«المركزي الروسي» يحذر من أزمة عمالة بسبب الحرب في أوكرانيا
أصدر بنك روسيا المركزي أقوى تحذير له حتى الآن، حيث تضمن أن استدعاء الكرملين للرجال من أجل القتال في أوكرانيا يحرم الاقتصاد من العمالة، وقد يضغط على معدلات التضخم، في وقت لم يغير البنك أسعار الفائدة للاجتماع الثاني.
أبقى صُنّاع السياسة النقدية على سعر الفائدة الأساسي عند 7.5%، بما يواكب أنباء التوقعات المجمع عليها من قبل خبراء الاقتصاد الذين استطلعت "بلومبرغ" أراءهم. واستمر الروبل الروسي بالخسارة عقب الإعلان عن القرار، وجرى تداوله أقل من 0.4% مقابل الدولار الأميركي عند الساعة 2:21 بعد الظهر بتوقيت موسكو.
أسفر قرار تعبئة 300 ألف رجل، بجانب الهجرة الجماعية للروس التي ترتبت عليه ندرة في العمالة بوقت اقترب فيه معدل البطالة فعلاً من أدنى مستوياته في التاريخ وتراجع التعداد السكاني. وأوضح البنك المركزي الروسي، الجمعة، أن "القدرة على زيادة إنتاج اقتصاد روسيا محدودة بطريقة كبيرة بسبب ظروف سوق العمل".
لم يطرح بنك روسيا مرة أخرى أي توجيه عبر بيانه، حيث ترك الخيارات مفتوحة بشأن اتجاه السياسة النقدية في المستقبل. وكان من المقرر أن تعقد محافظة بنك روسيا إلفيرا نابيولينا مؤتمراً صحفياً مساء أمس.
أكد البنك المركزي أن "نقص العمالة يتفاقم في قطاعات عديدة، وسط تداعيات التعبئة العسكرية الجزئية، ووسط هذه الظروف يزداد معدل نمو الأجور الحقيقي في هذه القطاعات وقد يتجاوز نمو معدل الإنتاجية".
يُتوِّج القرار عاماً شهد دورة تيسير نقدي قوية عوضت الزيادة الطارئة عقب غزو الكرملين لأوكرانيا. متشجعاً بالتباطؤ الشديد لأسعار المستهلكين، سارع البنك المركزي على الفور للتخلي عن التدابير التي لم يسبق لها مثيل، والمفروضة عقب الغزو في أواخر فبراير الماضي، إذ دخل الاقتصاد في أزمة نتيجة الضغط الناجم عن العقوبات الموقعة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.
خلال أكتوبر الماضي، اعتمد صُنّاع السياسة النقدية "إشارة محايدة" عقب الإعلان عن 12.5 نقطة مئوية من التيسير النقدي في إطار 6 خطوات لتقليص أسعار الفائدة لتكون دون مستوى ما قبل الحرب.
منذ أن بلغت معدلات التضخم ذروتها قرب 18% على أساس سنوي بأبريل الماضي، تراجعت إلى 12% تقريباً، أو قرب الحد الأدنى لتوقعات البنك المركزي لنهاية السنة الجارية. وهبطت توقعات الأسعار، وهي عامل أساس بالنسبة لصانعي السياسة النقدية، في نوفمبر الماضي لأول مرة خلال 4 شهور.
أشار البنك المركزي، الجمعة، إلى أن "أسعار المستهلكين الحالية تنمو بوتيرة ضعيفة، كما أن طلب المستهلكين ضعيف، وفي هذه الأثناء تتفاقم المخاطر المعززة للتضخم وتتجاوز مخاطر التضخم".
لكن التهديدات المقبلة ستهيمن بصورة متنامية على جدول أعمال نابيولينا، التي أشارت سابقاً إلى أن للسياسة المالية التيسيرية باتت مقلقة.
قالت أولغا نيكولايفا، كبيرة المحللين لدى شركة "آي تي آي كابيتال" (ITI Capital) بموسكو: "لقد تغيرت لغة الخطاب نوعاً ما" وفي المدى القريب، بدأت الهيئة التنظيمية تزيد من تركيزها على المخاطر المعززة للتضخم".
رفعت وزارة المالية حالياً توقعاتها للعجز بالميزانية على مدى السنة بأكملها من نسبة 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 2% في ظل تراجع الإيرادات وتزايد الإنفاق على الجهود الحربية.
علاوة على الإنفاق الحكومي العالي، فإن الاستدعاء العسكري- الذي أُعلن عنه منذ 3 شهور تقريباً – يمثل مخاطر على التضخم من خلال استنزاف سوق العمل. على إثر قرار تعبئة الجنود وموجة الهجرة التي ترتبت عليها، ربما تهبط الأيدي العاملة بنسبة 2%.
يأتي هذا من بين الأسباب الأساسية التي جعلت "بلومبرغ إيكونوميكس" تضع حالياً توقعات معدل النمو الاقتصادي المحتمل لروسيا عند 0.5% فقط، أو ما يعادل نصف مستواه قبل نشوب الحرب.
في هذه الأثناء، باتت عملة الروبل أضعف، إذ بدأ تلاشي فائض الحساب الجاري، الذي كان على مدى عدة شهور سبباً أساسياً وراء قوة سعر صرف العملة.
ربما تواجه الميزانية أيضاً ضغوطاً نتيجة القيود الجديدة المفروضة على صادرات النفط الروسية، إذ تكشف المخاطر الجيوسياسية عن علامات تراجع محدودة.
باتت النظرة المستقبلية الخاصة بأسعار الفائدة غامضة تماماً حتى أن "نابيولينا" لم تستبعد أن تكون الخطوة التالية للبنك المركزي الروسي هي زيادة أسعار الفائدة، وهو سيناريو لا يبدو أنه مرجح بالوقت الراهن.