رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

حكم غسل الأموال وعقوبته في الإسلام وفق دار الإفتاء

نشر
غسيل الأموال
غسيل الأموال

حكم غسيل الأموال وفق الشريعة الإسلامية هو ما يسأل عنه الكثيرون في ظل ما يقترفه البعض من جرائم في هذا الشأن ما يجعل التعرف على حكم غسل الأموال وعقوبته في الإسلام أمرا مهما.

ونستعرض في سياق التقرير التالي حكم غسيل الأموال وعقوبته في الإسلام من خلال دار الإفتاء التي تصدت لفتوى حكم غسيل الأموال وعقوبته في الإسلام باستفاضة على موقعها الرسمي. 

حكم غسل الأموال وعقوبته في الإسلام

أجابت دار الإفتاء على سؤال يقول: ما حكم غسيل الأموال؟ وما هي عقوبته في الإسلام؟ وهل تداول الأموال في أوجه معتبرة شرعًا يرفع عن صاحبها إثم اكتسابها من محرم؟

قالت دار الإفتاء في فتواها: غسيل الأموال بكل صوره محرمٌ شرعًا ومجرمٌ قانونًا؛ فإنه قد بدأ بمحظورٍ شرعيٍّ هو التكسب من الجرائم والمحرمات، وانتهى إلى محظورٍ شرعيٍّ هو تصرفُ مَن لا يملك فيما لا يملك، وما لزم عن ذلك من حرمة المعاملة التي بنيت على محرم؛ لأن ما بني على حرام فهو حرام، وآل إلى محظور شرعي هو الإضرار بالأوطان؛ لما في استباحة غسل الأموال من تهديد الاقتصاد الوطني، فضلًا عن أن ذلك قد يستخدم في تمويل الحركات الإرهابية؛ مما يعود بالضرر الكبير على أمن الوطن وسلامته، كما أنه تحايلٌ وتدليسٌ وكذبٌ حرَّمه الشرع. 

معنى غسل الأموال 

غسل الأموال مصطلحٌ اقتصادي، يُقصَدُ به: كل عمل تتم فيه إعادة تدوير الأموال الناتجة عن الأعمال غير المشروعة في مجالات استثمارية شرعية لإخفاء حقيقتها ومصدرها الحقيقي؛ وذلك لمنحها الصفة القانونية؛ تهربًا من المساءلة عن مصدر المال.

غسل الأموال جريمة اقتصادية 

وغسل الأموال جريمة اقتصادية حديثة تدخل ضمن الجرائم المنظمة؛ كجرائم الإرهاب، وتهريب الأسلحة والمخدرات، والآثار، والقمار، والسرقة، والخطف، والفساد السياسي، وغيرها.

وقد عرفته "اتفاقية الأمم المتحدة في فيينا"، واتفاقية باليرمو" بأنه: "الإخفاء أو التمويه للطبيعة الحقيقية للأموال، ومنشئها، وموقعها، ووجه التصرف بها، وحركتها، والحقوق فيها أو ملكيتها، مع العلم بأنها ناجمة عن جريمة أو عن مشاركة في ارتكاب جريمة"؛ كما في "الدليل الاسترشادي بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب" (ص: 2، ط. مركز معلومات قراء الشرق الأوسط).

