حكم الهجرة غير الشرعية في الإسلام.. «لا يجوز شرعا»
حكم الهجرة غير الشرعية هي ما يسأل عنها الكثيرون؛ خاصة في ظل ما يحدث من هجرة غير شرعية يروح ضحيتها العديد من الشاب ما يجعل من معرفة حكم الهجرة غير الشرعية أمرا مهما.
وورد إلى دار الإفتاء سؤالا حول حكم الهجرة غير الشرعية وأجابت عنه باستفاضة ليعرف الجميع حكم الهجرة غير الشرعية.
حكم الهجرة غير الشرعية
سأل سائل يقول: ما حكم الهجرة غير الشرعية على الوجه الذي نراه ونسمع به في بلادنا هذه الأيام؟
وأجابت دار الإفتاء المصرية على السائل بقولها: الهجرة غير الشرعية على الوجه الذي يحصل في بلادنا الآن لا يجوز فعله شرعًا ولا الإقدام عليه؛ سواء كان عن طريق التسلل خفيةً، أو باستخدام وثائق مزورة، أو بالمكث بعد المدة المحددة بالوثائق المؤقتة بمدةٍ دون موافقة قانونية مماثلة؛ لأن هذه الهجرة تتضمن وتستلزم جملة من المخالفات والمفاسد، ففيها مخالفةٌ لولي الأمر ومخالفة للقانون، وهذه المخالفة حرامٌ ما دام ولي الأمر أو الحاكم لم يأمر بمُحَرَّم، وفيها تعريض النفس للمخاطر والهلاك من غير مُسَوِّغ شرعي، ومن المقرر شرعًا أن حفظ النفس أحد مقاصد الشرع الخمسة التي تقع في مرتبة الضروريات، وفيها إذلال المسلم نفسه؛ فإن الدخول إلى البلاد المهاجَر إليها من غير الطرق الرسمية المعتبَرة يجعل المهاجِرَ تحت طائلة التَّتَبُّع المستمر له من قِبَل سلطات تلك البلد، فيكون مُعرَّضًا للاعتقال والعقاب، فضلًا عمَّا يضطر إليه كثير من المهاجرين غير الشرعيين من ارتكاب ما يُسِيء إليهم وإلى بلادهم، بل وإلى دينهم أحيانًا، ويعطي صورة سلبية عنهم؛ كالتسول وافتراش الطرقات، كما أن فيها خرقًا للمعاهدات والعقود الدولية التي تنظم الدخول والخروج من بلد إلى آخر، بل إن في بعض صورها تزويرًا وغشًّا وتدليسًا على سلطات الدولتين: المُهَاجَر منها والمُهَاجَر إليها، ولا يخفى على أحد أن هذا من الكذب، وأن فيه تعاونًا على المعصية غالبًا؛ حيث قد يلجأ المهاجر إلى من يُزَوِّر له أوراقَه، أو إلى من يعينه على الوصول بطريق غير مشروع. جدير بالذكر أن سماسرة الهجرة غير الشرعية داخلون في التعاون على هذه المعصية وآثمون شرعًا ومجرَّمون قانونًا.
الهجرة في علم السكان هي الانتقال الفردي أو الجماعي من موقع إلى آخر؛ بحثًا عن وضع اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي أو ديني أفضل.
وتكون الهجرة غير شرعية: إذا حدثت بشكل لا يسمح به البلد المهاجَر منه أو إليه أو هما معًا بها حسب القوانين الموضوعة للدخول والخروج، فهي صادقة على دخول شخصٍ ما حدود دولة ما دون وثائق قانونية تفيد موافقة هذه الدولة على ذلك، ويتم ذلك عن طريق التسلل خفية عبر الطرق البرية أو البحرية أو باستخدام وثائق مزورة، وكذلك تَصدُق على الدخول بوثائق مؤقتة بمدة، ثم المكث بعد هذه المدة دون موافقة قانونية مماثلة.
ومنه يُعلَم أن الشرعية هنا ليست نسبة للشرع الشريف، إنما هي على معنى موافقة القوانين واللوائح المنَظِّمة لهذا الشأن.
ويطلق عليها أسماء أُخر؛ منها: الهجرة السرية، والهجرة غير القانونية، والهجرة غير النظامية، فكلها أسماء مختلفة لمسمًّى واحد. ويقابلها: الهجرة القانونية، أو الهجرة الشرعية، أو الهجرة النظامية، وهي الهجرة بما يطابق قوانين الهجرة في البلدين المهاجَر منه والمهاجَر إليه عن طريق قنوات العبور، بواسطة أوراق قانونية.
