سقطة «ميتا» تنذر بنهاية عصر شركات التقنية الضخمة
عندما يتراجع سعر سهم إحدى كبريات الشركات، كما حدث مع سهم "ميتا بلاتفورمز" في 27 أكتوبر الذي انخفض 25% تقريباً، غالباً ما يُحثّ المستثمرون على أخذ أداء السهم على المدى الطويل بعين الاعتبار، لكن هذا بالكاد يعين في هذه الحالة. إن كنت ممن اشتروا أسهم "ميتا" (Meta) قبل خمس سنوات، عندما كانت الشركة ما تزال تحمل اسم "فيسبوك"، فقد خسرت 49% تقريباً فيما ارتفع فيها مؤشر "إس آند بي 500" 45%. لم تشطب "ميتا" مكاسبها من الوباء الذي حوّل وسائل التواصل الاجتماعي إلى تقنية أساسية فحسب، لكنها عادت إلى ما كانت عليه في 2015.
سهم "ميتا" ليس مجرد سهم عادي، بل هو مكون أساسي من مجموعة "اف إيه إيه ان جي" (FAANG)، وهو اختصار لأسماء مجموعة شركات تقنية تبدو على أنها لا تقهر يضم إلى جانب "فيسبوك"، كما كانت تسمى سابقاً، "أمازون" و"أبل" و"نتفلكس" و"ألفابت" مالكة "جوجل". رغم التقييمات المرتفعة للشركات، اعتبر عديد من المستثمرين هذه الأسهم استثمارات آمنة، لأنها هيمنت على ما بدا أنه معظم النمو الاقتصادي، من البيع بالتجزئة إلى الترفيه وصولاً للهواتف الذكية مع ميزانيات عمومية قوية وحجم ضخم يمكنها من درء المنافسين. أما اليوم، ورغم أن أسهم الشركات الخمسة ما تزال تشكل أكثر من 13% من القيمة السوقية لمؤشر "إس آند بي 500"، فيبدو أن قصة شركات "اف إيه إيه ان جي" قد انتهت إلى الأبد.
الثقة في "ميتا"
جزئياً هي قصة تخصّ "ميتا" وتدور حول تزايد الشكوك حول مدى تركيز الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرج على مشروع "ميتافيرس" الذي ما يزال مبهماً. لكنها أيضاً قصة حول كيفية تغيير المستثمرين لتفكيرهم بشأن وعود الشركات بالنمو على المدى الطويل مقابل الأرباح التي يمكن أن تحققها في الأرباع أو السنوات القليلة المقبلة. رغم انخفاض أسهم تلك الشركات في الأشهر الاثني عشر الماضية لم يكن بعمق سقوط سهم "ميتا" ونسبته 72%، إلا أن معظم شركات "اف إيه إيه ان جي" الأخرى مرت بوقت عصيب، وواجهت خسائر تتراوح بين 40% إلى 60%. يبدو أن "أبل" وحدها تحافظ على مكانها دون تحقيق تقدم. قال جين مونستر الشريك المؤسس لشركة "لوب فينتشرز" (Loup Ventures) للاستثمار في التقنية: "يواجه المستثمرون أزمة ثقة بالنمو، ويتبنى مستثمرو شركات التقنية الكبرى فكرة تقول إن التباطؤ قد يستمر سنيناً".
وتتزايد مخاوف المستثمرين بشأن "ميتا" منذ شهور. عانت الشركة في فبراير أسوأ انخفاض تقييم ليوم واحد في تاريخ سوق الأسهم الأميركية وقد شطب أكثر من 251 مليار دولار من قيمتها بعد الإبلاغ عن انخفاض عدد المستخدمين النشطين يومياً على "فيسبوك". تمثّل العامل المحفز لانهيار أكتوبر في تقرير أرباح قاتم آخر أظهر تقلصاً في الإيرادات. لكن علاوة على ذلك، تعهدت "ميتا" بمزيد من الاستثمار في الأجهزة التقنية لتسهيل تحولها نحو "ميتافيرس"، العالم الرقمي الغامر حديث العهد.
وقال زوكربيرج للمحللين إن الشركة كانت تقوم بعمل رائد على "ميتافيرس" وإنه "غالباً ما يستغرق كل منتج عدة إصدارات قبل أن يصبح سائداً". ما يزال هناك متفائلون حيال المدى الطويل. قال مونستر إنه "إذا كانت هناك خطوة تالية لوسائل التواصل الاجتماعي ما وراء الهواتف الذكية، فإن قلة فقط من الشركات ستكون قادرة على الهيمنة وهي إحداها".
