المفتي: المقصد الأسمى من الزواج الطمأنينة والمودة والرحمة
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، إنَّ المقصد الأسمى من الزواج هو توفير السكن، بمعنى الطمأنينة والمودَّة والرحمة وتحقيق الوئام وحصول التوافق في العلاقة الزوجية بين الزوجين، وأرسى الشرع الشريف للأسرة الأسس المتينة والآداب الحكيمة الضابطة لهذه العلاقة ذات الميثاق الغليظ، حتى تكون بمراعاتها موضع سكينة واطمئنان، ومحل هدوء وسعادة للزوجين.
جاء ذلك، خلال لقائه الأسبوعي في برنامج “نظرة”، مع الإعلامي حمدي رزق، على فضائية “صدى البلد”، مؤكدًا أنَّ الزواج من سنن الحياة وعاداتها الرشيدة المتوارثة، وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يحثُّ على الزواج، ويعين عليه، ولما كان الزواج من الأهمية بمكان بحيث لا يهمل ولا يفرط فيه، كانت الوسائل المؤدية إليه لها نفس المكانة، ولما كانت الفطرة داعية إليه والغريزة مؤدية إليه كان الأمر به على سبيل الندب ليكون من العبادات التي يُثاب عليها الإنسان، بل لقد بوَّبه كثير من الفقهاء في قسم العبادات؛ وبذلك تتجلَّى فوائد الزواج ومبرراته، فليس مقصودة في حقيقة الأمر المتعة وحسب، بل المقصود منه إلى جانب ذلك المحافظة على الإنسان وتحقيق التناسل وبقاء النوع الإنساني، وتحصين النفس وصيانتها عن الفاحشة، كذلك عصمة الشباب، ويكون به التأنس والسكن الروحي والنفسي وفرح النفس وسط شدائد الحياة ومتاعبها، وهو ما قرره القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].
ولفت مفتي الجمهورية النظر إلى أن عقد الزواج أوجد نوعًا معينًا من القرابة والامتزاج الأسري ترتَّب عليه أحكام ليست في نطاق علاقة الزوجين أحدهما بالآخر فقط، بل تعدَّت إلى علاقة كل طرف بأسرة الطرف الآخر فأوجدت أحكامًا تتعلَّق بالمحرمية فوضعت ضوابط من شأنها تقييد زواج الرجل ببعض أقارب الزوجة، وكذلك الأمر بالنسبة للزوجة أيضًا بعد الانفصال عن الزوج أو وفاته.
وشدَّد على أن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي وسوء استخدامها أصبح أحد العوامل المسببة لزيادة حالات الطلاق طبقًا لما أثبتته عدة دراسات اجتماعية وإحصائية؛ حيث انكفأ كلُّ واحد من الزوجين أغلب أوقاته على جهازه وعالمه الافتراضي الخاص، واتخذه متنفسًا له في تعدد العلاقات والصداقات التي تضر كيان الأسرة، وكذلك نشر مختلف أحوال حياته وشئونه الخاصة.
وأضاف مفتي الجمهورية، أنَّ أسباب وقوع الطلاق لا يشترط توافرها جميعًا في كل الحالات، بل لكل حالة ظروفها التي تختلف بها عن غيرها.. ومن أسباب حدوث المشاكل الأسرية كذلك الجهل بالحقوق الزوجية، وكذلك التدخل الخاطئ للأهل والأقارب في الحياة الزوجية لأبنائهم.. مؤكدًا أن هذا السبب من أشهر أسباب الطلاق في السنوات الأولى من الزواج كما هو وارد في الإحصاءات المعتمدة؛ فعلى الأهل والأقارب التدخل بشكل إيجابي فقط إذا تطلب الأمر ذلك وظهر عجز أحد الطرفين عن التصرف بحكمة.
وشدد، في حواره، أن الخلافات الزوجية ينبغي أن تعالَج في الغرف المغلقة، وهناك فن لإدارة هذه الخلافات يجب اتّباعه، وفي حالة عدم الوصول إلى حلول يجب أن نلجأ إلى أشخاص لديهم الخبرة والصلاحية لحل هذه المشكلات.
وأوضح المفتي أن وحدة الإرشاد الأسري بدار الإفتاء المصرية حققت أهدافها المنوطة بها، وما زالت بفضل الله؛ لأنها تعتمد على مجموعة من الخبرات والكفاءات المختلفة التي تشمل الجانب الشرعي، والنفسي، والاجتماعي، والمهاري، لتستوعب بذلك التنوع كافة جوانب العلاقة الأسرية وما يحيط بها من مشكلات تحتاج إلى تحليل علمي دقيق لفهم الأسباب والدوافع والوصول إلى العلاج المناسب، بل هناك توجُّه في التوسع فيها بشكل إلكتروني عن طريق منصات زووم وغيرها، وبنفس الخدمات المقدَّمة وجهًا لوجه.
وتوجَّه، في ختام حواره بنصيحة للزوجين، بأن يتحمل كل منهما هفوات الآخر، وأن يصبر عليه ويتجاوز عن الزلات وتوافه وعظائم الأمور ويلتمس الأعذار، بل يعمل على إيجاد الوسائل التي تخلِّص الطرف الآخر من المتاعب لتحقيق السكن والمودة، وهذا من مقتضيات الميثاق الغليظ.