حاملو السندات الأميركية يترقبون الركود ويتطلعون لنصف عام أقل قسوة
بدأ حاملو سندات الخزانة الذين يترنحون بسبب نصف العام الأول الأكثر قسوة على الإطلاق، في الرهان على أن الاقتصاد المتدهور سيوفر بعض الراحة من عمليات البيع المستمرة، حتى في الوقت الذي يستعدون فيه لخطر المزيد من الضعف -حسبما نشرت الشرق بلومبرج-.
مع شبح الركود الذي يلوح في الأفق يوماً بعد يوم، فإن التوقعات الخاصة بالمستوى الذي يمكن أن تتجه إليه أسعار الفائدة الأميركية في نهاية المطاف يتم التراجع عنها، في الوقت الذي يعود بعض مشتري السندات إلى استثماراتهم في هذه العوائد الجديدة والأعلى.
إلا أن التضخم لا يزال بعيداً عن الهزيمة، كما أن هناك مخاوف من أن اضطراب النصف الأول -والذي شهد محو ما يقرب من 14% من محافظ السندات العالمية على الرغم من تراجع الأسهم أيضاً- يمكن أن يمتد حتى في حالة ركود النمو.
في هذا الصدد، قال محللو "جيه بي مورجان تشيس أند كو" (JPMorgan Chase & Co) لإستراتيجيات الأسعار بقيادة أليكس روفير في مذكرة إن الأشهر الستة الأخيرة من عام 2022 "لا ينبغي أن تكون سيئة مثل النصف الأول من العام، إلا أنها لن تكون جيدة أيضا". ومن وجهة نظرهم، فإن المعركة الجارية بين مخاطر التضخم والركود ستؤدي إلى ارتفاع العوائد عن مستوياتها الحالية، بينما يتم تسطيح منحنى الخزانة.
بالطبع يصعب على الكثيرين تصور وضع أسوأ من الأشهر الستة الماضية بالنسبة للسندات لمجرد أنه كان سيئاً للغاية بالفعل. وبحسب أحد التقديرات، فقد كان أداء الديون الأميركية أسوأ من أي وقت مضى، وكان حتى أسوأ من فترة ما قبل إنشاء وزارة الخزانة الأميركية في أواخر القرن الثامن عشر. واستناداً إلى مؤشرات الخزانة التي يتم متابعتها على نطاق واسع، فقد تحمّل المستثمرون في هذه الأثناء النصف الأول الذي كان الأكثر إيلاماً منذ أوائل السبعينيات على الأقل.
لا يُعدّ حاملو الديون الأميركية هم فقط من يتلقون الضربات، بل انتشرت الدوامة التضخمية التي سببتها جائحة كوفيد، وتفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا، على مستوى العالم.
وفي حين سجّل مؤشر سندات الخزانة خسارة تقترب من 10% من يناير حتى يونيو، انتشر الضغط الصعودي على أسعار الفائدة في كل مكان، بدءاً من ألمانيا وإيطاليا ووصولاً إلى البرازيل ونيوزيلندا. وحتى اليابان -التي ظلت لفترة طويلة معقل السياسة النقدية فائقة التيسير- تواجه ضغوطاً لإفساح المجال لعائدات أعلى.
من المحتمل أن يؤدي الركود، مقابل معضلة التضخم إلى شلل المستثمرين في سوق الخزانة، إذ إنهم يكافحون لمعرفة الإستراتيجيات التي يجب تبنيها، خاصة في وقت يساعد فيه ضعف السيولة في السوق على الدفع باتجاه تحركات ضخمة وزيادة التقلبات بالسوق.
يُشار إلى أن التدافع السابق نحو مراكز البيع في سوق السندات -تلك التي تستفيد من عوائد أعلى- قد توقّف وعكَس اتجاهه. ومع ذلك، فإن القليل من المستثمرين يراهن على عوائد منخفضة بشكل ملحوظ، ويبدو أن تحديد المراكز أصبح متوازناً إلى حد ما. وبينما تجذب تداولات المشتقات التي تحمي من مخاطر ارتفاع الأسعار أو انخفاضها بشكل كبير بعض المشاركين في السوق، فإن القناعة العامة في مستوى منخفض.
في هذا السياق، قالت جانيت ريلينج، مديرة محفظة أولى في شركة "أولسبرينغ غلوبال إنفستمنتس" (Allspring Global Investments)، التي تدير أصولاً تبلغ 541 مليار دولار: "هل شهدنا ذروة التضخم؟ أعتقد أن هناك احتمالاً كبيراً للغاية بأننا شهدنا الذروة، ولكن من الصعب التنبؤ بذلك، والأسهل هو أن نقول إن التضخم سيظل مرتفعاً جداً. وحتى لو ظل عند مستويات مرتفعة، ما زال لدى الاحتياطي الفيدرالي عمل يتعين عليه القيام به. وبرأينا، سيواصل الاحتياطي الفيدرالي اتخاذ موقف حازم".
