حكم الذكر والدعاء أثناء الصلاة بألفاظ لم ترد في الكتاب والسنة؟
حكم الذكر والدعاء داخل الصلاة بألفاظ لم ترد في الكتاب والسنة هو ما يسأل عنه الكثيرون خاصة ممن لا يحفظون الدعاء بصيغته الواردة ما يجعلهم يلجأون إلى الدعاء بالصيغة التي ترد على أذهانهم، ما يجعل من معرفة حكم الذكر والدعاء داخل الصلاة بألفاظ لم ترد في الكتاب والسنة أمرا مهما.
وورد إلى دار الإفتاء سؤال حول حكم الذكر والدعاء داخل الصلاة بألفاظ لم ترد في الكتاب والسنة وأجاب عنه مفتي الجمهورية ليعرف الجميع حكم الذكر والدعاء داخل الصلاة بألفاظ لم ترد في الكتاب والسنة.
حكم الذكر والدعاء داخل الصلاة بألفاظ لم ترد في الكتاب والسنة
سأل يقول: ما حكم الذكر والدعاء داخل الصلاة بألفاظ لم ترد في الكتاب والسنة؟ وهل يُعَدُّ ذلك بدعة؟
وأجاب مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام على السائل بقوله: لا مانع شرعًا من الذكر والدعاء في الصلاة بألفاظ لم ترد في الكتاب والسنَّة، ولا يُعدُّ هذا من قبيل البدعة ما دامت الألفاظ لا تخالف أصول الشرع في شيء، وهذا ما عليه جماهير العلماء من أصحاب المذاهب المتبوعة وغيرها سَلَفًا وخَلَفًا من استحباب الدعاء والذكر بكل شيء يجمع القلب على الخشية ويتحقق به المناجاة، وادعاء أن ذلك من البدعة ادعاء غير صحيح؛ لأنَّ مفهوم البدعة يصدُق على ما عارض الكتاب والسنَّة، وليس الذكر أو الدعاء بما يجعل القلب حاضرًا معارضًا للكتاب والسنَّة في شيء.
وأضاف: اتفقت المذاهب الفقهية المتبوعة فيما هو المعتمد عندهم على أنه لا يشترط في الصلاة الالتزامُ بنصوص الدعاء الواردة في الكتاب والسنة، وأن ذلك ليس واجبًا ولا متعينًا، وإن كان هو الأفضل إذا وافق ذكر اللسان حضور القلب، وأنه يجوز للمصلي أن يذكر ويدعو في صلاته بغير الوارد مما يناسب الوارد ولا مخالفة فيه.
كما اتفقوا على أن كل ما لا يجوز الدعاء به خارج الصلاة لا يجوز الدعاء به داخلها، غير أنهم اختلفوا في موضوع الدعاء؛ هل يجوز أن يكون بما لا يناسب المأثور؟ وهل يجوز أن يكون بملاذِّ الدنيا وشهواتها مما لا يُقصَد به القربة.
فالذي عليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة في قول: أنه يجوز للمسلم أن يدعو في صلاته بما شاء مِن حوائج الدنيا والآخرة، مع اتفاقهم على أفضلية الدعاء المأثور في الصلاة على غيره إذا فهم المصلي معناه، وكان حاضر القلب عند الدعاء به.
واستثنى الحنابلة في المعتمد عندهم الدعاءَ بغير القربة مما يقصد به ملاذُّ الدنيا وشهواتها بما يشبه كلام الآدميين وأمانيَّهم، وفي رواية عندهم: أن ذلك يجوز، وأجازوا ما عدا ذلك ولو لم يُشبِه ما ورد، واقتصر الحنفية على جواز الدعاء بما يناسب المأثور، دون ما يشبه كلام الناس؛ فلا يجوز الدعاء به عندهم، وتفسد به الصلاة، والمأثور عندهم أعم من أن يكون مرفوعًا أو غير مرفوع.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 321، ط. دار المعرفة) في شرح قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يدعو به المصلي بعد التشهد: «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو»: [واستُدِلَّ به على جواز الدعاء في الصلاة بما اختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة، قال ابن بطَّال: خالف في ذلك النخعي، وطاوس، وأبو حنيفة؛ فقالوا: لا يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القرآن، كذا أطلق هو ومن تبعه عن أبي حنيفة، والمعروف في كتب الحنفية: أنه لا يدعو في الصلاة إلا بما جاء في القرآن أو ثبت في الحديث، وعبارة بعضهم: ما كان مأثورًا، قال قائلهم: والمأثور أعم من أن يكون مرفوعًا أو غير مرفوع، لكن ظاهر حديث الباب يَرُدُّ عليهم، وكذا يَرُدُّ على قول ابن سيرين: لا يدعو في الصلاة إلا بأمر الآخرة، واستثنى بعض الشافعية ما يقبح من أمر الدنيا؛ فإن أراد الفاحش من اللفظ فمحتمل، وإلا فلا شك أن الدعاء بالأمور المحرمة مطلقًا لا يجوز] اهـ.
