«الدولية لتغير المناخ»: مصر مؤهلة للسيطرة على حصة كبيرة من أسواق الكربون
أعلن الدكتور سمير طنطاوي استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة، عضو الهيئة الدولية لتغير المناخ أن مصر ينتظرها مستقبل باهر في عملية استصدار وتسجيل وتداول شهادات الكربون إذا تمت إدارة هذا الموضوع بشكل احترافي ومتوافق مع المعايير الدولية مما يؤكد قدرات الدولة المصرية في المشاركة بفاعلية نحو دفع جهود تحقيق الهدف الدولي وهو الحياد الكربوني.
جاء ذلك خلال الحديث الذى أجرته وكالة أنباء الشرق الأوسط مع الدكتور سمير طنطاوي للكشف عن التفاصيل الخاصة بشهادات الكربون وعلاقتها بالتغيرات المناخية وإطلاق أول سوق إفريقية طوعية لإصدار شهادات الكربون وتداولها، والصعوبات والتحديات التى يمكن أن تواجهها مصر فى هذا السوق الواعد .
تبسيط مفهوم شهادات الكربون
في البداية، يوضح الدكتور سمير طنطاوي المفهوم الخاص بشهادات الكربون قائلا: إن شهادات الكربون هى عبارة عن الأنشطة أو المشروعات التى ينتج عنها خفض فى غازات الاحتباس الحرارى سواء الخفض من خلال تخفيض كميات الغازات المنبعثة أو زيادة الغازات الممتصة بمعنى هناك مصادر و قطاعات مصدرة لغازات الاحتباس الحرارى و هى قطاع الطاقة ويشمل توليد الكهرباء والنقل والبترول وقطاع الصناعة وقطاع الزراعة وقطاع المخلفات وهناك قطاعات تمتص هذه الغازات مثل الغابات وبعض الأنشطة الزراعية، مشيرا الى أن المشروعات والأنشطة التى ينتج عنها خفض فى غازات الاحتباس الحرارى يتم توثيق هذا الخفض فى شكل شهادات كربون كل شهاده تعادل طن من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى ويتم تداول هذه الشهادات بحيث أن الشهادة تسمح لمالكها بتصدير انبعاثات مقدراها واحد طن ومصدر الشهادة بيكون نشاط أو مشروع يؤدى الى خفض الانبعاثات ومشترى الشهادة يستفيد بعد ذلك بأنه يصدر انبعاثات بمقدار الشهادة وهو طن واحد أو يوفى التزامه اتجاه اتفاق باريس أو اذا كان عليه التزام دولى أو وطنى فهناك بعض الدول تضع قواعد واجراءات بحيث لاتزيد انبعاثات من نشاط معين عن حد معين فاذا تعدى صاحب المنشأة هذا المستوى يضطر الى شراء شهادات كربون ليعادل الزائد عن حجم الانبعاثات المقرر له.
فرص واعدة
وأوضح طنطاوى أن مصر لديها فرص جيدة فى العديد من القطاعات سواء القطاع الصناعى أو النقل أو توليد الكهرباء أو المخلفات يمكن أن يصدر عنها خفض في الانبعاثات حيث يمكن توثيق هذا الخفض والاستفادة من هذا الامر من بيع شهادات الكربون لكن يجب أن يتم إدارة هذا الموضوع بشكل احترافى والاستعانة بالخبرات الوطنية والدولية المتخصصة بالتعاون مع الشركات الاستشارية الوطنية خاصة وأن تأسيس نظام وطنى لتداول شهادات الكربون سيستغرق وقتا حتى نكتسب الخبرة اللازمة لادارة سوق شهادات الكربون..مشيرا الى أن الحكومة ستعمل على تقديم كافة الضمانات والحوافز المطلوبة لدعم الخطط ونماذج العمل التي تدفع نحو تحقيق التنمية المستدامة وخاصة التي توفر حلول لمعالجة كافة الاثار الناجمة عن التغيرات المناخية.