يعد توقع زيادة سعر الفائدة من قبل البنك المركزي -والقلق بشأن كيفية تأثير ذلك على النمو- أمراً واضحاً في تسعير عقود المشتقات القريبة. ولا يزال المتداولون يرون أن ارتفاعاً بمقدار 75 نقطة أساس أمر محتمل أكثر بقليل من التحرك بمقدار 50 نقطة في يوليو، ويعتقدون أن المعدل -حالياً في نطاق 1.25% إلى 1.5%- سيرتفع إلى حوالي 3.3% بحلول نهاية السنة.
إلا أن التسعير بعد ذلك يشير إلى أن معدل العائد لن يرتفع كثيراً، حيث بلغ الحد الأقصى عند أقل من 3.4% في الربع الأول، مع اضطرار الاحتياطي الفيدرالي بعد ذلك إلى التخفيض بأكثر من نصف نقطة مئوية قبل انتهاء عام 2023، ما يُعدُّ تحولاً ملحوظاً عما كان يحدث قبل أسبوعين فقط، عندما شوهد معدل الفائدة النهائي أعلى من 4%، ومن المحتمل أن يحدث ذلك في منتصف عام 2023 تقريباً.
في غضون ذلك، تراجعت توقعات السوق بشأن وتيرة مكاسب أسعار المستهلكين أيضاً، مع ما يُسمّى بمعدلات التعادل على أسعار سندات الخزانة المحمية من التضخم بمتوسط معدل سنوي يبلغ حوالي 2.36% للعقد القادم.
إيرين براون، مديرة الصناديق في شركة "باسيفيك إنفستمنت مانجمنت" (Pacific Investment Management)، كانت من بين أولئك الذين يعتقدون أن الاقتصاد "يقترب من نقطة تحول حيث سيؤدي التضخم إلى كسر النمو".
وتقول إنه بمجرد أن يبدأ التضخم "في الوصول إلى الذروة"، فإنها ستتطلع إلى شراء سندات الخزانة لآجال مدتها سنتان إلى 5 سنوات، لأنها ستستفيد عندما يبدأ المتعاملون في توقع هذا النوع من التخفيضات في أسعار الفائدة بشكل أكثر قوة، وهو الأمر الذي قد يضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى تنفيذه في النهاية.
من جانبها تقول سايرا مالك، مديرة الاستثمار في "نوفين" (Nuveen)، إن شركتها تتخذ "خطوات صغيرة" نحو زيادة الانكشاف في سوق السندات مرة أخرى، حيث يحتاج الاحتياطي الفيدرالي إلى رؤية اعتدال ثابت في نقاط بيانات التضخم قبل أن يتوقف عن الاندفاع نحو رفع أسعار الفائدة. وأضافت أنه سيكون من الصعب على البنك تجنب الركود.
فضلاً عن ذلك، تجعل هذه الخلفية الأسبوع المقبل، القصير بفعل العطلة، جاهزاً لمزيد من التقلبات –مع كون بعض التدابير بالقرب من أعلى مستوياتها منذ مارس 2020– وتقلبات أخرى من السيولة العشوائية. وسيكون تقرير التوظيف لشهر يونيو وبيانات فرص العمل الرئيسية في الصدارة الأسبوع المقبل، كما أكد جيروم باول، من أجل تخفيف التضخم، حيث يحتاج البنك المركزي إلى تهدئة سوق العمل الأميركية "الساخنة بشكل غير مستدام".
علاوةً على ذلك، فإن هناك التأثير المحتمل الذي ستخلفه مخاوف الركود على الأصول ذات المخاطر العالية مثل الأسهم، والتأثيرات غير المباشرة على سندات الخزانة. حيث يمكن أن تكون التحركات الكبيرة في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" (S&P 500)، الذي حقق للتو أسوأ نصف أول له منذ عام 1970، حافزاً لمزيد من التدفقات داخل وخارج السندات، خاصة الآن بعد أن تجاوز المشاركون في السوق عقبة إعادة التوازن في نهاية الربع.
وبنفس القدر من الأهمية، يمكن أن تمتد تحركات السوق إلى الاقتصاد الحقيقي حيث يبدأ المستهلكون في التفكير بالتغييرات الكبيرة للثروة التي حدثت مع تعرض كل من الأسهم والسندات لضربات حادة.
قال جين تانوزو، الرئيس العالمي للدخل الثابت في شركة "كولومبيا ثريدنيدل" (Columbia Threadneedle) إن: "تأثير الثروة من الأسهم والسندات هائل"، حيث يعتقد أن البيانات ستبدأ في إظهار تباطؤ النمو والتضخم في الربع الثالث، وأنه بينما ما يزال الاحتياطي الفيدرالي بحاجة إلى متابعة التنفيذ الفعلي لرفع أسعار الفائدة، فإن "ذروة عوائد سندات الخزانة تقترب".