الشكوك تطغى على توقعات محللي «وول ستريت» بشأن أرباح الشركات في 2022
إذا كان هناك إجماع ما من جانب محللي الأسواق على شيء، فهو أن تقديرات أرباح مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" مرتفعة للغاية. وتشير بعض البيانات التي تم كشف النقاب عنها مؤخراً إلى أن هذا الإجماع قد لا يكون صحيحاً -وفقًا لما نشرته الشرق بلومبرج-.
يدور الخلاف بشأن توقعات المحللين الذين تتمثل مهمتهم في قياس قوة ربحية الشركات الفردية، والذين بالكاد تشير توقعاتهم إلى أنها ستتحسن العام المقبل. وبينما كان المعلقون على أداء الأسهم والمستثمرون فيها يُكذّبون هذه التوقعات منذ عدة أشهر، أظهر المحللون من جانبهم علامات على اقتناعهم المتزايد بأن تقديراتهم ستُثبت صحتها.
رفع المحللون توقعاتهم بشأن العام الجاري على مدى الشهر الماضي، ويتوقعون أن تشهد الشركات المدرجة على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" نمواً في الأرباح بنحو 10.6٪، ارتفاعاً من 10٪ قبل شهر، و8.7٪ في بداية العام الجاري، وفقاً لـ"بلومبرغ إنتليجنس".
تقديرات مشتتة
تزامناً مع ذلك، ظل المؤشر المعروف باسم "مقياس التشتت"، والذي يقيس مدى اختلاف توقعات المحللين الأعلى والأدنى لكل سهم على المتوسط الحسابي للأسهم، مستقراً رغم موجة البيع التي شهدها مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" والتي كانت كافية لدخوله في منطقة السوق الهابطة، وفقاً للبيانات التي جمعها بنك "كريدي سويس".
تُظهر البيانات أنه بدلاً من تباعد التشتت في ظل تزايد عدم اليقين، تقارب في الواقع بصورة أكبر من المتوسط الحسابي في 9 من أصل 11 قطاعاً مدرجاً على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500".
قال باتريك بالفري، كبير المحللين الإستراتيجيين للأسهم في البنك والرئيس المشارك للبحوث الكمية: "يطالب الكثير من الأشخاص بخفض توقعات الأرباح، لكننا لا نرى ذلك يحدث. إنهم يفسرون موجة البيع في السوق على أنها نذير بوقوع أزمة في الاقتصاد وأرباح الشركات، بينما لا يظهر تأثير ذلك على البيانات الأساسية".
ضعف وشكوك
في يوم الخميس الماضي، ظهر تأثير مخاوف الركود في سوق السندات، التي انتعشت فيها سندات الخزانة بعد أن جاءت مجموعة من البيانات الاقتصادية أضعف من المتوقع. وانخفض عائد السندات ذات أجل 10 سنوات مقترباً من نسبة 3٪، بعد ارتفاعه إلى 3.49٪ قبل 9 أيام فقط، ما زاد الشكوك في أن المؤسسات الأميركية ستكون قادرة على تحقيق مكاسب كبيرة في الأرباح.
أضاف "بالفري"، أنه على الرغم من استمرار ظهور ذلك الضعف في سلسلة من نقاط البيانات الاقتصادية التي كانت أضعف في الأسابيع الأخيرة، إلا أن الكثيرين يتجاهلون بعض العوامل الإيجابية الرئيسية مثل الفوائد التي تحققها الشركات من وراء التضخم، وحقيقة أن الاقتصاد يتباطأ بعد وصوله إلى نقطة مرتفعة للغاية.
تابع: "الناتج المحلي الإجمالي يتراجع من مستوى عالٍ جداً نحو الاتجاه السائد في الوقت الحالي، وهذا يحصن الشركات بصورة كبيرة، ويمنحها فرصة للاستمرار في تحقيق أرباح".
تأثير التشديد
سيعتمد الكثير من الأشياء على ما سيحدث للاقتصاد في ظل تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي لسياسته النقدية بوتيرة سريعة للغاية، للدرجة التي تهدد بضغط النمو والقضاء على أرباح الشركات. وحذر المحللون الإستراتيجيون في "مورغان ستانلي" مؤخراً من أن الشركات بطيئة جداً في توجيهاتها، وتوقعوا ظهور رد فعل المستثمرين السلبي على ذلك بعد موسم أرباح الربع الثاني، الذي يبدأ في غضون 3 أسابيع.