وقال الإمام المرغيناني الحنفي في "الهداية شرح البداية" (ص: 52، ط. المكتبة الإسلامية): [(ودعا بما شاء مما يشبه ألفاظ القرآن والأدعية المأثورة)؛ لما روينا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال له النبي عليه الصلاة والسلام: «ثم اختَرْ مِنَ الدعاء أطيبَه وأعجبَه إليك»، ويبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ ليكون أقرب إلى الإجابة، (ولا يدعو بما يشبه كلام الناس)؛ تحرزًا عن الفساد، ولهذا يأتي بالمأثور المحفوظ، وما لا يستحيل سؤاله من العباد كقوله: "اللهم زوجني فلانة" يُشبِه كلامهم، وما يستحيل كقوله: "اللهم اغفر لي" ليس من كلامهم] اهـ.
وجاء في موطأ الإمام مالك رحمه الله تعالى (1/ 299-300، ط. دار الغرب): [قال يحيى: وسُئل مالك عن الدعاء في الصلاة المكتوبة؟ فقال: لا بأس بالدعاء فيها، وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو فيقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَإِذَا أَرَدْتَ فِي النَّاسِ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ»، وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إِلَى هُدًى إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إِلَى ضَلالَةٍ إِلا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ أَوْزَارِهِمْ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا». وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "اللهم اجعلني من أئمة المتقين"، وحدثني عن مالك أنه بلغه أن أبا الدرداء رضي الله عنه كان يقوم من جوف الليل، فيقول: "نامت العيون، وغارت النجوم، وأنت الحي القيوم"] اهـ.
قال الحافظ ابن عبد البر المالكي في "الاستذكار" (2 /437): [وأما قول مالك: "لا بأس بالدعاء في الصلاة المكتوبة" فهو أمر مُجمَع عليه إذا لم يكن الدعاء يُشبِه كلامَ الناس، وأهل الحجاز يُجيزون الدعاء فيها بكل ما ليس بمأثم من أمور الدين والدنيا] اهـ.
وقال الإمام الباجي في "المنتقى شرح الموطأ": [وهذا كما قال لا بأس بالدعاء في المكتوبة وغيرها من الصلوات؛ يدعو بما شاء من أمر دينه ودنياه؛ سواء كان ذلك من القرآن أو غيره] اهـ.
وقال سيدي الإمام أحمد زروق المالكي في "قواعده": [بساط الشريعة قاضٍ بجواز الأخذ بكل ذكر ودعاء صحَّ معناه وسلم مبناه] اهـ.
