ما حكم خروج المرأة إلى المسجد متعطرة؟.. الإفتاء تجيب
حكم خروج المرأة إلى المسجد متعطرة هو ما يسأل عنه الكثيرات حتى لا يقعن في المحظور وارتكاب المعاصي التي نهى الله عنها ما يجعل من معرفة حكم خروج المرأة إلى المسجد متعطرة أمرا مهما.
وورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية حول حكم خروج المرأة إلى المسجد متعطرة وهو ما أجاب عنه د. شوقي علام مفتي الديار المصرية باستفاضة شديدة حتى تعرف المسلمات حكم خروج المرأة إلى المسجد متعطرة.
حكم خروج المرأة إلى المسجد متعطرة
قال السائل: هل يجوز للمرأة أن تخرج إلى المسجد مُتَعَطِّرة؟ حيث جاء في بعض الأحاديث أن المرأة إذا خرجت للمسجد متعطرة فإن الله لا يقبل منها الصلاة حتى تغتسل، فما معنى ذلك؟ وهل يجب عليها الغسل؟ وهل يقتضي ذلك بطلان صلاتها ووجوب الإعادة عليها؟
وأجابت دار الإفتاء على لسان مفتي الديار المصرية د. شوقي علام بقولها:
يجوز للمرأة وضع العطر عند ذهابها للمسجد بشرط أمن الفتنة؛ حيث جاء القرآن الكريم بأخذ الزينة عند كل مسجد سواء للرجال أو النساء، وجاءت السنة النبوية التقريرية بخروج النساء إلى الصلاة بقلائد عطرهن.
وأما أحاديثُ النهي عن خروج المرأة إلى المسجد متعطرة فالمراد بها: النهيُ عن تعطرها بالعطر النفّاذ الزائد عن الحد الذي تقصد به الشهرة، أو لفت النظر إليها؛ فإن ذلك حرام، سواء فعلت ذلك بالعطر أو بغيره من وسائل الزينة التي تلفت الأنظار، والاختلاف بين الفقهاء بين التحريم والكراهة والإباحة ليس حقيقيًّا؛ فالتحريمُ عند قصد الإغواء مع تحقق الفتنة أو ظنها، والكراهة عند خشيتها، والإباحة عند أمنها، والاستحباب عند الحاجة إلى الطيب لقطع الرائحة الكريهة ونحو ذلك.
وأما الأحاديث الواردة في عدم قبول صلاتها فإنما هي في حالة التحريم، وهي محمولةٌ على نفي الكمال لا على نفي الصحة؛ أي: أنَّ صلاتها صحيحة، لكنها غير كاملة الأجر، وكذلك الحال في أمرها بالاغتسال: إنما هو لإزالة أثر العطر النَّفَّاذ، وليس المقصودُ بذلك الجنابة الحقيقية أو رفع الحدث عن المرأة.
الأمر الإلهي بأخذ الزينة
جاء الأمر الإلهي بأخذ الزينة عند الصلاة في المسجد؛ قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31]، وهو أمْرٌ عامٌّ لكل البشر يشمل الرجال والنساء.
ومن ذلك: التطيّبُ؛ فقد أكدت الشريعة على استحبابه في العبادات الجماعية، ومواطن الزحام وتجمع الناس؛ حتى لا يجدوا من بعضهم إلا الرائحة الطيبة؛ رجالًا كانوا أو نساءً، فإذا قصدوا مع ذلك امتثال الهدي النبوي قولًا وفعلًا فقد جمعوا بين محاسن الطِّبَاع وحسنات الاتباع. قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (7/ 195، ط. دار الوفاء): [واستعمال الأرايج الطيبة من جميع وجوهها وأنواع الطيب، وذلك مندوب إليه فى الشريعة لمن قصد به مقاصده، من امتثال أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ليوم الجمعة، والأعياد، ومجامع الناس؛ ليدفع عن نفسه ما يُكْرَهُ من الروائح، وليدخل على المؤمنين راحة ويدفع عنهم مضرة، وما يوافق الملائكة من ذلك فى المساجد، ومظانّ حلق الذكر وغيرها.. ولتطيب رائحته عند أهله وإخوانه المؤمنين، وتظهر مروءته ونظافته، وقد بُنِي الإسلام على النظافة] اهـ.
وليسَ ذلك مقصورًا على الرجال دون النساء؛ بل هو في حقِّ النساء أولى وآكد؛ لِما جُبِلنَ عليه من حب الطيب والعطر؛ فقد أخبر الله تعالى أنه خلق المرأة مُحِبَّةً للزينة، مُنَشَّأَةً في الحلية؛ فقال سبحانه: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ في الحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: 18]؛ ولم يكن الله تعالى لينشئهن في الحلية ثم يُحَرِّمُها عليهن بالكلية.
ولذلك كان نساءُ الصحابة رضي الله عنهنَّ يلبسن "السِّخاب" عند خروجهن للعيد، وهي قلادة فيها طِيبٌ، ولم يرد أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهاهُنَّ عن ذلك؛ فهذه سُنّة نبوية تقريرية، وهذا يقتضي جواز خروجهن للمسجد متطيبات عند أمن الفتنة.