تفادي المقامرة
لكن رسالة المساهمين كانت واضحة حتى الآن: لا يريدون المقامرة على شيء كبير قادم قد يستغرق سنوات ليؤتي ثماره، بل يريدون أداءً أفضل من العلامات التجارية الأساسية لوسائل التواصل الاجتماعي. إنه نهج منطقي، لكنه لا ينطبق دوماً على شركات التقنية الكبرى، حيث غالباً ما يتحول الفائزون من شركة إلى أخرى يبدو أنها تتفوق في النمو. كانت "نتفلكس" عبارة عن أقراص دي في دي تصل عبر البريد، ثم تحوّلت للبث عبر الإنترنت، ثم أصبحت لاعباً أساسياً في هوليوود تنافس "والت ديزني". كان موقع "فيسبوك" صفحة لطلاب جامعة، ثم أصبح يتضمن تحديثات الأخبار، ثم تحول إلى وسيلة إعلامية متنقلة مع رسائل وصور وفيديو، ثم تطورت لتصبح "ميتا".
وأوضح مارشال فرونت كبير مسؤولي الاستثمار في "فرونت بارنيت أسوشيتس" (Front Barnett Associates): "أثبتت (فيسبوك) نفسها كشركة ناجحة بدأت من لا شيء واكتسبت كل شيء... يبقى السؤال هل يمكنهم أن يفعلوا ذلك مجدداً؟ هناك كثير من الشكوك". قد ينبع الحذر الجديد جزئياً من مدى التكهّنات حول "ميتافيرس".
وتتباطأ الأعمال الأساسية الحالية في الوقت نفسه. بلغ متوسط نمو الإيرادات السنوية لشركة "ميتا" حوالي 42% بين 2013 و2021. يُتوقع أن تتقلص مبيعات الشركة 1% هذا العام، وفقاً لمتوسط تقديرات المحللين التي جمعتها بلومبرغ. هناك منافسة شرسة من "تيك توك" (TikTok) ومخاوف من خفض المعلنين للإنفاق بشكل أكبر في حالة الركود المحتمل، وهو ما سيترك أثره أيضاً على شركات التواصل الاجتماعي الأخرى. انخفض سعر سهم "سناب" (Snap) 79% هذا العام.
ضربات الفائدة
لكن فقدان ثقة المستثمرين تضخم بفعل قفزة أسعار الفائدة التي يحاول الاحتياطي الفيدرالي من خلالها كبح جماح التضخم المرتفع. يمكن أن يكون لارتفاع الأسعار تأثير قوي بشكل خاص على شركات التقنية، لأن تقييماتها تستند إلى وعد بتحقيق أرباح أكبر في المستقبل. من أجل وضع قيمة حالية للأرباح التي لم تُسلم بعد، تستخدم أدوات تحليل الأرقام أسعار الفائدة لخصمها. كلما ارتفعت الفائدة قلّت قيمة الأرباح المستقبلية اليوم. عموماً، حين تكون الفوائد أعلى، قد لا يكون المستثمرون على استعداد لدفع نفس المبلغ للمراهنة على أرباح أقل تأكيداً وأبعد.
طبعاً، هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها أسهم عمالقة التقنية لضربات كهذه، فقد تعثرت في بداية الوباء في 2020 مع كل ما سواها قبل أن تصعد إلى آفاق جديدة لتصبح الفائزة في اقتصاد تحت الإغلاق. كما تعرضت هذه الشركات إلى ضغوط في آخر مرة رفع فيها بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في أواخر 2018، ما أثار مخاوف بشأن ركود محتمل. تراجعت أسعارها كثيراً في غضون بضعة أشهر حينئذ أيضاً.
بعد مرور أحد عشر شهراً على التخارجات الأخيرة، لا نرى إلا بضع إشارات على اقترابنا من نهاية الطريق. ما يزال التضخم متفشياً، وأشار مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي إلى أنهم لن يتوقفوا حتى يحدث مزيد من التقدم في تهدئة الأسعار. تبدو التقييمات أرخص، لكن المشترين ما يزالون غير راغبين. جرى تداول سهم "ميتا" عند مكرر أرباح متوقع فاق 50 ضعفاً في السنوات التي تلت طرحها العام الأولي في 2012، أما الآن فبات سعره عند تسعة أضعاف، ما يضعه ضمن مجموعة تضم شركة "نيويل براندز" (Newell Brands) التي تصنع غراء إيلمر. وشركة "هويرلبول" (Whirlpool) لصناعة الأجهزة المنزلية.
وقد تتغير الأمور مع تغير صورة الاقتصاد الكلي، لكن المستثمرين حذرون في الوقت الحالي. قال سكوت كيسلر رئيس القطاع العالمي للتقنية في شركة أبحاث الاستثمار "ثيرد بريدج" (Third Bridge)، متحدثاً عن "ميتا": "يتساءل المستثمرون ما إذا كان تركيز الشركة على (ميتافيرس) يمنعها من تخصيص مزيد من رأس المال لمجالات نمو أخرى. لقد استثمرت بشدة وربما كان ذلك الالتزام كبيراً جداً في وقت مبكر جداً".