المفتي: مصر الآن محط أنظار العالم أجمع لاستضافتها مؤتمر المناخ
قال فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن مصر الآن محط أنظار العالم أجمع لاستضافتها مؤتمر المناخ الذي يؤكد ريادتها واستقرارها.
جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج نظرة مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية صدى البلد، مضيفًا أن اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي باحتضان واستضافة ورعاية هذا المؤتمر يعكس مدى اهتمامه بملف التغيُّر المناخي كغيره من الملفات، فهو لم يترك ملفًا على حساب ملف آخر، كما أن الدولة المصرية تتَّخذ خطوات جادة في كثير من الملفات المتنوعة والمتكاملة، وماضية بعزم في تحقيق التنمية والعمران.
وثمَّن مفتي الجمهورية بجهود كافة مؤسسات الدولة التي سبقت مؤتمر المناخ، ومنها دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم على مؤتمرهما الذي أُقيم من أسابيع حول "الفتوى وأهداف التنمية المستدامة" والذي أردنا من خلاله أن نكشف عن العلاقة بين الفتوى والتنمية المستدامة التي هي عنوان للإسلام بكافة عناصرها الاقتصادية والبيئية وغيرهما، وهي مركوزة في الفقه والضمير الإسلامي بعمق.
وشدد المفتي على أن الفتوى تتحرك في منطقة البناء والعمران والتنمية وليس في منطقة زعزعة استقرار المجتمعات، فالفتوى تتحرك لخدمة البشر بشكل يعتمد على العلم والبحث، فالمسئولية أمر أساسي في الفتوى، ولا يمكن أن نصدر الحكم الشرعي إلا على أساس صحيح حتى نصل إلى الحكم وفق منهجية منضبطة، فالفتوى دائمًا مع تحمُّل المسئولية.
وعن دور الفتوى والإفتاء في التغيُّر المناخي أكَّد مفتي الجمهورية أن الإفتاء سيظل حاضرًا بطبيعة الحال في كل أزمة تخص الإنسان بوصفه إنسانًا؛ لكون الإفتاء أحد عناصر الخطاب الديني الرئيسية التي لها تأثيرها في الحياة الإنسانية، مما فرض تداخلًا وأهمية كبيرة للخطاب الإفتائي في كافة الإشكالات الإنسانية، وخاصة ما يتَّصل بالواقع وما به من متغيرات، ولا شك أن التغيرات المناخية تغيرات واقعية تستتبع آثارًا إفتائية.
وأكد أن الفتوى تتعامل وتتفاعل مع الواقع من أجل تبصير الناس بهذا الواقع، وهي داعمة لكل نفع ومكافحة لكل خلل.
وأوضح المفتي أن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم -وهي الهيئة الإفتائية الكبرى- قد آلت على نفسها أن يكون الإفتاء جزءًا من حلول المشكلات الداخلية والخارجية على كافة المستويات، ومن ثم لا يسعها أن تكون بمنأى عن هذه المشكلة في هذه الظروف العالمية.
وشدد مفتي الجمهورية على أن هذا العصر هو عصر التخصص فلا بد من رجوع المتخصص في الفتوى للدراسات والبحوث الثابتة في مختلف المجالات، ولا بد من احترام كلام أهل التخصص وأخذه في الاعتبار ما دام يفيد ويحقق المصلحة ولا يتعارض مع الشرع الحنيف، ونحن كمؤسسة إفتائية نحرص على ذلك دائمًا، ولعل خير الشواهد على هذا الاستعانة بالمتخصصين في وزارة البيئة في مؤتمرنا السابق والذي عُقد الشهر الماضي، وقد تمكَّنا بفضل الله من طرح وإطلاق أول وثيقة إفتائية لمواجهة التغيرات المناخية.
واستعرض أحد إصدارات الأمانة العامة؛ موسوعة "المعلمة المصرية في العلوم الإفتائية" وهي موسوعة كاشفة عن واقع مصري وخبرة إفتائية طويلة، كما تجمع هذه المعلمة مبادئ العملية الإفتائية وأركانها، وتدعم التطبيق الأمثل للإفتاء على المستوى المهاري والمؤسسي، وقد وصلت الآن إلى 50 مجلدًا ومنها مجلد عن الفتوى والتغيُّر المناخي.
وأردف المفتي: إن هذه المعلمة تدوين للمنهج الراسخ والمتداول بين علماء الإفتاء على مر العصور جيلًا بعد جيل في كل مجالات الحياة ومنها ما يخص التغير المناخي، فالفتاوى كانت حاضرة على مر الزمان كالحفاظ على الموارد الطبيعية كالماء وترشيده وعدم تلويثه، حتى في الظروف الاستثنائية والاضطرارية، ومن باب أولى الحفاظ عليها في الظروف الطبيعية.
ولفت مفتي الجمهورية النظر إلى أن التوازن في كل ميادين الحياة هو مطلب شرعي وكل الأحكام الشرعية تحقق هذا التوازن في قضايا البيئة فضلًا عن العبادات لأن ابتعاد الإنسان عن المنهج القويم أساس الفساد في الأرض.
