وزير الأوقاف في خطبة الجمعة: القرآن الكريم مليء بمواطن العبرة والعظة والاعتبار
أكد الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، أن القرآن الكريم مليء بمواطن العبرة والعظة والاعتبار، مُشيرًا إلى أن من هذه المواطن الاعتبار بآيات الله في الكون، وقد لفت الحق سبحانه وتعالى نظرنا إلى ذلك في مواطن عديدة، منها قوله تعالى: "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا"، ومعنى (خلفة) أي: يخلف كل منهما الآخر، فيأتي الليل بعد النهار، والنهار بعد الليل، في نظام إلهي وكوني محكم من رب العالمين.
جاء ذلك في خطبة الجمعة التي ألقاها وزير الأوقاف اليوم بمسجد "العفيفي" بقرية ميت عفيف بمحافظة المنوفية، بحضور إبراهيم أحمد ليمون محافظ المنوفية، والدكتور مصطفى هدهود محافظ البحيرة السابق، ومحمد موسى نائب محافظ المنوفية، وحازم عبدالحميد مدير أمن المنوفية، وعماد يوسف سكرتير عام المحافظة، وحسام حمودة سكرتير عام مساعد محافظة المنوفية، والشيخ صبري ياسين رئيس الإدارة المركزية لشئون المتابعة، والدكتور أشرف فهمي مدير عام الإدارة العامة للتدريب بوزارة الأوقاف، والشيخ زكريا الخطيب مدير مديرية أوقاف المنوفية.
وشدد وزير الأوقاف على أنه لم ولن يحدث أن تخلف الليل أو النهار عن موعده ثانية واحدة على الإطلاق منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، حيث يقول سبحانه: "لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"، لأنها لو أدركته لربما اصطدمت به، يدرك ذلك المتخصصون في علوم الفضاء، كل الأجرام في أفلاكها تسبح في الفضاء الكوني، وأيضًا تُسبح: "وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ"، ويقول سبحانه: "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ"، وإلى عصرنا هذا، من وقف أمام الجبال وظن أنها تتحرك؟ فعندما تقف أمام الجبال تظن أن الجبال ثابتة في مكانها لا تتحرك، وهذا صنع الله سبحانه.
وأشار إلى أنه العلم الحديث يأتي بعد أربعة عشر قرنًا من بعثة نبينا (صلى الله عليه وسلم) ليؤكد على حركية الأرض، وأن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس، فمن الذي علم نبينا محمدًا (صلى الله عليه وسلم) أن الجبال تمر مر السحاب، ومن الذي علمه أن المطر إذا نزل من السماء اهتزت حبيبات وجزيئات التربة ونمت الزروع والثمار حيث يقول سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "، ويقول سبحانه عدة مرات في خواتيم سورة النمل: "أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ"، "أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"، "أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ"، "أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ".
كما نوه وزير الأوقاف إلى أن من المواطن أيضًا قوله تعالى: "وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ"، ويقول سبحانه: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا"، فمن الذي علم نبينا (صلى الله عليه وسلم) هذه المراحل الدقيقة لخلق الجنين، التي لم يصل إليها العلم الحديث إلا بأحدث الوسائل، فمن الذي علمه (صلى الله عليه وسلم) أن الخلايا العظمية تخلق أولًا ثم تكسى باللحم ثم تأتي مرحلة نفخ الروح: "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ"، ويقول سبحانه: "لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ"، من الذي سوى البنان؟ ولماذا خص القرآن الكريم البنان بالذكر؟ ذلك أن بصمة الإصبع لا تتطابق بين إنسانين على الإطلاق منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها إلى أن تقوم الساعة، ويقول سبحانه: "وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ"، أليس القادر على الخلق قادر على الإعادة؟ ويقول سبحانه: "فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ"، فالذي خلق قادر على إعادة الخلق والإحياء والحساب، فلنعمل من أجل هذا اليوم.
كما أفاد جمعة، بأن الحديث عن آيات الاعتبار في القرآن والإشارات إلى هذا العلم وهذا الإعجاز الرباني لا يمكن أن تحيط به خطبة أو أن يوافيه وصف، ولهذا حثنا القرآن على التفكر في الخلق وفي النفس، حيث يقول سبحانه: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"، ولفت الأنظار إلى ضرورة الاعتبار بأحوال من مضى لنتعلم ونأخذ العبرة والعظة، فعندما تحدث القرآن الكريم عن أصحاب الجنة، أصحاب المال الذين حاولوا منع حق الله ومنع حق المساكين والأيتام، يقول سبحانه فيهم: "إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ"، فسماها رب العزة جنة لأنها كانت حدائق عظيمة: "إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ"، لم يستثنوا يتيمًا ولا مسكينًا لقوله تعالى: "أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ"، أي على المنع وقال: "وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ" لأنهم لم يصبحوا قادرين إلا على المنع، ليس لهم ما يعطونه، لأن من أَعطى يُعطى، ومَن مَنَع يُمُنِع: "فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ" هم يخططون لمنع حق الأيتام والمساكين "وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ"، ثم يقول تعالى: "فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ" أي كالرماد المحترق، فلما ذهبوا ورأوها: "قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ" أي لقد أخطأنا الطريق ليست هذه بالجنة التي رأيناها بالأمس، ما هذه؟ هي هي لكننا ضللنا الطريق إلى الله "بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ".
ولفت وزير الأوقاف إلى أن العبرة والعظة في قوله تعالى: "كَذَلِكَ الْعَذَابُ" من فعل مثل فعلتهم عاقبناه بمثل عقوبتهم من المنع والحرمان في الدنيا "وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ"، ثم يضعنا القرآن الكريم في موازنة بين حالتين: "أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ"، أم عندكم كتاب غير القرآن تأخذون منه ما تشاءون: "إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ"، من هذا الذي اتخذ عهدًا على الله أن يفعل ما يشاء بعيدًا عن قوانين السماء، سلهم يا محمد من هذا الذي يخرج على قوانين الله "سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ" من كفيل لهم بذلك "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ"، والسجود يعني الخضوع وهو مطلق الخضوع لله( عز وجل)، "ثم يقول الله لنبيه محمدًا (صلى الله عليه وسلم) "فَذَرْنِي" أي اتركهم يا محمد هؤلاء المانعين لحق الله اتركهم لي "فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ"، ذرني ومن يكذب بالقرآن ويجحد العمل به "فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ"، فمن منع حق الله من منع حق الأيتام وحق الفقراء وحق المساكين ومنع الزكاة وضنَّ بما آتاه الله، دخل في حرب مع الله ومن مَنَعَ مُنِعَ ومن أَعطَى أُعْطِيَ، يقول سبحانه: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ".