بلومبرج: الخروج من سياسة صفر كوفيد سيعيد إحياء الاقتصاد الصيني ويضغط على الأسعار العالمية
تسود توقعات بتباطؤ التضخم العام المقبل في ظلّ ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض الإنفاق على الاستهلاك، فيما يلوح الركود في الأفق. من شأن تراجع أسعار السلع الأساسية والغذاء والطاقة الذي تُعظّم منه المقارنة مع المكاسب الحادة التي سُجلت العام الماضي أن يساعد على إبطاء معدل التضخم الأشمل.
إلا أن إعادة فتح اقتصاد الصين ربما يعيد خلط الأوراق، بحيث يتجلى السيناريو على الشكل التالي: في وقت ما من 2023 تفتح الصين حدودها للمرّة الأولى منذ بداية الوباء، محدثة زلزالاً تتردد تداعياته حول العالم. تنبعث الحياة في الاقتصاد المحلي الصيني، ويعود الطلاب للدراسة في الخارج والسياح للسفر والمديرون التنفيذيون لركوب الطائرات. كلّ ذلك فيما تبدأ سوق الإسكان في الصين بالانتعاش، ما يزيد من إنفاق المستهلكين.
ترى بلومبرج إكونوميكس أن إعادة فتح الصين سيرفع أسعار السلع الأساسية حول العالم وربما يزيد الضغوط على سلاسل الإمداد، ما يضغط على أسعار عديد من السلع والخدمات. على افتراض فتح اقتصاد الصين تماماً بحلول منتصف 2023، تتوقع بلومبرج إكونومكس أن ترتفع أسعار الطاقة 20%، أمّا مؤشر أسعار المستهلك الأميركي الذي تعتقد أنه سينخفض إلى 3.9% بحلول منتصف العام، فقد يعود ويقفز إلى 5.7% في نهاية العام.
يعني ذلك انقلاباً في الدور الذي لعبته الصين هذا العام، حين أسهمت بكبح التضخم العالمي. فقد أدى ركود قطاع الإسكان والقيود المشددة بغية احتواء فيروس كورونا لتباطؤ استثنائي للاقتصاد الصيني، وقد خفضت بلومبرج إكونوميكس توقعاتها لنموّ الناتج الإجمالي المحلي في الصين لعام 2022 من 3.5% إلى 3%، وخفضت توقعات العام المقبل من 5.7% إلى 5.1%.
تسلّط مجموعة من المؤشرات المختلفة الضوء على كيفية تأثير ضعف الصين على كلّ جانب من جوانب الاقتصاد العالمي.
تخفيف القيود
قالت وكالة الطاقة الدولية في سبتمبر إن مشتريات الصين من النفط هذا العام ستكون الأدنى منذ 1990. كما انخفضت واردات الصين من كوريا الجنوبية، خامس أكبر شريك تجاري لها والتي تعدّ العلاقة معها مقياسية بأكثر من 25% في نوفمبر، وهو التراجع الأكبر منذ 2009. كما تعني قيود السفر الصارمة أن الحركة الجوية في الصين، ثاني أكبر سوق للسفر الجوي في العالم بعد الولايات المتحدة، قد انخفضت إلى 35% ممّا كانت عليه في عام 2019. كانت الصين في السابق السوق الأنشط للطيران الداخلي مع 14 ألف رحلة في اليوم، وقد انخفض ذلك إلى حوالي 2800 رحلة في اليوم في نوفمبر.
ستؤدي انتعاشه الصين إلى زيادة واردات النفط والسلع الأساسية والمواد الخام، إلى جانب رفع الطلب على مقاعد الطيران والغرف الفندقية والعقارات في الخارج. قالت إيريس بانغ، كبيرة الخبراء الاقتصاديين لشؤون الصين العظمى في مجموعة "أي ان جي" (ING Groep)" "لا شكّ أن التضخم العالمي سيرتفع في حال إعادة فتح الصين... سيزيد السفر العالمي وتزيد المبيعات ويزيد الإنتاج".
لم يُعرف بعد مدى احتمال أن تعيد الصين فتح اقتصادها العام المقبل، لكن ما اتضح هو أنها بدأت التجارب. أصدرت السلطات في بكين في 7 ديسمبر خطة من عشر نقاط تتضمن تخفيف مزيد من القيود، ما دعم رأي المراقبين بأن الحكومة بصدد التخلي عن سياسة صفر كوفيد.