وقال الدكتور شوقي علام، إن التغيُّر المناخي الحاصل في كوكب الأرض على النحو الحالي فساد طارئ على أصل الخلقة والفطرة التي خلق الله الأرض عليها، وتغيير لخلق الله تعالى بنحو غير مسبوق. وإذا كان الحفاظ على الأرض من الفساد واجبًا، وإذا كان هذا التغيير المفسد للأرض مسلكًا شيطانيًّا، فإن مواجهة هذا الفساد مواجهة صارمة حق وواجب في الوقت ذاته.
وأضاف أن الحق المشترك بين الناس في الاستمتاع والانتفاع بعطاء الله ورزقه الذي لم يجعل أحدًا كفيلًا على آخر في الوصول إليه، من ثم واجب الرعاية والمحافظة على الكون والوجود؛ لأن هذا هو مقتضى الخلافة والأمانة التي تحمَّلها الإنسان.
ولفت المفتي النظر إلى أن الاستخلاف في الأرض مسئولية وأمانة تقتضي المشاركة والتعاون، وأن هذه المسئولية تستدعي بالتبعية أن يحافظ الإنسان على الكون، وأن يتعامل مع المشكلات الناجمة عن سوء تعامله معه باهتمام بالغ؛ رعايةً لإصلاح عمران الأرض الذي هو مقتضى الاستخلاف والذي هو مراد الحق سبحانه وتعالى من خلق الإنسان وجعله خليفته في الأرض بالعلم الصحيح والعقيدة الرشيدة كما يظهر ذلك من حكاية القرآن للحوار بين الله تعالى وبين ملائكته في قصة خلق آدم.
وشدد على أن الإسلام ينظر إلى التحديات البيئية كمؤشر لأزمة معنوية وأخلاقية، فيقدم الخطاب الإسلامي شعورًا بالأمل والتفاؤل بشأن إمكانية تحقيق الانسجام بين الإنسان والطبيعة، وستتوازن الأمور على الأرض إذا أعاد البشر التفكير في أساليب حياتهم وعقولهم.
وأوضح مفتي الجمهورية أن السبيل الوحيد في تقويض خطر التغيُّر المناخي والحد من انتشاره هو الالتفاف العالمي حول ذلك الهدف المشترك، وتعزيز سبل التعاون المشترك في هذا الصدد.
وأضاف: وهناك معانٍ وعبر كثيرة في الشرع الشريف تؤكد مدى حرص الإسلام على المسئولية الجماعية، ودعوته إلى العمل الإيجابي ورفضه لأي عمل سلبي، منها ما جاء عن النُّعمان بن بشيرٍ -رضي الله عنهما- عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَثَلُ القائِمِ على حُدُودِ الله والواقِعِ فيها كمَثَلِ قومٍ استهَمُوا على سفينةٍ، فأصابَ بعضُهم أعْلاها وبعضُهم أسفَلَها، فكان الذين في أسفَلِها إذا استَقَوْا من الماء، مَرُّوا على مَن فوقَهُم، فقالوا: لو أنَّنا خرَقْنا في نصيبِنا خرقًا ولم نُؤذِ مَن فوقَنا! فإنْ ترَكُوهم وما أرادوا هلَكُوا جميعًا، وإنْ أخَذُوا على أيدِيهم نجَوْا ونجَوْا جميعًا)). فهذا الحديث -حديث السفينة- قد جمع بين ثناياه أهم معاني المسئولية المشتركة التي ينبغي أن نكون عليها، تلك المسئولية التي تحرص على المصلحة العامة أشد الحرص لكنها في نفس الوقت لا تغفل قيمة المصلحة الخاصة، تلك المسئولية التي تنظم العلاقة بين البشر على اختلاف درجاتهم بميزان العدل الذي لا يحيف على حق أحد، كما ظهر من خلال الحديث التفريق بين المصالح الشخصية والمصالح العامة وكيفية تغليب العام على الخاص؛ درأً للفتن وحفظًا للحقوق وصيانةً للأمة وحفظها من ورود المهالك.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن الخلافة الحقيقية في الأرض لا تتحقق إلا بالعلم في كافة مجالاته، وترجمة هذا العلم هي العمران والبناء والتنمية، ولذلك فكل أمة تقدمت لم تتقدم إلا بالعلم، وكذلك الخلافة تعني المسئولية عن الكون برعايته والمحافظة عليه، والتسخير يعني الاستفادة منه والاستمتاع به، وكلاهما يقتضي المشاركة والتعاون، والمسئولية تقع على الناس جميعًا.
وعن حكم تلويث المياه والشوارع بالقاذورات والمخلفات والقمامة قال مفتي الجمهورية: تلويث مياه الأنهار أمرٌ محرَّمٌ شَرعًا، وعَمَلٌ مُجَرَّمٌ قَانونًا، وكذلك إلقاء القاذورات والقمامة في الشوارع؛ لما فيه من إفسادٍ للبيئة، واعتداء على نعمة المياه وعلى حقوق كلِّ الناس فيها.
واختتم مفتي الجمهورية حواره بتثمين فكرة "الأوقاف البيئية"، وهي صدقة جارية ووقف خيري بما يشمل استصلاح الأراضي وتدوير المخلفات، وناشد فضيلته التوسع في هذه النوعية من الأوقاف لدعم الجهود المبذولة لحماية البيئة والمناخ، وخاصة أن للمسلمين سبقًا وتاريخًا طويلًا من الوقف في الأعمال النافعة.