فبوَّب الإمام البخاري في "صحيحه" بابًا سماه: (بابَ القَلائدِ والسِّخابِ لِلنِّساءِ؛ يَعْني: قِلادَةً مِنْ طِيبٍ وسُكٍّ)، ثم روى فيه حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم عيد، فصلى ركعتين، لم يصلّ قبل ولا بعد، ثم أتى النساء، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تصدق بخرصها وسخابها".
وروى عبد الزراق في "المصنف" عن التابعي الجليل محمد بن سيرين: "أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهَا قِلَادَةٌ".
و"السِّخَاب": قلادة تتخذ من قرنفل وسُكٍّ ومحلبٍ؛ كما يقول الإمام الخليل بن أحمد في "العين" (4/ 203، ط. مكتبة الهلال)، وابن سيده في "المحكم" (5/ 87، ط. دار الكتب العلمية)، وهو من "طيب الأعراب"؛ كما في "المحب والمحبوب" للسري الرفّاء (3/ 179، ط. مجمع اللغة).
والسُّكُّ: "طِيبٌ يُتَّخَذُ مِن مسكٍ ورامك"، والرامِك: "شيءٌ أسودُ كالقار يُخلَط بالمسك؛ فيُجعَل سُكًّا"؛ كما قال الإمام الخليل في "العين" (5/ 272-370)، وهو نوعٌ عزيزٌ من الطيب؛ كما قال العلامة العظيم آبادي [ت: 1329هـ] في "عون المعبود" (11/ 147، ط. دار الكتب العلمية).
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (7/ 433): [السِّخَاب: خيط فيه خرز، ينظم في أعناق الصبيان والجواري، وقيل: هو من العود.. وقيل: الصخاب: ما اتُّخِذَ من القلائد من القرنفل والسُّكِّ (في المطبوعة "المسك"، وهو تصحيف) دون الجواهر. فيه استحباب النظافة والتجمل في جميع الأمور، لا سيما للقاء من يكبر ويعظم، وتنظيف الصبيان وتربيتهم، وجواز لبسهم القلائد والسخب والعود] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "شرح مسلم" (15/ 193، ط. دار إحياء التراث العربي): [والسِّخاب بكسر السين المهملة وبالخاء المعجمة، جمعه سخب؛ وهو قلادة من القرنفل والسُّكِّ.. والعود ونحوها من أخلاط الطيب، يعمل على هيئة السبحة ويجعل قلادة للصبيان والجواري] اهـ.
والسُّكُّ هذا هو الطيب الذي كانت تضعه نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابيات رضي الله عنهن عند الإحرام فلا ينهاهن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو شاهد لتطيبهن عند أمن الفتنة.
حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "كنا نَخْرُجُ مع النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة فنُضمِّدُ جباهنَا بالسُّكِّ الـمُطَيَّبِ عندَ الإحرام، فإذا عَرِقَت إحدانا سالَ على وجهها، فيراه النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم فلا ينهاها" أخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى في "مسانيدهم"، وأبو داود في "السنن".
قال العلامة القاري في "مرقاة المفاتيح" (5/ 1757، ط. دار الفكر): [هذا الحديث يصحّ الاستدلال به على جواز تطيب النساء] اهـ.
فقد جاءت السنة التقريرية بأصل إباحة خروج النساء للشعائر والعبادات وهن متطيبات، حتى نص بعض الفقهاء على مشروعية تطيب المرأة في اعتكافها بالمسجد، إلا أنَّ الشرع إنما استثنى من خروج المرأة للمسجد متعطرة ما تحصل به المفسدة؛ كأن يغلب على الظن به حصولُ الفتنة منها أو الخوف عليها؛ كمزاحمتها الرجال، أو وضعها الطيبَ بقصد فتنة الرجال، أو يكون في الموضع فُسّاقٌ يخشَى عليها من أذاهم، ونحو ذلك.
ومن خلال ذلك تُفهَم أحاديثُ النهي عن خروج المرأة إلى المسجد متعطرة؛ فإن المراد به: العطر النفّاذ الزائد عن الحد الذي تقصد به الشهرة أو إثارة الشهوة أو لفت النظر إليها؛ كما جاء في تبويب الإمام ابن خزيمة على حديث المرأة من بني إسرائيل التي كانت تضعُ العطر لتُعرَف به فيسأل عنها الناس إذا وجدوا ريحها؛ حيث بوَّب عليه بقوله: "ذكر بعض إحداث نساء بني إسرائيل الذي من أجله مُنِعْنَ المساجدَ" أو كان عطرها من المبالغة والنفاذ بحيث يشوش على المصلين خشوعهم.
ثم إنه ليس المقصودُ أيضًا خصوصَ العطر، بل هي منهية عن التزين بكل ما يشهرها ويجذب الأنظار إليها، وبذلك بوب الحافظ أبو بكر البيهقي على هذا الحديث وغيره من أحاديث تعطر المرأة عند الخروج من بيتها؛ فقال: (باب ما يكره للنساء من الطيب عند الخروج وما يشتهرن به).
وقال إمام الحرمين الجويني في "نهاية المطلب" (2/ 566-567، ط. دار المنهاج): [والعُجُزُ إن حَضَرْن فلا ينبغي أن يلبسن شهرةً من الثياب، ولا ينبغي أن يَمْسَسْنَ طيبًا يشهرهنَّ] اهـ.
ومفهومه: جواز مسّ الطيب لهن إذا كُنَّ لا يتميزن به ولا يُشْهِرُهُنَّ.