي الجمهورية يجيب
لون ثياب الحداد للمرأة هو ما يرغب في معرفته الكثيرون، وخاصة النساء حتى لا يقعن في المحظور بمخالفة الشرع؛ ما يجعل من معرفة لون ثياب الحداد للمرأة أمرا مهما.
وورد إلى دار الإفتاء سؤال حول لون ثياب الحداد للمرأة، وأجاب عنه مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء ليتعرف الجميع لون ثياب الحداد للمرأة.
لون ثياب الحداد للمرأة
تقول السائلة: ما حكم لُبس الثياب البيضاء للمرأة التي توفى عنها زوجها في أثناء مدة الحداد عليه؟ وهل تنحصر ثياب الإحداد في الثياب السوداء؟
وأجاب مفتي الديار المصرية قائلا: الحِداد الشرعي للمرأة عند وفاة زوجها يكون بترك الزينة في الثياب، والطيب، والحلي، وما في معناها، وقد قرَّر الفقهاء أنَّه ليس هناك لونٌ مخصوص للثياب التي تلبسها المرأة المُحِدَّة، وإنما المعتبر في ذلك هو كونه زينة من عدمه؛ فما كان بقصد الزينة مُنِع، وما كان بخلافه فلا يُمنع، والضابط في هذا هو العُرف.
وأضاف الموت ابتلاء من جملة ما يُبتَلى به الإنسان في أقاربه وأحبابه، وقد سماه القرآن الكريم "مصيبة"، وذلك في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ﴾ [المائدة: 106].
وقد راعى الشرع الشريف النوازع الفطرية والانفعالات النفسية لدى الإنسان؛ فشرع للإنسان أن يظهر حزنه لموت عزيزٍ لديه، ما دام كان ذلك بما لا يغضب الله تعالى؛ بإظهار الاعتراض والتسخط على قدره، أو التفجع المبالغ فيه بشق الجيوب أو لطم الخدود ونحو هذا؛ وقد روى البخاري في "صحيحه" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله؟ فقال: «يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ»، ثم أتبعها بأخرى، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ».
وروى الشيخان في "صحيحيهما" عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ».
ومن مظاهر الحزن التي سمح بها الشرع كذلك: الحِدادُ للنساء. والحِدادُ شرعًا: هو ترك الزينة من المُتوفَّى عنها زوجها في عدة الوفاة بالثياب، والطيب، والحلي، وما في معناها. انظر: "أسنى المطالب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (3/ 402، ط. دار الكتاب الإسلامي).
وإظهار الحزن وإن كان مشروعًا في أصله، إلا أنه ليس مطلوبًا ولا مقصودًا بالذات من الناحية الشرعية؛ وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستعيذ بالله من الحزن؛ فروى البخاري في "صحيحه" عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالبُخْلِ وَالجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ»، فالشرع لا يحب للإنسان أن يستسلم لمشاعر الحزن طويلًا؛ حتى لا تتحول إلى مشاعر مزمنة، وربما استولت على كيانه فعطلته عن أمور حياته.
ولذلك فإنَّ إحداد المرأة وإن كان مشروعًا في أصله، لكنه مقيَّد بوقت محدد؛ فهو في حقّ غير الزوج يباح لمدة ثلاثة أيام فقط، وأما في حقّ الزوج فهو واجب مدة عدتها؛ أربعة أشهر وعشرة أيام إذا كانت غير حامل.
ودليل ذلك: ما جاء في "صحيحي البخاري ومسلم" وغيرهما أن زينب بنت أبي سلمة دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين تُوفّي أبوها أبو سفيان، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة، خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على المنبر: «لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».
وروى الشيخان في "صحيحيهما" عن أم سلمة رضي الله عنها، أن امرأة ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفتكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا»، مرتين أو ثلاثًا، كل ذلك يقول: «لا»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ».
قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (10/ 114، ط. دار إحياء التراث العربي): [معناه لا تستكثرن العدة ومنع الاكتحال فيها؛ فإنّها مدة قليلة، وقد خففت عنكن وصارت أربعة أشهر وعشرًا بعد أن كانت سنة.. وأما رميها بالبعرة على رأس الحول فقد فسره في الحديث. قال بعض العلماء: معناه أنها رمت بالعدة، وخرجت منها كانفصالها من هذه البعرة ورميها بها. وقال بعضهم: هو إشارة إلى أن الذي فعلته وصبرت عليه من الاعتداد سنة، ولبسها شر ثيابها، ولزومها بيتا صغيرًا هين بالنسبة إلى حق الزوج، وما يستحقه من المراعاة، كما يهون الرمي بالبعرة] اهـ.
وأما إن كانت حاملًا: فعدتها وإحدادها ينتهيان بوضع الحمل؛ لقوله تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 4].
وقد حكى الإجماع على وجوب إحداد المرأة على زوجها غيرُ واحد من العلماء، منهم: العلامة الكاساني، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري. انظر: "بدائع الصنائع" (3/ 208-209، ط. دار الكتب العلمية)، و "أسنى المطالب" (3/ 401).
والممنوع على المرأة المُحِدَّة في خصوص الثياب: لُبس ما يُقصد به التزين؛ وقد روى أبو داود في "سننه" عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنَ الثِّيَابِ، وَلَا الْمُمَشَّقَةَ، وَلَا الْحُلِيَّ، وَلَا تَخْتَضِبُ، وَلَا تَكْتَحِلُ».
والمُعَصْفَر: هو المصبوغ بالعُصفُر. والمُمَشَّقَة: أي المصبوغة بالمِشق، وهو نوع من الطين الأحمر. والحُلِيّ: جمع حلية، وهي ما يتزين به من المصاغ وغيره. انظر: "عون المعبود" (6/ 295، ط. دار الكتب العلمية).
قال الشيخ ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/ 112-113، ط. دار الكتب العلمية): [الإحداد على الميت من تعظيم مصيبة الموت التي كان أهل الجاهلية يبالغون فيها أعظم مبالغة، ويضيفون إلى ذلك شق الجيوب، ولطم الخدود، وحلق الشعور، والدعاء بالويل والثبور، وتمكث المرأة سنة في أضيق بيت وأوحشه، لا تمس طيبًا ولا تدهن ولا تغتسل، إلى غير ذلك ممَّا هو تسخط على الرب تعالى وأقداره. فأبطل الله سبحانه برحمته ورأفته سنة الجاهلية، وأبدلنا بها الصبر والحمد والاسترجاع الذي هو أنفع للمصاب في عاجلته وآجلته. ولما كانت مصيبة الموت لا بد أن تحدث للمصاب من الجزع والألم والحزن ما تتقاضاه الطباع، سمح لها الحكيم الخبير في اليسير من ذلك، وهو ثلاثة أيام تجد بها نوع راحة وتقضي بها وطرًا من الحزن، كما رخص للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثًا، وما زاد على الثلاث فمفسدته راجحة، فمنع منه، بخلاف مفسدة الثلاث؛ فإنها مرجوحة مغمورة بمصلحتها؛ فإن فطام النفوس عن مألوفاتها بالكلية من أشق الأمور عليها، فأعطيت بعض الشيء؛ ليسهل عليها ترك الباقي؛ فإن النفس إذا أخذت بعض مرادها قنعت به، فإذا سئلت ترك الباقي كانت إجابتها إليه أقرب من إجابتها لو حرمت بالكلية.
والمقصود أنّه أباح للنساء الإحداد على موتاهن ثلاثة أيام، وأما الإحداد على الزوج فإنه تابع للعدة وهو من مقتضياتها ومكملاتها، فإن المرأة إنما تحتاج إلى التزين والتجمل والتعطر؛ لتتحبب إلى زوجها، وترد لها نفسه، ويحسن ما بينهما من العشرة، فإذا مات الزوج واعتدت منه وهي لم تصل إلى زوج آخر، فاقتضى تمام حق الأول وتأكيد المنع من الثاني قبل بلوغ الكتاب أجله أن تمنع مما تصنعه النساء لأزواجهن، مع ما في ذلك من سد الذريعة إلى طمعها في الرجال وطمعهم فيها بالزينة والخضاب والتطيب، فإذا بلغ الكتاب أجله صارت محتاجة إلى ما يُرَغِّب في نكاحها، فأبيح لها من ذلك ما يباح لذات الزوج، فلا شيء أبلغ في الحسن من هذا المنع والإباحة، ولو اقترحت عقول العالمين لم تقترح شيئًا أحسن منه] اهـ. بتصرف.