تحديات
وفيما يتعلق بالتحديات والصعوبات التى تواجه مصر فيما يخص إصدار شهادات الكربون، أفاد طنطاوى بأنه على المستوى الوطنى فليس لدينا قانون للتغيرات المناخية فى مصر بحيث يضع حدود آمنه للانبعاثات على كل صناعة وكل نشاط وبرغم جهود ونشاط البورصة المصرية وهيئة الرقابة المالية لكن هناك العديد من الكيانات التابعة التى يجب أن تكون متواجدة مثل كيانات تعمل على القياسات الخاصة بالانبعاثات وحسابها وتقديراتها وتدقيقها وكذلك ضرورة وجود جهات لمراقبة هذه الانبعاثات و مراجعتها وتوثيقها وضمان عدم ازدواجية حساب شهادات الكربون بحيث لايسمح لأحد ببيع هذه الشهادات لاكثر من مكان .
وأشار طنطاوى فى هذا الصدد الى أن شهادات الكربون يجب أن تكون مسجلة وموثقة وتكون ناتجة عن نشاط فعلى وخفض فعلى لغازات الاحتباس الحرارى، مشيرا إلى أنه حدثت مؤخرا مشكلة كبيرة لواحدة من أكبر الشركات الامريكية العاملة فى مجال سوق الكربون الطوعى فحسب التحقيقات التى تمت فإن ٩٥% من المشروعات التى اعلنت عنها هذه الشركة العملاقة لا تؤدى الى خفض الانبعاثات وأن ٥% فقط من المشروعات أو الانشطة هى التى قامت بخفض الانبعاثات الامر الذى تسبب فى أزمة ثقة فى سوق شهادات الكربون الطوعية فيلزم أن يكون هناك كيانات ومؤسسات ومكاتب استشارية متخصصة وخبراء متميزين ومتخصصين فى هذا المجال لضمان أن الحسابات التى تمت لوحدات خفض الكربون تمت على أسس علمية سليمة وتم مراجعتها ومراقبتها ومراقبة الانشطة التى نتجت عنها بحيث أن شهادات الكربون التى يتم اصدارها يكون لها مصداقية وقوة تساوى أو تعادل مايدفع فيها من اموال.
منصات وطنية لتداول الكربون
أكد الدكتور سمير طنطاوى أنه تم خلال مؤتمر المناخ بشرم الشيخ"cop 27" إطلاق كيانين وطنيين بهدف تعزيز العمل فى مجال شهادات الكربون على المستوى الوطني، مشيرًا إلى أن الصندوق الأول تشرف عليه هيئة الرقابة المالية ويكون تعامله مع شركات القطاع العام وقطاع الاعمال وأيضا أصدرت هيئة الرقابة المالية إجراءات الإفصاح الخاصة بالانبعاثات للشركات الوطنية أما الصندوق الاخر فهو يشمل القطاع الخاص ومجموعة من المستثمرين حيث سيقوم على تجارة الكربون بالتنسيق مع بعض الجهات الدولية العاملة فى هذا المجال من أجل التدقيق ومراجعة وقياس غازات الاحتباس الحرارى التى يتم تخفيضها ثم يتم توثيقها ويتم الاتجار بها فى صورة شهادات خفض طوعية تخضع للمادة ٤ر٦ من اتفاق باريس للمناخ الذى يسمح بتداول هذا النوع من الشهادات وهذه الشهادات تسمى شهادات خفض طوعية نظرا لانها لا تخضع للالتزامات الدولية أما اذا كان الدولة عليها التزامات دولية فانها تندرج تحت المادة ٢ر٦ وهذه تكون التزامات منصوص عليها فى تقارير المساهمات الوطنية.
ونوه طنطاوي فى هذا الصدد ، الى انه طبقا للمادة السادسة من اتفاق باريس فان الدولة التى يوجد بها مشروعات أو أنشطة تؤدى الى خفض الانبعاثات يمكنها أن تقوم بتداول أو تجارة أو تبادل مايسمى بوحدات خفض الكربون مع دولة أخرى فى شكل سندات مالية بما لايؤثر على التزام الدولة فى تقارير مساهماتها الوطنية على سبيل المثال إذا أعلنت الدولة أنه بحلول عام ٢٠٣٠ أو ٢٠٥٠ ستصل الى الحياد الكربونى فهذا يعنى أن انبعاثاتها التى ستصدر تساوى كمية الانبعاثات الممتصة وبالتالى صفرية الانبعاثات أو مايسمى الحياد الكربونى فيمكن لهذه الدولة من الان وحتى وصولا الى عام ٢٠٣٠ أو عام ٢٠٥٠ أن تقوم بتجارة جزء من انبعاثاتها بما لايؤثر على تحقيق الهدف المنشود فى تقرير المساهمات الوطنية وبالتالى يمكن فى هذه الحالة أن تستفيد الدولة ماديا من بيع وحدات الخفض الى دولة أخرى تكون فى حاجة الى هذه الوحدات سواء دولة او مؤسسة دولية.