كانت بكين وجوانزو وهانغجو وشنغهاي وشنجن بعضاً من المدن التي خففت القيود رغم ارتفاع عدد الإصابات. كما خُففت القيود في مدينة جنغجو، التي تضمّ أكبر مصنع لشركة "أبل" في الصين. قالت نائبة رئيس الوزراء سان شونلان إن مكافحة الوباء في البلاد دخلت مرحلة جديدة. يسهم كلّ ذلك بتعزيز التوقعات بأن الصين ستعيد فتح اقتصادها بأسرع ممّا كان يُعتقد سابقاً. قال كريستوفر بيدور، المحلل في شركة "جافيكال" (Gavekal)، إن الخطوات الأخيرة تظهر أن سياسة كورونا التي تعتمدها الحكومة تتغير. أضاف: "وصلت الصين إلى بداية نهاية سياسة صفر كوفيد".
خطر أزمة صحية
لكن قبل بدء التعافي الاقتصادي، تواجه الصين خطر أزمة صحية. في ظلّ النقص في عدد الأسرة في العناية الفائقة، سيكون خروج البلاد من سياسة صفر كوفيد معقداً وقد يمتد إلى أبعد من عام 2023. إذ إن فتح الاقتصاد بشكل كامل قد يعني دخول 5.8 مليون شخص إلى وحدات العناية الفائقة، ما سيرهق النظام الصحي الذي يضمّ أقل من أربعة أسرة عناية فائقة لكلّ 100 ألف شخص، وهو عدد يقل بكثير عمَّا في الدول المتطورة، حسب كبير المحللين الصيدلانيين في بلومبرج إنتليجنس سام فازيلي.
لهذا يتوقع بعض المحللين أن تكون إعادة فتح الاقتصاد في الصين بطيئة وحذرة ومعقدة، ما قد يعني استمرار الاضطرابات في حركة النقل وسلاسل الامداد وثقة المستهلك. يواجه نهج الصين الجديد تجاه الفيروس اختباراً كبيراً في يناير خلال عيد رأس السنة القمرية، فقد تفرض السلطات قيوداً صارمة على السفر أو تلزم المسافرين بالخضوع لاختبارات، ما قد ينغص فرحة الأعياد ويعزز الاعتقاد بأن طريق الخروج من سياسة صفر كوفيد ستكون وعرة.
برغم عدم اليقين بدأت الأسواق بالانتعاش وسط مزيد من الإشارات إلى أن سياسة الحكومة حيال الفيروس آخذة في التغير. ارتفع مؤشر “هانج سينج تشاينا إنتربرايزس" في هونج كونج 29% في نوفمبر، مسجلاً أفضل أداء له منذ 2003، فيما حقق مؤشر “هانج سينج "المقياسي أفضل مكاسب شهرية له منذ 1998. كما سجلت سوق الأسهم الأسترالية في مثال على التأثير غير المباشر الارتفاع الأعلى في سبعة أشهر إثر الأخبار حول التغيير في السياسة الصينية.
القطاع العقاري
العقارات هي سبب آخر قد يجعل الصين قوّة تدفع نحو التضخم في العام المقبل. أُعلن في الأسابيع الماضية عن سلسلة إجراءات تسهم بتحقيق استقرار في أسعار المنازل، بينها تخفيف المتطلبات المتعلقة بالدفعة الأولى واتخاذ خطوات للتخفيف من أزمة السيولة لدى المطورين العقاريين. فيما لا تضمن هذه الإجراءات انتعاشه قوية لقطاع العقارات الذي يشكل حسب بعض التقديرات ما يصل إلى 25% من اقتصاد الصين، فقد تكون كافية لإعادة وضع نموّ الناتج المحلي الإجمالي على المسار الصحيح. سيكون للتعافي المحتمل لقطاع الإسكان المترافق مع إعادة فتح الاقتصاد أثر غير مباشر على شركاء الصين التجاريين والأسواق المالية.
كانت ورقة بحثية صدرت مؤخراً عن الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك تحت عنوان "ما يحدث في الصين، لا يبقى في الصين" قد أشارت أن البلاد تلعب دوراً محورياً في الاستهلاك العالمي ومشاعر المستثمرين. جاء في الورقة البحثية: "نجد بشكل خاص أن السياسات الائتمانية التوسعية في الصين تقود إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار السلع الأساسية والإنتاج العالمي والناتج المحلي الإجمالي خارج الصين، بدفع من ارتفاع الطلب الصيني".