ولكن مع ذلك فإنَّ الزينة لا تنحصر في لون بخصوصه، والضابط في اعتبار الملبوس من الزينة أو لا هو العرف، وهذه هي القاعدة في كل ما جاء الأمر به أو النهي عنه على لسان الشرع ولم يحدده، فيرد إلى العرف. انظر: "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 98، ط. دار الكتب العلمية).
جاء في "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" للخطيب الشربيني (4/ 56-57، ط. دار الفكر) مع "حاشية البجيرمي": [الإحداد هو (الامتناع من الزينة) في البدن بحلي من ذهب أو بثياب مصبوغة لزينة.. ويباح لبس غير مصبوغ من قطن وصوف وكتان وإن كان نفيسًا، وحرير إذا لم يحدث فيه زينة، ويباح مصبوغ لا يقصد لزينة كالأسود، وكذا الأزرق والأخضر المشبعان الكدران؛ لأن ذلك لا يقصد للزينة، بل لنحو حمل وسخ أو مصيبة، فإن تردد بين الزينة وغيرها كالأخضر والأزرق فإن كان برَّاقًا صافي اللون حرم؛ لأنه مستحسن يتزين به أو كدرًا أو مشبعًا فلا؛ لأن المشبع من الأخضر والأزرق يقارب الأسود] اهـ.
قال الشيخ البجيرمي في "حاشيته" معلقًا على كلام الخطيب السابق (4/ 57): [قوله: (لزينة) أي ما جرت العادة أن تتزين به لتَشَوُّفِ الرجال إليه، ولو بحسب عادة قومها أو جنسها] اهـ.
وقريب منه ما ذكره الإمام الرملي الكبير في "حاشيته على أسنى المطالب" (3/ 402) عن بعض العلماء؛ حيث قال: [وما أحسن قول الشيخ إبراهيم المروذي في تعليقه آخرَ الباب: وعَقْدُ الْبَاب: أن كل ما فيه زينة تُشَوِّقُ الرجال به إلى نفسها تُمنَع منه] اهـ.
إذن فليس ثمة لون معين من الثياب تُمنع المرأة المُحِدَّة من لُبسه إلا ما اعتبره العرف زينة، فما كان كذلك يُمنع، وما كان بخلافه فلا.
أما بخصوص الثياب البيضاء؛ فلا تُمنع المرأة المُحِدَّة من لُبسها إلا من جهة اعتبار العرف أنها ثياب زينة؛ ففي "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" للشيخ الدردير (2/ 478، ط. دار الفكر): [وتلبس -أي: المرأة المُحِدَّة- البياض كله؛ رقيقه وغليظه.
قال في "التوضيح": ومالَ غيرُ واحدٍ إلى المنع من رقيق البياض، والحق أن المدار في ذلك على العوائد؛ ولذا قال في "الكافي": والصواب: أنّه لا يجوز لُبسُها لشيء تتزين به بياضًا كان أو غيره] اهـ.
وفي "شرح المنتهي" للعلامة البهوتي الحنبلي (3/ 204، ط. عالم الكتب): [(ولا) تُمْنَعُ -أي: المُحِدَّة- مِنْ (لُبْسِ أَبْيَضَ ولو حَسَنًا)] اهـ.
وأما ما جرت به عوائد الناس في كثير من البلاد من جعل الأسود هو اللون المعتبر للحداد وإظهار الأحزان، فهو حسن، واللون الأسود كان هو اللون الذي يعبر به المرء عن الحزن منذ القدم، حتى قال الأعرابي:
ليل الشّجيّ على الخليّ قصير...وبلا المحبّ على المحبّ يسـير
بان الذيـــــن أحبّهـــم فتحمّلـــوا...وفراق مـن تهوى عليك عسيــر
فلأبعثــنّ نيـاحــــة لفـراقهـــــــــم...فيهـا تلطّـــم أوجــه وصــــــدور
ولألبســنّ مـدارعــًا مســــــــــودة...لبس الثواكل إذ دهاك مسيــر
انظر: "العقد الفريد" لابن عبد ربه (6/ 258، ط. دار الكتب العلمية).