وعرَّفه الُمشرِّع المصري بأنه: "كل سلوك ينطوي على اكتساب أموالٍ، أو حيازتها، أو التصرف فيها، أو إدارتها، أو حفظها، أو استبدالها، أو إيداعها، أو ضمانها، أو استثمارها، أو نقلها، أو تحويلها، أو التلاعب في قيمتها، إذا كانت متحصلة من جريمة من جرائم زراعة وتصنيع النباتات والجواهر والمواد المخدرة، وجلبها وتصديرها والاتجار فيها، وجرائم اختطاف وسائل النقل واحتجاز الأشخاص، وجرائم استيراد الأسلحة والذخائر والمفرقعات والاتجار فيها وصنعها بغير ترخيص، والجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات، وجرائم سرقة الأموال أو اغتصابـها، وجرائم الفجور والدعارة، والجرائم الواقعة على الآثار، والجرائم البيئية المتعلقة بالمواد والنفايات الخطيرة، والجرائم المنظمة التي يُشار إليها في الاتفاقات الدولية التي تكون مصر طرفًا فيها -سواء وقعت جريمة غسل الأموال في الداخل أو الخارج بشرط أن يكون معاقبًا عليها في كلا القانونين المصري والأجنبي- متى كان القصد من هذا السلوك إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره أو مكانه أو صاحبه أو صاحب الحق فيه، أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون اكتشاف ذلك، أو عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل منها المال؛ كما هو منصوص عليه في القانون رقم80/ 2002م ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 951 لسنة 2003م، بشأن مكافحة غسل الأموال في مصر طبقًا لما نصت عليها المادة الأولى فقرة (ب).

وجريمة غسل الأموال من أكبر الجرائم تأثيرًا على المجتمع: اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا؛ حيث تسبب ضررًا على الدخل القومي، وتدهورًا للاقتصاد الوطني، وتشويهًا للعمليات التجارية، وارتفاعًا لُمعدّل السيولة المحليّة بما لا يتوافق مع كميّات الإنتاج، وإضعافًا لروح المنافسة بين التجار، إلى غير ذلك من الآثار السيئة والعواقب الوخيمة.

مراحل غسل الأموال 

وهذه الجريمة تمر بأكثر من مرحلة للتهرب من المساءلة القانونية وتضليل الجهات الأمنية والأجهزة الرقابية:

فهناك مرحلة الإيداع؛ وهي الطريقة التي يتمّ بها التخلّص من الأموال غير الشرعية من خلال توظيفها بأساليب شرعية مختلفة، مثل: إيداعها في البنك، أو أحد المؤسسات المالية، أو تحويلها إلى عملة أجنبية.

وهناك مرحلة التمويه وإخفاء الجريمة؛ وهي القيام بعدة عمليّات مصرفيّة من أجل التصرّف في الأموال وإخفاء مصدرها؛ كتحويلها إلكترونيًّا، أو تحويلها من بنكٍ إلى آخر.

وهناك مرحلة دمج الأموال وإدخالها في العمليات الاقتصاديّة والمصرفيّة؛ وتعدُّ آخر مرحلة في عمليّة غسيل الأموال، بحيث يتمّ إضافة الطابع الشرعي والقانوني عليها؛ كتأسيس الشركات الوهميّة، أو القروض المزيفة، ونحو ذلك.

وقالت دار الإفتاء: غسل الأموال يشتمل على محظورين شرعيين:

الأول: تعمد اكتساب المال بطريقة محرمة شرعًا، مُجَرَّمة قانونًا، وذلك مما شدد الشرع الشريف على حرمته، قال تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة: 188]، وعن أبي بكرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ» متفق عليه.

الثاني: تعمد إدخال المال المكتسب من الحرام في مشاريع استثمارية، أو أعمال لها صفة قانونية، بهدف التهرب من المساءلة القانونية عن مصدر اكتسابه، وهذا حرام أيضًا؛ لأنه لم يصبح ملكًا حقيقًّا لمن يحوزه، حتى يحق له التصرف فيه بالبيع، أو بالشراء أو الاستثمار، أو بأي صورة من صور المعاملات المالية الجائزة، وقد نص الفقهاء على أنه لا يجوز للمسلم التصرف فيما لا يملكه، وأن ما لا يصح ملكه لا يصح بيعه أو التصرف فيه، بل يجب رده إلى صاحبه.

قال العلامة المرغيناني الحنفي في "الهداية" (4/ 301، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال: ومن غصب أرضًا فغرس فيها، أو بنى، قيل له: اقلع البناء والغرس وردها؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «وَلَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ»] اهـ.

عاجل