على الجانب الآخر، خفض المحلل إد يارديني من شركة "يارديني ريسيرش" (Yardeni Research) تقديراته لأرباح "ستاندرد آند بورز 500" للعامين الجاري والمقبل، وهو واحد من العديد من المحللين الإستراتيجيين الذين فعلوا ذلك خلال الأسابيع الأخيرة.
بحسب "بالفري" فإنه في حالة تباعد "التشتت"، فمن المؤكد أن ذلك سيكون نذير تدهور محتمل في الأرباح. وتُظهر البيانات التاريخية أن كلاً من تقلبات الأسهم ومقياس التشتت يميلان إلى أن يسبقان تخفيض التصنيف الائتماني من جانب المحللين.
لكن حتى الآن، لم يُخفّض المحللون أهدافهم السعرية لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500". ووفقاً لجيك غوردون من مجموعة "بيسبوك إنفستمنت" (Bespoke Investment) فقد أدى تراجع السوق هذا العام إلى انخفاض أسعار الأسهم نحو مستوى أقل بكثير من توقعات المحللين. واعتباراً من نهاية الأسبوع الماضي، تم تداول مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 25٪ أقل من المستويات الأدنى المستهدفة التي أجمع عليها المحللون، وهو أحد أكبر الفروق المسجلة منذ أوائل القرن الحادي والعشرين.
أرباح ممكنة
رغم وجود مخاطر هبوطية، إلا أن توقعات الأرباح لا تزال قابلة للتحقيق، كما يقول كيث باركر من بنك "يو بي إس". وتشير توقعاته الأساسية حول تباطؤ النمو –لكن دون حدوث ركود- إلى أن ربحية الأسهم المدرجة على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" ستصل إلى 235.5 دولار هذا العام، و250 دولاراً في عام 2023. ومن المتوقع تباطؤ جميع القطاعات -باستثناء القطاعين المالي والطاقة- إلى 4٪ العام المقبل مقارنة بـ8٪ خلال السنة الحالية.
لكن على الجانب الآخر، سيقود القطاعان المالي والطاقة المزيد من الاتجاه الصعودي، حسب تأكيد "باركر". وعلى سبيل المثال، تشير أسعار النفط إلى مزيد من الارتفاع في ربحية الأسهم بشركات الطاقة.
كتب "باركر" في مذكرة: "من الواضح أن ما لا تستبعده السوق، في رأينا، هو وقوع أحد سيناريوهات الركود، والذي تظل بموجبه العائدات الحقيقية مرتفعة أو أعلى بكثير من الصفر. لكن على الجانب الآخر، لا تستبعد السوق أيضاً وجود أرباح قوية وانخفاض العوائد الحقيقية والتضخم".
احتمالات متساوية
وفقاً لنيكولاس كولاس، المؤسس المشارك في شركة "داتا تريك ريسيرش" (DataTrek Research) فإن السوق في الوقت الحالي تعكس بشكل أساسي احتمالات متساوية لزيادة أو انخفاض قوة أرباح الشركات على المدى القريب بنسبة 10٪. وكان إغلاق "ستاندرد آند بورز 500" بالقرب من مستوى 3675 نقطة، يوم الجمعة، هو بالضبط النطاق الذي قد يتم تداوله فيه إذا استمرت توقعات الأرباح الحالية لبقية العام الحالي وحتى 2023.
تتراوح المستويات الهبوطية التي يجب مراقبتها للمؤشر بين 3300-3500 نقطة، وهو ما يعكس انخفاضاً بنسبة 10٪ في أرباح الشركات على المدى القريب. وسيتطلب الأمر انخفاضاً بنسبة 7٪ تقريباً مقارنة بالمستويات الحالية لمؤشر "ستاندرد آند بورز" ليصل إلى 3500 نقطة. ومع ذلك، قال "كولاس" إن المؤشر سيكون في حالة صعود عند 4100 نقطة، ما يعني أن ربحية السهم لهذا العام ستبلغ 240 دولاراً.
تابع "باركر" في المذكرة: "من وجهة نظرنا الخاصة فإن احتمالات انخفاض الأرباح أكثر ترجيحاً من صعودها، ولكن إذا كنت أكثر تفاؤلاً، فإن الأرقام الحسابية التي أشرنا إليها في الفقرات أعلاه ستعطيك إطاراً لتحديد ذلك المنظور كمياً".