والعرب تسمي ثياب الحِداد: السِّلاب؛ يقال: تسلبت المرأة: إذا لبست السِّلاب. قال الإمام الزمخشري في "الفائق" (2/ 192، ط. دار المعرفة): [وَهُوَ سَواد المحدّ. وقيل: خرقَة سوداء كانت تغطي رأسها] اهـ.
وقد روى أحمد في "مسنده" عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها لما مات جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: «تَسَلَّبِي»؛ قال العلامة ابن الأثير في "النهاية" (2/ 387، ط. المكتبة العلمية): [أي: البسي ثوب الحداد، وهو السِّلَابُ، والجمع سُلُبٌ. وتسلبت المرأة إذا لبسته. وقيل: هو ثوب أسود تغطى به المُحِدُّ رأسها] اهـ.
لكن مع ذلك فإنَّه لا يحصر الحداد في الأسود كما تقدم، وقد جرت عوائد أخرى بلبس البياض علامة على الحزن، كما هو صنيع المغاربة إلى الآن، وكان هو صنيع أهل الأندلس قديمًا؛ حتى قال شاعرهم أبو الحسن الحصري القيرواني:
إذا كان البياضُ لباسَ حُزْنٍ...بأندلُسٍ فذاكَ مــــن الصَّــــــوابِ
ألم تَرَني لبستُ بياضَ شيبِي...لأَنِّي قد حزِنتُ على الشَّبابِ
وقال ابن شاطر السرقسطي:
قد كنت لا أدري لأيـة علــــــــــةٍ...صار البياض لباس كل مصــــــاب
حتى كساني الدهر سحق ملاءةٍ...بيضاء من شيبي لفقد شبـابي
فبذا تبين لي إصابــــــــة من رأى...لبس البياض على نوى الأحباب
انظر: "نفح الطيب" للتلمساني (4/ 109، ط. دار صادر).
بل أحيانًا ما يكون اللون الأسود زينة، كما هو الشأن فيما يسمى بثياب السهرة النسائية مثلًا على ما جرت عليه أعراف الناس الآن، فلا يجوز لبسها حينئذ لمُحِدَّة، وقد نص الفقهاء على المنع من الأسود للمُحِدّة لو كان على وجه الزينة.
من ذلك: ما جاء في "أقرب المسالك" لسيدي أحمد الدردير (2/ 685-686، ط. دار المعارف) مع "حاشية الصاوي" في كلامه عما يجب على المُحِدّة؛ حيث قال: [(ووجبت على) المرأة (المُتوفّى عنها الإحداد في) مدة (عدتها؛ وهو)؛ أي: الإحداد: (ترك ما يتزين به من الحلي والطيب، وعمله والتجر فيه، و)ترك (الثوب المصبوغ) مطلقًا؛ لما فيه من التزين، (إلا الأسود) ما لم يكن زينة قوم؛ كأهل مصر القاهرة وبولاق؛ فإنهن يتزين في خروجهن بالحرير الأسود] اهـ بتصرف.
قال الشيخ الصاوي في حاشيته عليه: [قوله: (فإنهن يتزين في خروجهن بالحرير الأسود): وفي الحقيقة لا مفهوم للحرير، والمدار على كون الأسود زينة على حسب العادة] اهـ.
وقال الشيخ القليوبي في "حاشيته على شرح المحلي للمنهاج" [4/ 53، ط. دار الفكر] -معلقًا على قول الشارح [(كالأسود)-: إذا لم تكن عادتهم التزين به، وإلا كالأعراب فيحرم] اهـ.
وعليه: فإنَّه ليس هناك لون مخصوص للثياب التي تلبسها المرأة المُحِدَّة، وإنما المعتبر في ذلك هو كونه زينة من عدمه؛ فما كان بقصد الزينة مُنِع، وما كان بخلافه فلا يُمنع، والضابط في هذا هو العرف.