ماذا لو انتهى الأمر بأوروبا بفائض من الغاز ؟
أدى توالي الأخبار السيئة بشكل متزايد، إلى بقاء أسواق الغاز في أوروبا ضيقة، وعلى حافة الهاوية. أولاً، أغلقت موسكو صنابيرها، ما ألحق ضرراً كبيراً بخطوط الأنابيب ذاتها. ومن الممكن أن يزداد الأمر سوءاً، في حال شهدت أوروبا شتاء أكثر برودة، أو في حال تفاقمت أزمة الإمدادات. لكن ربما يستحق الأمر أن نعود خطوة إلى الوراء، لنتخيل عالماً تصبح فيه أوروبا أكثر حظاً؟
في حال بقي الطقس معتدلاً، واستجاب المواطنون للدعوة إلى الحد من الاستهلاك المفرط لمصادر الطاقة، واستبعدت بعض أسوأ العواقب عن سوق الطاقة، فقد تستفيد أوروبا من التراجع الكبير في أسعار الغاز. وقد يعني ذلك تجنب الركود الاقتصادي، وتراجع معدلات التضخم في وقت أبكر مما كان متوقعاً. كما سيكون بمقدور البنك المركزي الأوروبي تخفيف حدة الزيادات المؤلمة في أسعار الفائدة.
دخلت أوروبا بيئة طاقة جديدة تماماً، وأكثر تحدياً. فعلى على مدار عام، تراجعت تدفقات الغاز من روسيا، حيث كانت تغطي ما يقرب من 40% من استهلاك المنطقة. ومع تراجع الإمدادات الروسية، ارتفعت الأسعار، وهي تحوم اليوم عند أكثر من 10 أضعاف متوسطها التاريخي.
تعتبر التوقعات الاقتصادية للمنطقة قاتمة، حيث يضغط ارتفاع تكاليف الطاقة على دخل المستهلكين، ويؤدي إلى تفاقم أزمة سلاسل التوريد الصناعية. وعلى الرغم من تدخل حكومات الدول لتوفير الدعم اللازم، إلاّ أن وطأة الصدمة كانت كبيرة، وقد تفاقمت بسبب تداعيات الأزمة، مؤثرة بذلك على أسواق الكهرباء.
استناداً إلى نموذج صندوق النقد الدولي بشأن العرض والطلب على الغاز في أوروبا، في ظل الظروف الراهنة، من المتوقع أن تحوم الأسعار حول 200 يورو لكل ميغاواط/ساعة خلال الأرباع المقبلة، ما يؤثر بشكل كبير على الإنتاج الصناعي والطلب المحلي.
مع وصول الأسعار إلى هذا المستوى، يشير النموذج إلى أن منطقة اليورو ستنفق ما يقرب من 5% من ناتجها المحلي الإجمالي على مدى الأشهر الـ12 المقبلة، على واردات الغاز الطبيعي، بعد أن أنفقت 1.3% في عام 2021. هذا يعني أن توقعاتنا الأساسية تشير إلى دخول المنطقة في ركود اقتصادي في الربع الرابع، لتشهد انكماشاً بنحو 1% على مدى ربعين سنويين. وفي هذا الإطار، قد يؤدي الشتاء البارد والاستجابة المتقلبة لصانعي السياسات، إلى تراجع اجمالي الناتج المحلي بمعدل 5%.