مخلفات الموضة السريعة تخنق البلدان النامية بجبال من النفايات
تنتشر ملابس مبللة ملتفة ومتشابكة، تبدو كجثث طرحها الموج، على شواطئ غانا، أحدى أكثر الدول استيراداً للملابس المستعملة في العالم. يسمي سكانها الملابس الآتية من الخارج "أوبروني واو"، التي تعني ملابس البيض الموتى بلغة توي المحلية، وكأن الاسم يسعى لتفسير فيض يصعب تبريره من الملابس الآتية من الخارج. لا شكّ أن أصحابها لم يتخلوا عن هذا الكم الهائل من الثياب بإرادتهم، أليس كذلك؟
تُشكل طبقات من قمامة الدول الغنية المتكدسة على شاطئ شوركور قرب العاصمة أكرا جداراً يزيد ارتفاعه عن مترين أشبه بطبقات جيولوجية تكونت عبر عصور الموضة المتتالية، حيث يُمكن رؤية صندل ماركة "كروكس" (Crocs) هنا، وقميص بولو أزرق من "رالف لورين" هناك، وحمالة صدر حمراء من "فيكتورياز سيكريت" قربهما.
تل الملابس البالية صلب للغاية لدرجة أنه تعلوه مدينة أكواخ مبنية بالفعل على قاعدة من ثياب.
تمتد النفايات على مد البصر في الاتجاهين. قال سولومون نوي، مسؤول إدارة النفايات بالمدينة إنه عندما تتساقط الأمطار، تلفظ مجاري الماء ومزاريب المدينة الملابس في المحيط ثم تلقي الأمواج بمعظم تلك النفايات على الشاطئ.
يخوض نوي وطاقمه من فريق عمل الصرف الصحي يومياً معركة خاسرة لجمع بقايا المنسوجات في مكبّات في أكرا، إذ يتألف إسطولهم من عدد ضئيل جداً من الشاحنات، كما أن الملابس تسبب أعطالاً في الأنظمة الهيدروليكية التي تضغط النفايات وقد امتلأ أحد المكبات خلال ثلاث سنوات فقط، فيما أن عمره الافتراضي 25 عاماً.
لإصلاح الكوكب.. علينا العودة إلى ثقافة إصلاح المنتجات
يعتقد نوي أن 40% من الملابس المستعملة التي تصل عبر ميناء أكرا لا يرتديها أحد أو يستخدمها لأي أغراض أخرى، بل ينتهي بها الأمر في القمامة. قال: "لا تملك الحكومة المال والبنية التحتية للتعامل مع نفايات الرجل الأبيض". يقرّ نوي أن الحل ليس في حظر الواردات ببساطة كما يطالب بعض النشطاء والباحثين الغربيين الساخطين من حكومة غانا، لأن هذه التجارة تعدّ مصدر رزق للعديدين هناك.
الموضة السريعة
استفحلت الكارثة على مر العقود فقد أصبحت الملابس أرخص وأوفر، وغدت وتيرة استبدالها أسرع من أي وقت مضى. يُنتج قطاع الأزياء أكثر من 100 مليار قطعة ملابس سنوياً بمعدل 14 قطعة لكل شخص في العالم، أي أكثر من ضعف الكمية المنتجة في عام 2000.
بالتالي، تُرمى عشرات ملايين قطع الملابس يومياً لاستبدالها بجديدة ويُوضع أغلبها فيما يسمى حاويات إعادة التدوير.
لا يدرك كثير من الناس أنه نادراً ما يُعاد تدوير الملابس المستعملة لتصبح ملابس جديدة نتيجة غياب التقنية وبنى تحتية قادرة على إنجاز هذه المهمة على نطاق واسع. تصبح هذه الملابس بدلاً عن ذلك جزءاً من سلسلة إمداد عالمية للثاب المستعملة، ما يطيل عمرها لبعض الوقت عبر استخدامها لتصنيع فوط التنظيف أو حشوات المراتب أو المواد العازلة.
لكن نشوء الموضة السريعة وتفضيل المتسوقين للكم على حساب النوعية أدى لتوفر ملابس جديدة بأسعار منخفضة تهدد بإضعاف تلك التجارة وزيادة الضغوط على اقتصادات الدول النامية. انتشرت خرافة إعادة تدوير الملابس في نفس الوقت بما يكفي لحماية الشركات والمستهلكين من حقيقة مزعجة وهي أن أفضل حل لأزمة نفايات المنسوجات العالمية هو تقليل شراء الملابس واختيار أجودها وارتدائها لفترة أطول، أي القضاء على الموضة السريعة.
وعي بيئي
أصبحت "إتش آند إم" في مطلع 2013 أول سلسلة تجزئة ضخمة تُطلق مبادرة عالمية لجميع الملابس المستعملة. وضعت الشركة صناديق في آلاف المتاجر المنتشرة في أكثر من 40 دولة، وقد لاقت المبادرة قبولاً في ظل تزايد الوعي البيئي. بعد عدة سنوات، تعاونت سلسلة البيع بالتجزئة السويدية مع مغني الراب البريطاني، إم أي أيه (M.I.A.) لإنتاج فيديو غنائي يطالب مشاهديه "بالانضمام للمبادرة" والمشاركة بالملابس التي لا يريدونها.
قالت الشركة عبر مدونتها: "الكل يفوز! ستعيد (إتش آند إم) تدوير الملابس وتصنع ألياف أنسجة جديدة وستحصلون بالمقابل على قسائم تسوق تستخدمونها في متاجرنا".