وقال سيدي الإمام أبو البركات الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 251، ط. دار الفكر): [(و) نُدِبَ (دعاءٌ بتشهدٍ ثانٍ) يعني: تشهد السلام؛ بأيِّ صيغةٍ كانت] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (1/ 256، ط. المكتب الإسلامي): [ويُستَحَبُّ الدعاءُ بعد ذلك -أي: الصلاة الإبراهيمية-، وله أن يدعو بما شاء من أمر الدنيا والآخرة، وأمور الآخرة أفضل، وعن الشيخ أبي محمد: أنه كان يتردد في مثل "اللهم ارزقني جارية صفتها كذا" ويميل إلى المنع وأنه يبطل الصلاة. والصواب الذي عليه الجماهير: جوازُ الجميع، لكن ما ورد في الأخبار أحب من غيره] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" في الكلام على كلمات دعاء القنوت (3/ 497، ط. دار الفكر): [الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور: أنه لا تتعين، بل يحصل بكل دعاء، والثاني: تتعين ككلمات التشهد... والمذهب أنه لا يتعين، وبه صرح الماوردي والقاضي حسين والبغوي والمتولي وخلائق. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: "قول من قال: يتعين؛ شاذ مردود مخالف لجمهور الأصحاب، بل مخالف لجماهير العلماء؛ فقد حكى القاضي عياض اتفاقهم على أنه لا يتعين في القنوت دعاءٌ إلا ما رُوِيَ عن بعض أهل الحديث أنه يتعين قنوت مصحف أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه: "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك إلى آخره"، بل مخالف لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه كان يقول: «اللهمَّ أَنْجِ الوليدَ بن الوليد وفلانًا وفلانًا، اللهمَّ الْعَن فلانًا وفلانًا»؛ فلْيُعَدَّ هذا الذي قيل بالتعين غلطًا غير معدود وجهًا" هذا كله كلام أبي عمرو، فإذا قلنا بالمذهب وقلنا: إنه لا يتعين، فقال صاحب الحاوي: يحصل بالدعاء المأثور وغير المأثور] اهـ.
وقال العلامة الشمس الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (1/ 511، ط. مصطفى الحلبي): "(وكذا) يُسَنُّ (الدُّعاءُ بعدَه) أي: التشهد الآخَرِ بما شاء مِن دِينِيٍّ أو دُنيويٍّ؛ كاللهم ارزُقني جاريةً حسناءَ... بل نُقِلَ عن مقتضَى النص كراهةُ تركه] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 620، ط. دار الفكر): [فصل: ولا يجوز أن يدعو في صلاته بما يقصد به ملاذ الدنيا وشهواتها بما يشبه كلام الآدميين وأمانيهم؛ مثل: اللهم ارزقني جارية حسناء، ودارًا قوراء، وطعامًا طيبًا، وبستانًا أنيقًا، وقال الشافعي: يدعو بما أحب... فصل: فأما الدعاء بما يتقرب به إلى الله عز وجل مما ليس بمأثور ولا يقصد به ملاذ الدنيا: فظاهر كلام الخرقي وجماعة من أصحابنا: أنه لا يجوز، ويحتمله كلام أحمد؛ لقوله: "يدعو بما جاء وبما يعرف". وحكى عنه ابن المنذر أنه قال: "لا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه من حوائج دنياه وآخرته"، وهذا هو الصحيح إن شاء الله؛ لظواهر الأحاديث: فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ثم ليتخير من الدعاء»، وقوله: «ثم يدعو لنفسه بما بدا له»، وقوله: «ثم يدعو بعدُ بما شاء»، ورُوِيَ عن أنس رضي الله عنه قال: "جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله، عَلِّمْني دعاءً أدعو به في صلاتي، فقال: «احمدي الله عشرًا، وسبحي الله عشرًا، ثم سلي ما شئت؛ يقول: نعم، نعم، نعم» رواه الأثرم. ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يدعون في صلاتهم بما لم يتعلموه، فلم يُنْكِرْ عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للرجل: «ما تقولُ في صلاتك؟» قال: أتَشَهَّدُ، ثم أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، فصوَّبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه ذلك من غير أن يكون علَّمه إياه. ولما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أمَّا السجودُ فأكثروا فيه من الدعاء» لم يُعَيِّن لهم ما يدعون به، فدل على أنه أباح لهم كل الدعاء إلا ما خرج منه بالدليل في الفصل الذي قبل هذا. وقد رُوِيَ عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت إذا قرأت: ﴿فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ [الطور: 27] قالت: "مُنَّ علينا وقِنَا عذابَ السَّموم". وعن جُبَيْر بن نُفَيْر أنه سمع أبا الدرداء رضي الله عنه وهو يقول في آخر صلاته وقد فرغ من التشهد: "أعوذ بالله من النفاق"، ولأنه دعاء يُتَقَرَّبُ به إلى الله تعالى؛ فأشبه الدعاء المأثور] اهـ.