سوق إفريقية
وحول إطلاق أول سوق أفريقية طوعية لإصدار شهادات الكربون وتداولها بمؤتمر المناخ ، أشار طنطاوي إلى أن هذا السوق الافريقي لشهادات الكربون، يعتبر منصة لمساعدة الكيانات الاقتصادية العاملة في مختلف الأنشطة الإنتاجية في مصر وافريقيا على الانخراط في أنشطة خفض الانبعاثات الكربونية والاستفادة من استصدار وبيع شهادات بموجب الخفض لصالح شركات أخرى ترغب في معاوضة انبعاثاتها الكربونية التي يصعب تخفيضها ..لافتا الى أن أسواق الكربون الطوعية للشركات تساعد في إستعادة جزء من انفاقها الاستثماري الموجه لخفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن ممارسة أنشطتها واعادة استثمار هذه الموارد في تحقيق الهدف الاكبر وهو الحياد الكربوني الذي تسعى لتحقيقه كل دول العالم.
وقال طنطاوى إن قارة افريقيا حجم انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى منها ٤% من انبعاثات العالم ولكنها الأكثر تأثرا بغازات الاحتباس الحرارى والاثار السلبية للتغيرات المناخية لذلك فان افريقيا يجب أن تستفيد من المادة السادسة من اتفاق باريس المتعلقة بتجارة الكربون مما يستلزم وجود كيان يعمل على تحديد فرص خفض الانبعاثات فى القارة الافريقية وهى فرص ليست بالكثيرة نظرا لان افريقيا فى معظم دولها تعتمد على النشاط الزراعى بإستثناء بعض الدول التى لديها أنشطة صناعية مثل دول شمال وجنوب إفريقيا ونيجيريا لكن الغالبية العظمى من دول افريقيا بتعتمد على النشاط الزراعى كأساس للتنمية الذى يمكن الاستفادة منه فى تحقيق خفض فى غازات الاحتباس الحرارى من خلال خفض الانبعاثات الناتجة عن بعض الزراعات مثل زراعات الارز ، وأيضا يمكن تخفيض الانبعاثات من مزارع الحيوانات من خلال خفض انبعاثات غاز الميثان وهو من الغازات المؤثرة فى غازات الاحتباس الحرارى.
وأضاف طنطاوى أنه يجب على افريقيا أن تستفيد ماديا من إدارة الكربون وأن يكون هناك كيان يعمل على تقييم فرص الخفض وتجميع هذه المشروعات فى صورة مشروعات كبيرة لان المشروعات صغيرة الحجم مشروعات غير جاذبة للمستثمرين الذين يعملون فى مجال إدارة انبعاثات الكربون لكن المشروع عندما يكون مشروع تجميعى أو مشروع يتم تنفيذه فى عدد من الدول يصبح حجم خفض الانبعاثات مؤثر وجاذب للاستثمار من خلال صناديق الاستثمار العاملة فى مجال شهادات للكربون لذلك فان السوق الجديد يأتي اتساقا مع الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ ٢٠٥٠ والتي تتبناها وتنفذها الادارة المصرية، وتستهدف في ركيزتها الرابعة تعزيز البنية التحتية لتمويل المناخ.
الرقابة المالية
وحول العائد المتوقع من إصدار قانون الرقابة المالية الذى يعطى للبورصة المالية الحق فى تداول شهادات الكربون ، ذكر طنطاوى أن هذا القانون سيحقق أكثر من نتيجة تتمثل فى عائد بيئى فى الاساس وهو الحد من غازات الاحتباس الحرارى ومشاركة المجتمع الدولى فى محاولة حل هذه القضية للوصول الى الهدف الدولي بالحد من ارتفاع حرارة الغلاف الجوي لما دون ١.٥ درجة مئوية بحلول عام ٢٠٣٠ وتحقيق الحياد الكربوني ، وأيضا هناك عائد اقتصادى لأنه سيسمح لهذه الشركات أن تصدر لأوروبا لأن أوروبا أيضا أعلنت انه بحلول ٢٠٣٠ لن تسمح بدخول العديد من المنتجات إلى أراضيها الا اذا كانت البصمة الكربونية لهذه المنتجات فى اطار المسموح به تداوله داخل الاتحاد الاوروبى وبالتالى عندما تقوم شركاتنا الوطنية بحسابات البصمة الكربونية وحسابات خفض الانبعاثات لمنتجاتها سيسمح لها ذلك بالتصدير للاتحاد الاوروبى، و هناك أيضا ميزة مالية على المستوى الوطنى حيث سيكون هناك رواج لتجارة الكربون على المستوى الوطنى بين الشركات الوطنية وبعضها البعض فالشركة التى لديها زيادة فى عدد شهادات خفض الكربون يمكن أن تتاجر فى هذه الشهادات من خلال البورصة المصرية فى شكل مزادات ويتم بيع هذه الشهادات لاعلى سعر على المستوى الوطنى لشركات أخرى تحتاج هذه الشهادات فهو سوق ستديره البورصة المصرية ومثله مثل بورصة الاوراق المالية مما سيكون هناك تعاملات مالية تعمل على تحسين نوعية البيئة على المستوى الوطنى.
