شيخ الأزهر يحذر جموع المسلمين من شرك العبث باستقرار الأوطان
حذر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، جموع المسلمين من الإصغاء لدعوات الفُرقة والشِّقاق، وأنْ يحذروا الوقوع في شَرَكِ العبث باستقرار الأوطان، واستغلال الدِّين في إثارةِ النَّعرات القوميَّة والمذهبيَّة، والتدخُّل في شؤونِ الدول والنَّيْلِ من سيادتها أو اغتصاب أراضيها.
ودعا فضيلة الإمام الأكبر - في كلمته خلال ختام فاعليات ملتقى البحرين للحوار بحضور العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل نهيان وقداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان - إلى وقف الاقتِتال الدائر في شتَّى بقاع الأرض لإعادة بناء جسور الحوار والتفاهم والثقة، من أجل استعادة السَّلام في عالم مُثخَن بالجراح؛ وحتى لا يكون البديل هو المزيد من مُعاناةِ الشُّعُوب الفقيرة، والمزيدُ من العواقب الوخيمة على الشَّرقِ والغربِ معًا.
وقال شيخ الأزهر الشريف إن ملتقى البحرين للحوار ملتقى تاريخيٌّ لما يضمُّه من قاماتٍ كُبرى من العُلماءِ والحكماءِ وقادَة الفِكْر، وكبار والسِّياسيِّينَ والإعلاميِّينَ وغيرهم من شَرْقِ البلادِ وغربِها، وهو كذلك - مُلْتقًى يَسْتحِقُّ أنْ يتوقَّفَ التاريخ عنده؛ ليُسجِّل كلماته وتوصياته بأحْرُفٍ من نورٍ؛ فهو صوتٌ ينبعث من البحرين هذا البلد العريق، صاحب الميراث التَّليد في الجنوح إلى السَّلام والتسامُح وتعايُش الحضارات والثقافات وحواراتها، وتحويل ما يُلائم منها إلى مصدرِ طاقةٍ خلَّاقةٍ ومُبْدِعةٍ تَصُبُّ في اتِّجاهِ الاستقرارِ المجتمعيِّ، والتطوُّر الاجتماعي البَنَّاء.
وأضاف أن الصِّراع الذي تعيشُه الإنسانيَّة اليومَ في الشَّرقِ والغَرب، ثماره مرة على إنسانُ القَرْنِ الحادي والعشرين: حروبًا ودماءً وتدميرًا وفقرًا، بل ثُكلًا ويُتْمًا وتَرمُّلًا وتَشْريدًا، ورُعبًا من مُستقبلٍ مجهولٍ، غير أنَّ من المهم الإشارةَ إلى أنَّ سببَ هذه المآسي هو غياب ضابط العدالة الدوليَّة الذي وضَعَه الله قانونًا لاستقرارِ المجتمعات، وتحقيقِ توازن الإنسان: جَسَدًا ورُوحًا على هذه الأرض، وإلَّا تحوَّلت المجتمعات الإنسانيَّة إلى ما يُشبه مجتمعات الغاب والأحراش.
وتابع قائلا "إنَّ جُلَّ هذه المخاوفِ التي تُساورُ نفوسَ الشَّرقيِّين اليوم من الحضارة الغربيَّة، تُساورُ - وبالقدرِ ذاتِه - عقولَ نخبة مُتميَّزة من مُفكِّري الغرب وكبار قادته، فقد أدركَ بعضُهم أنَّ السِّياسة الغربيَّة لم تَعُدْ مُجْدِيةً في معالجةِ الأزمات العالميَّة، لما تتَّسِمُ به من تشنُّجاتٍ تقومُ على استعراضِ "عضلات السِّلاح المدَمِّر الذي يُهدِّدُ الإنسانيَّة"، مقترحا أنْ تحلَّ "الثقافة" محلَّ السِّياسة، في العلاقات الدوليَّة، لما للثقافة من قُدْرةٍ على فَهْمِ الإنسان، واستيعاب أبعاده المتعدِّدة.
وأشار فضيلة شيخ الأزهر إلى أنَّ الغربَ في حاجةٍ إلى حِكْمَةِ الشَّرقِ وأدْيانِه وما تَربَّى عليه النَّاس من قِيَمٍ خُلُقيَّةٍ، ونظرةٍ مُتوازنة إلى الإنسانِ والكون وخالقِ الكون، وهو في حاجةٍ إلى روحانيَّةِ الشَّرق، وعُمْق نظرته إلى حقائقِ الأشياء، وإلى التَّوقُّف طويلًا عند الحكمة الخالدة التي تقول: "ليس كلُّ ما يَلْمَعُ ذهبًا"، بل إنَّ الغربَ يحتاجٌ إلى أسواقِ الشَّرقِ وسواعد أبنائه، في مصانِعه في إفريقيا وآسيا وغيرهما، وهو في حاجةٍ إلى الموادِّ الخام المكنوزة في أعماقِ هاتين القارَّتين، والتي لولاها لما وجدت مصانع الغرب ما تنتجه، وليس من الإنصافِ في شيءٍ أن يكونَ جزاء المحسن مَزيدًا من الفقرِ والجهلِ والمرضِ.
وأوضح أنه على الشرق أيضا اقتباسِ علوم الغرب والاستعانة بها في نهضَتِه التِّقنية والماديَّة، واستيراد المُنتجات الصِّناعيَّة، من أسواقِ الغرب؛ كما يجبُ على الشَّرقيِّين أنْ يَنْظُروا إلى الغربِ نظرةً جديدة فيها شيء من التَّواضُع، وكثيرٌ من حُسْنِ الظَّنِّ والشُّعُور بالجارِ القريب، والفَهْم المتسامح لمدنيَّة الغرب وعادات الغربيِّين بحُسبانِها نتاج ظروف وتطوُّرات وتفاعُلات خاصَّة بهم دفعوا ثمنَها غاليًا عبرَ قرونٍ عِدَّة، وأنه على علماءِ الإسلام ألَّا يَمَلُّوا من توضيح ما في الدِّين الإسلامي من المبادئ السَّامية، والإخاء البشري والتعاون الإنساني وغيرها من المشتركات التي يتصالح عليها الغربيِّون والشَّرقيِّون ويُرحِّبُونَ بها، وأنْ يحرصوا على تعريفِ الغربيِّين للإسلامِ على حقيقتِه.
وأشار فضيلة شيخ الأزهر إلى أن لدينا اليوم نظريَّةٌ شرقيَّة إسلاميَّة، بديلةٌ لنظريَّة "صِراع الحضارات" تُسَمَّى بنظريَّةِ "التَّعارُف الحضاري"، حَظِيَتْ في الآونةِ الأخيرة باهتمامِ فريقٍ من المفكِّرينَ والباحثينَ المتميِّزين، وقَدَّمُوها كردِّ فعلٍ مُناقضٍ لنظريَّةِ "الصِّراع الحضاري"، وهي تَعني الانفتاح على الآخَر، وتعرُّفَ كُلٍّ من الطَّرفين على الطَّرفِ الآخَر في إطارٍ من التَّعاونِ وتبادل المنافع، وتمكين الإنسان من أداء الأمانة التي ائتمنَهُ الله عليها، وهي: إعمارُ الأرضِ ومسؤوليته عن إصلاحِها وعدم الإفساد فيها بأيَّةِ صُورةٍ من صورِ الفساد.