الحرب الروسية تعيد رسم خطوط التجارة وترفع تكلفة شحن النفط
ينعم أصحاب ناقلات النفط بارتفاع كبير في الإيرادات، بعدما أدت العقوبات التي فُرضت جراء الحرب الروسية إلى إعادة ترسيم خطوط التجارة العالمية للنفط الخام. وهو وضع مهيأ للاستمرار فترة طويلة.
يمكن فهم سبب هذه الاضطرابات بسهولة، وهو أن أوروبا كانت على مدار عقود أكبر مشترٍ للنفط الروسي، وهي الآن بصدد حظر مشترياتها من موسكو الشهر المقبل بعدما قلصتها بالفعل.
تتدفق رحلات الشحن البحري بدلاً من ذلك إلى آسيا، والنتيجة هي أن السفنٌ ستبحر لآلاف الأميال الإضافية وهذا ينعش جانب حيوي من الطلب في السوق.
صرح هالفور اليفسن سمسار الناقلات العملاقة في "فيرنلي شيب بروكرز يو كيه" الذي يعمل في هذا القطاع منذ ثمانينيات القرن الماضي: "لا أستطيع القول أنني شهدت اضطراباً تجارياً على هذا النطاق كما نشهد الآن، هذه المرة باعتقادي تشكل نقلة نوعية مقارنة مع الأحداث الجيوسياسية السابقة، والتي كانت تميل إلى أن تكون قصيرة الأمد وسريعة العودة إلى وضعها الطبيعية".
المقياس الرئيسي لقطاع الشحن، الذي يحسب عدد الأطنان لكل ميل، بالاعتماد على حجم البضائع المنقولة مضروباً بمسافة الإبحار، وبحسب شركة "كلاركسون ريسيرش سيرفسيز" وهي وحدة تابعة لأحد أكبر شركات الناقلات في العالم، فإن هذا المقياس يتوقع أن يزداد 4.3% هذا العام. بلغت الأرباح اليومية لأكبر الناقلات العملاقة في هذا القطاع 99628 دولار الجمعة الماضي، أي 4 أضعاف متوسط السنوات الأربعة الماضية، اعتماداً على المسار المعياري للسوق.
أكد فريدريك نيس، المحلل في بنك "إس إي بي" أن سوق الشحن ستظل قويةً خلال عامي 2023 و2024، وهذا يرجع بشكل رئيسي لما وصفه بالتغييرات الأساسية في التدفقات التجارية، وأضاف: "أهم الدوافع هو أن التغيرات الجديدة في التدفقات التجارية تبدو مستمرة".
الشحنات التي كانت تعبر بحر البلطيق بصورة روتينية لتصل ميناء روتردام في بحر الشمال تبحر الآن دون امتعاض إلى الهند والصين قاطعة ضعفي أو ثلاثة أضعاف المسافة السابقة.
جون تشابل، المدير العام في شركة "ايفركور آي إس آي"قال: "طرق التجارة الجديدة -التي عززت الحرب الاعتماد عليها- شكلت انتعاشاً هائلاً في قطاع كانت قدراته الربحية في أدنى مستوياتها خلال معظم العام الحالي، وستظل كذلك على مدى العامين المقبلين".
توقع عمر نوكتا، المدير العام وكبير باحثي الشحن في مؤسسة "جيفريز"، ازدياد الطلب على النفط العام المقبل، ووصول مخزونات الدول المتقدمة إلى أدنى مستوياتها منذ 18 سنة، قد يدفع الدول لزيادة اعتمادها على الاستيراد. وهذا ما سيرفع بدوره الضغط على قطاع الشحن البحري لتوصيل تلك الشحنات.
من المستبعد أن تتراجع الارتفاعات في أسعار الشحن عن طريق زيادة سعة النقل، حيث أن عمر أسطول الناقلات آخذ بالارتفاع بشكل مضطرد وهو ما يزيد الضغط على السفن أكثر. ووفقاً لبيانات شركة "كلاركسون" فإن متوسط عمر السفن 12 عاماً تقريباً، وهو ما يعني أن الأسطول الحالي هو الأقدم منذ 2004.
تُسلَم السفن الجديدة عادة بعد عامين من طلبها، ووفقاً للارس باستيان أوستريغ، محلل شؤون الشحن في بنك "اركتيك سكيوريتيز إيه إس إيه" ، فإن الطلب على السفن الجديدة يقترب من أدنى مستوياته على الإطلاق، ووضح أوستريغ أن الناقلات عادة ما يعاد تدويرها بعد 20 إلى 25 سنة تقريباً، لكن وبالنظر إلى عمرها الآن، فإن عمل ذلك قد يقلص أسطول الناقلات.
يقدر نيس أن أسعار ناقلات النفط العملاقة سترتفع إلى 56 ألف دولاراً في اليوم خلال 2023، و60 ألف دولاراً في العام التالي. وهو ارتفاع من المتوسط الذي كان يبلغ 33 ألف دولاراً يومياً خلال العقد الماضي.
لكن هذا الشتاء، وبحسب نوكتا فإنه من المرجح وصول الأسعار إلى 100 ألف دولاراً في اليوم، كما أنها مرشحة للارتفاع إلى ما بين 150 ألف و200 ألف دولار يومياً، مع توقع أن تبقى السوق في وضع أقوى لفترة أطول.
على الجانب الآخر، ستدخل العقوبات الأوروبية حيز التنفيذ كلياً في 6 ديسمبر المقبل، بعدها ستضطر الكتلة الأوروبية لوقف الواردات المنقولة بحراً بالكامل تقريباً، وهو ما سيعمق الفوضى في طرق التجارة.
قال بريان غالاغر، مسؤول علاقات المستثمرين في شركة “يوروناف إن في” التي تعد أحد أكبر مالكي ناقلات النفط الخام العالميين: "تقلص العرض، والفترة التي تسبق الموعد النهائي في 5 ديسمبر، والقيود الموسمية، جميعها دلائل على الوضع الجديد، نعتقد حقاً أن هناك استمرارية لكل ذلك".