إزالة الكربون
وعن اليوم الخاص بإزالة الكربون الذى تم على هامش مؤتمر المناخ وكانت تديره وزارة البترول، أوضح طنطاوى أنه سيكون له تبعات جيدة على المستوى الوطنى فيما يخص التوجه نحو الطاقات الانظف والطاقات الجديدة مثل الوقود الهيدروجينى؛ خاصة الأخضر وأيضا خفض إنبعاثات الميثان من أنشطة البترول وصناعة البتروكيماويات و هناك مبادرة دولية لخفض انبعاثات الميثان تقودها الولايات المتحدة والصين وفى العديد من الدول ومصر عضو فى هذه المبادرة، لافتا الى أن طن الميثان يعادل ٢١ طنا من ثانى اكسيد الكربون ومصادر الميثان متعددة منها القطاع الزراعى و القطاع الصناعى و قطاع التعدين مثل استكشافات البترول ومناجم الفحم فجميعها مصادر لزيادة غاز الميثان وبالتالى زيادة درجة حرارة الغلاف الجوى.
وذكر طنطاوى أنه تم مناقشة العديد من الموضوعات خلال يوم إزالة الكربون واستعراض أحدث التكنولوجيات التى تم التوصل اليها من أجل الانتقال العادل للطاقة فى الدول النامية خاصة واننا لدينا فرص جيدة فى الانتقال الى مصادر الطاقة النظيفة والانظف ولكن نحتاج الى التمويلات والتكنولوجيا التى يجب ان تتوفر من الدول المصدرة لهذه التكنولوجيات والدول الملزمة بتوفير دعم للدول النامية من أجل الانتقال للعادل للطاقة فمصادر الطاقة الجديدة مثل الهيدروجين أو المتجددة مثل الرياح والشمس أصبحت أسعارها تنافسية مع الطاقات التقليدية لان المشكلة تكمن فى توفير التكنولوجيا.
وحول إزالة الكربون ودوره في حل مشكلة التغيرات المناخية، أكد الدكتور سمير طنطاوي إذا تم إزالة الكربون لن تحدث ظاهرة التغيرات المناخية الجامحة الناتجة عن زيادة تركيزات غازات الاحتباس الحراري، منوها بأنه إذا تم إزالة الكربون ستقل حدة الظواهر المناخية الشديدة مثل الحر الشديد والبرد والأمطار الشديدة والفيضانات وموجات التصحر وكل هذه الآثار السلبية فإزالة الكربون والوصول إلى اقتصاد معزول الكربون ممكن أن يؤدى إلى حل مشكلة التغيرات المناخية.
وختاما أشار الدكتور سمير طنطاوي الى أن تجارة الانبعاثات أو أسواق الكربون لها مردود إيجابي على العمل المناخي حيث انها تسهم أيضا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة على مختلف المحاور البيئية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية حيث ان بعضا من المشروعات التي تحقق خفضا في الانبعاثات تعمل أيضا علي توفير فرص عمل للشباب ونقل تكنولوجيات حديثة وتمثل مصدر دخل للعملات الصعبة في حال تداولها خارجيا، داعيا الى ضرورة انشاء قاعدة بيانات وطنية تشمل فرص خفض الانبعاثات وان يتم إعلانها حتى يتمكن المستثمرون في أسواق وشهادات الكربون من إختيار الفرصة أو المشروع الذي يرغبون في الاستثمار فيه.