أما الهجرة الشرعية بمعنى النسبة إلى الشرع الشريف؛ فلها معانٍ؛ منها: ترك المكان الذي يحارب الإنسان فيه في دينه وتشتد عليه فيه الفتن؛ بحيث يضطهد ولا يستطيع أن يقيم شعائر دينه وفرائضه، والانتقال إلى مكان آخر يستطيع أن يعبد الله دون خوف؛ وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 97].
ومنها: ترك المعصية، ومن ذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «المُهَاجِرُ مَن هَجَرَ مَا نَهَى الله عَنهُ»؛ فأصل الهجرة: هجران الشر ومباعدته لطلب الخير ومحبته والرغبة فيه. انظر: "فتح الباري" للحافظ ابن رجب (1/ 39، ط. مكتبة الغرباء الأثرية بالمدينة المنورة).
وتعد الهجرة غير الشرعية -بالمعنى سالف الذكر- ظاهرة عالمية ومشكلة رئيسة تعاني منها كثير من الدول؛ لما يترتب عليها من أضرار ترتبط بالخصوصيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمكانية لهذه الدول.
والهجرة غير الشرعية على الوجه الذي يحدث في بلادنا هذه الأيام تتضمن وتستلزم جملة من المخالفات والمفاسد، منها ما يلي:
أولًا: ما في ذلك من مخالفة ولي الأمر، وهذه المخالفة غير جائزة؛ ما دام أن ولي الأمر أو الحاكم لم يأمر بمُحَرَّم؛ فقد أوجب الله تعالى طاعة أولي الأمر؛ فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59].
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير" (5/ 97-98، ط. الدار التونسية للنشر): [أولو الأمر مِن الأمَّة ومِن القوم: هم الذين يُسنِد الناسُ إليهم تدبير شئونهم ويعتمدون في ذلك عليهم، فيصير الأمر كأنَّه مِن خصائصهم ... فأولو الأمر هنا هم مَن عدا الرسول مِن الخليفة إلى والي الحسبة، ومِن قواد الجيوش، ومِن فقهاء الصحابة والمجتهدين، إلى أهل العلم في الأزمنة المتأخِّرة، وأولو الأمر هم الذين يُطلَق عليهم أيضًا: أهل الحلِّ والعقد] اهـ.
وأخرج الستة عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «السَّمعُ والطَّاعةُ على الـمَرءِ الـمُسلِمِ فيما أَحَبَّ وكَرِهَ، ما لم يُؤمَر بمَعصِيةٍ، فإذا أُمِرَ بمَعصِيةٍ فلا سَمعَ ولا طاعةَ»، والأدلة على هذا كثيرة.
وقد جاء في كتب السادة الشافعية أن وليَّ الأمر إذا أمر بمستحبٍّ أو مكروه أو مباح وَجَب فعله؛ قال الإمام ابن حجر الهيتمي في "فتاواه الفقهية" (1/ 278، ط. المكتبة الإسلامية): [قولهم: تجب طاعة الإمام فيما يأمر به وينهى عنه ما لم يخالف حكم الشرع. والظاهر أن مرادهم بمخالفة حكم الشرع: أن يأمر بمعصية أو ينهى عن واجب، فشمل ذلك المكروه، فإذا أمر به وجب فعله؛ إذ لا مخالفة حينئذٍ] اهـ.
وسبب ذلك كله أن طاعة أولي الأمر سببٌ لاجتماع الكلمة وانتظام المعاش؛ فلا بُدّ للناس مِن مَرجِعٍ يأتمرون بأمره؛ رفعًا للنزاع والشقاق، وإلا عَمَّت الفوضى واختل النظام العام، ودخل على الناس فساد عظيم في دينهم ودنياهم.
فللحاكم أن يَسُنَّ مِن التشريعات ما يراه محققًا لمصالح العباد؛ فإنَّ تَصَرُّف الإمام على الرعية مَنُوطٌ بالمصلحة، والواجب له على الرعية الطاعةُ والنُّصرة. ومَن أراد أن يهاجر من بلد إلى آخر فعليه الالتزام بالقوانين المتفق عليها بين الدول في هذا الشأن والتي أمر الحاكم بالالتزام بها ونهى عن مخالفتها، ومن ثم تجب طاعته على الفور ولا تجوز الهجرة خارج هذا الإطار الـمُنظِّم لها.