شكري: مصر لن تدخر جهدا لتشجيع الدول على اتخاذ إجراءات عملية بشأن تغير المناخ
أكد وزير الخارجية سامح شكري الرئيس المعين للدورة الـ27 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، أن مصر وإدراكًا لحجم المسئولية الملقاة على عاتقها، لن تدخر جهدًا لحشد الإرادة السياسية اللازمة لتشجيع كل الدول على اتخاذ إجراءات عملية وطموحة للتعامل مع قضية تغير المناخ.
وقال الوزير - في مقال بعنوان "الطريق إلى الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف لتغير المناخ COP27" لعدد "الملف المصري" الذي يصدر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - إن مصر ستوظف ما لديها من ثقل دولي وإقليمي وإمكانيات دبلوماسية لتشجيع الدول المختلفة على التوصل لتوافقات حول كل جوانب العملية التفاوضية وبما يضمن الوصول لمخرجات عملية ملموسة تمثل إسهامًا حقيقيًا في خفض الانبعاثات، والتكيف مع آثار تغير المناخ، وتوفير الدعم اللازم للدول النامية، وبما يحقق الهدف المنشود من هذا العمل الجماعي الدولي والحفاظ على صحة كوكبنا مع خلق فرص التنمية العادلة والمتكافئة للأجيال الحالية والمستقبلية.
وأضاف شكري أن قضية تغير المناخ تأتي على رأس التحديات التي تواجه العالم حاليًا، بعدما ثبت بالدليل العلمي أن النشاط الإنساني منذ الثورة الصناعية وحتى الآن تسبب، ولا يزال، في أضرار جسيمة تعاني منها كل الدول والمجتمعات وقطاعات النشاط الاقتصادي، مما يستلزم تحركًا جماعيًا عاجلًا نحو خفض الانبعاثات المسببة لتغير المناخ مع العمل بالتوازي على التكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ.
وأشار إلى أنه لذلك وضعت مصر قضية تغير المناخ في مقدمة جهودها نظرًا لموقعها في قلب أكثر مناطق العالم تأثرًا بتغير المناخ، فرغم أن القارة الإفريقية هي تاريخيًا الأقل إسهامًا في إجمالي الانبعاثات الكربونية العالمية، إلا إنها من أكثر المناطق تضررًا وتأثرًا من آثار تغير المناخ مثل: تزايد وتيرة وحدة الظواهر المناخية المتطرفة، وارتفاع منسوب البحر، والتصحر، وفقدان التنوع البيولوجي، مع ما تمثله هذه الظواهر من تهديد لسبل عيش الإنسان ونشاطه الاقتصادي وأمنه المائي والغذائي وقدرته على تحقيق أهدافه التنموية المشروعة والقضاء على الفقر.
وأوضح أن مصر حرصت على مدى السنوات الماضية على الانخراط بقوة ولعب دور مؤثر في توجيه أجندة العمل الجماعي الدولي في هذا الخصوص، حيث ترأس رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي لجنة الرؤساء الأفارقة المعنيين بتغير المناخ عامي 2015 و2016 وأطلق حينذاك مبادرتين أفريقيتين على قدر كبير من الأهمية تعني أولاهما بالطاقة المتجددة في إفريقيا، والأخرى بدعم جهود التكيف في القارة، كما ترأست مصر عام 2018 مجموعة الـ 77 والصين في مفاوضات تغير المناخ، وكذلك مجموعة المفاوضين الأفارقة، وبذلك كانت المتحدث باسم الدول النامية لاسيما الإفريقية منها والمعبر عن رؤاها وأولوياتها حول هذه القضية الحيوية.
وأكد وزير الخارجية في المقال أن مصر تتولى رئاسة مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ COP 27 والذي سينعقد في شهر نوفمبر 2022 بشرم الشيخ في توقيت بالغ الحساسية، إذ يأتي في وقت لم يتعاف فيه الاقتصاد العالمي بعد من تبعات جائحة كورونا، ويشهد فيه العالم توترات جيوسياسية مؤسفة ستكون لها - فضلًا عن أبعادها الإنسانية - تأثيرات سلبية بدأنا نلمسها بالفعل على الاقتصاد العالمي وعلى إمكانيات تحقيق النمو الاقتصادي المستدام المطلوب، مما يحتم كله تكاتف الجهود لإنجاح هذا المؤتمر وإحرازه التقدم المنشود على طريق خفض الانبعاثات ووقف الارتفاع في درجات الحرارة المسبب للاحتباس الحراري والمؤدي بدوره لتلك الآثار السلبية.
وأوضح أن مؤتمر شرم الشيخ ينعقد بعدما نجح المجتمع الدولي خلال مؤتمر جلاسكو عام 2021 في إتمام الاتفاق على تفاصيل تنفيذ اتفاق باريس وحشد الإرادة السياسية نحو الحفاظ على معدل الزيادة في درجات الحرارة عند درجة ونصف مئوية، إلا إنه يبقى لزامًا على كل الدول الأطراف العمل بقدر أكبر من الجدية للتوصل لتوافقات حول مسألة تمويل المناخ والتكيف مع آثاره السلبية.
وأضاف أن الدول المتقدمة لم تف حتى الآن بالتزامها توفير 100 بليون دولار سنويًا لتمويل جهود الحد من آثار التغيرات المناخية والتكيف معها في الدول النامية علمًا بأن هذا الرقم يقل كثيرًا عن الوفاء بالاحتياجات الفعلية للدول النامية لتنفيذ إسهاماتها في جهود التعامل مع تغير المناخ، كما أن قضية التكيف مع الآثار السلبية تحتاج لإجراءات وخطوات عملية ملموسة لدعم الدول النامية في تعاملها مع تلك الآثار.
وتابع "لذلك، وإدراكًا بأن الوقت قد حان للانتقال الفوري من مرحلة التفاوض ومناقشة أطر التحرك إلى مرحلة التنفيذ الفعلي على أرض الواقع فإن الرئاسة المصرية لمؤتمر الأطراف المقبل ستسعى لإحراز تقدم متوازن حول كافة جوانب القضية سواء تلك المتعلقة بخفض الانبعاثات (التخفيف) أو التكيف أو وسائل الدعم من تمويل، وتكنولوجيا، وبناء قدرات، والبناء على مخرجات جلاسكو وعلى الزخم السياسي الذي تولد هناك".
وأكد على أن الرئاسة المصرية للمؤتمر تتبنى موقفًا محايدًا ونهجًا يقوم على التواصل مع جميع الأطراف والاستماع إلى مختلف الشواغل والأولويات المتباينة، سعيًا لكسب ثقة كل الأطراف وبما يؤهل الرئاسة المصرية للمؤتمر للعب الدور التوفيقي المنشود بين الرؤى المتعارضة ويتيح التوصل لحلول وسط مقبولة من الجميع.
وكشف الوزير شكري عن أن الرئاسة المصرية بصدد إطلاق عدد من المبادرات ذات الطابع العملي للتعامل مع مختلف جوانب القضية، منها مبادرات عالمية وأخرى إقليمية أو قطاعية نسعى لأن تحدث فارقًا ملموسًا في مختلف مجالات العمل المناخي كالتحول العادل في مجال الطاقة، أو دعم جهود الدول النامية للتكيف مع آثار تغير المناخ، أو توفير التمويل المناسب لمشروعات المناخ وغير ذلك، مع العمل على حشد الدعم والتأييد والتمويل لتنفيذ هذه المبادرات، وبما يضفي طابعًا عمليًا على مخرجات المؤتمر.
وقال وزير الخارجية إنه "إذا كنا قد عقدنا حتى الآن جولات متعددة من المشاورات مع الرئاسة البريطانية الحالية لمؤتمر الأطراف ومع سكرتارية الاتفاقية، فضلًا عن عدة جولات من المشاورات مع المجموعات التفاوضية والجغرافية المختلفة بهدف التعرف على رؤاهم جميعًا وأولوياتهم وتطلعاتهم بشأن مخرجات المؤتمر، فإننا ندرك تمامًا أن مؤتمرات الأطراف وأن كانت بالأساس محفلًا تفاوضيًا حكوميًا، إلا أن دور أصحاب المصلحة غير الحكوميين لا غنى عنه لدى بلورة أسس التحرك الدولي ولوضع ما يُتفق عليه من إجراءات موضع التنفيذ".
وأضاف أن ذلك يشمل بطبيعة الحال ممثلي قطاعات النشاط الاقتصادي الحكومي والخاص على السواء ممن لهم صلة بقضية المناخ كالطاقة والصناعة والزراعة والنقل والإسكان وغير ذلك، فضلًا عن ممثلي المجتمع العلمي ومنظومة التمويل الدولي والمحلي وممثلي مراكز الأبحاث، والشباب وغير ذلك كله من أصحاب المصلحة غير الحكوميين.
وذكر الوزير إننا بدأنا سلسلة من اللقاءات ستستمر حتى انعقاد المؤتمر بهدف التعرف على رؤى هذه القطاعات والعمل على إدماج تلك الرؤى في العملية الحكومية، معلنا عقد منصة خاصة للشباب قبل انعقاد المؤتمر تأكيدًا لإدماج أحد أهم أصحاب المصلحة غير الحكوميين في الجهد الدولي، فضلًا عن منصب "رائد المناخ" الذي يتولى الدور الرئيسي كحلقة وصل بين المسارين الحكومي وغير الحكومي.
وقال إن قضية المناخ وصفت بحق بأنها أكبر تحدٍ يواجه البشرية حاليًا، إذ أدرك العالم الحاجة الملحة للانتقال لنمط تنموي قابل للاستدامة بعدما تبين أن نمط التنمية المتبع منذ الثورة الصناعية والقائم على السعي المحموم للنمو بأي ثمن ودون تقدير للعواقب قد أفضى للوضع الحالي.
وتابع: "لذلك، وإيمانًا بأن العلم بحقائقه وأرقامه يجب أن يكون أساس العمل في هذا المجال نلفت نظر كل الأطراف إلى التقرير الأخير الصادر عن "الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ" IPCC وهي أعلى جهة علمية محايدة في مجال تغير المناخ وحاصلة على جائزة نوبل عام 2007 لجهودها في هذا المجال، والذي يعد بمثابة جرس إنذار لإبرازه خطورة الموقف وتأكيده استحالة استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه وتشديده على أن الجهود المبذولة حتى الآن بما في ذلك التعهدات المستقبلية بخفض الانبعاثات تقصُر عن تحقيق هدف وقف ارتفاع درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية، وإقراره الواضح بأن إجراءات التكيف أيضًا قاصرة حتى الآن عن تلبية احتياجات الدول والمجتمعات المتضررة، فضلًا عن أن تمويل المناخ لايزال غير منتظم وغير كافٍ".