العمل في رمضان.. الصيام يجدّد نشاط البدن ويعيد ترميمه وتنظيفه من السموم
يلجأ البعض إلى الكسل والابتعاد عن العمل في رمضان، وهي أمور خاطئة، وضد الحكمة من فرض الصيام، لأن العمل في رمضان أو غيره بمثابة عبادة للإنسان المسلم ولا يجب أن يتخلى عنها.
ويمنحك الشهر الكريم طاقة روحية عالية تجعلك لا تهجر العمل في رمضان، وتجد مع العمل في رمضان متعة كبيرة خاصة مع مشقة الصيام، ما يقوي روحك وإيمانك.
العمل في رمضان
شهر رمضان المبارك من أعظم الشهور عند الله تعالى، ويُحِّب الله عز وجل أن يتقرب العبد إليه بالطاعات، والعمل في الإسلام يُعتبر عبادةً، ويستطيع العبد أن يحصل على الأجر الكبير عند القيام به وإتقانه والإخلاص به لله تعالى.
- لا يجوز أن يتحجّج العبد بالصيام من أجل التقاعس عن العمل، فعمل العبد يزيد من قوة المجتمع وتماسك الأمة وحمايتها من المخاطر، وأي تكاسلٍ من العبد في عمله يؤثّر على المجتمع ككل، بل إنّ من السموم. الصيام يجدّد نشاط البدن ويعيد ترميمه لنفسه وتنظيفه
- لا يجوز أن يتحجّج العبد بـ العمل في رمضان من أجل إيجاد الفتوى الخاصة بالإفطار، فالأصل هو الصيام مهما كان العمل شاقاً، وعندما يصعب الصيام مع هذا العمل فالأَوْلى محاولة تأجيله إلى الليل، وإذا تعذَّر فيجب البحث عن عملٍ آخر، وإذا تعذَّر فيمكن البقاء في العمل مع تبييت النية في الصيام، ولكن إذا لحق به الضرر في العمل فيجوز له أن يأكل بما يسدّ حاجته ثم يُمسك ويقضي ما أفطر.
- قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) سورة الطلاق.
فضل العمل في رمضان
- يحرص العباد على الإكثار من أعمال الخير في شهر رمضان المبارك؛ كمجالسة الصَّالحين، وتدبُّر القرآن ودراسته، والقيام، والصِّيام، وغيرها من الأعمال الصَّالحة، تأسِّياً واقتداءً بالرَّسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان أجود ما يكون خلال شهر رمضان.
- عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بالخَيْرِ، وَكانَ أَجْوَدَ ما يَكونُ في شَهْرِ رَمَضَانَ إنَّ جِبْرِيلَ عليه السَّلَامُ كانَ يَلْقَاهُ، في كُلِّ سَنَةٍ، في رَمَضَانَ حتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عليه رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَجْوَدَ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ).
يحظى العمل في رمضان بفضائل كثيرةً منها: مغفرة الذُّنوب، وسببٌ من أسباب العِتق من النَّار، فقد أخرج الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن قامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).
- مضاعفة الأجر والثَّواب الذي يناله العبد بسبب قيامه بالأعمال الصَّالحة والعبادات.
- نيل الفوز العظيم في الآخرة المُتمثل بجنَّات الخلد، حيث قال -تعالى-: (فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
أفضل الأعمال في رمضان
- الصِّيام: وهو فرضُ عينٍ على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ، حيث قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
- الصَّلاة: فعند أداء العبد عبادة الصَّلاة بخشوعٍ وخضوعٍ يستشعر خلالها عظمة الله -تعالى-، فيؤدي ذلك إلى ابتعاده عن ارتكاب المعاصي والمنكرات، حيث قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّـهِ أَكْبَرُ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
- الاعتكاف والدّعاء وتحرّي ليلة القدر: حيث يحرص العبد على الاعتكاف في رمضان، وخصوصاً في العشر الأواخر منه تحرِّياً لليلة القدر، وقد كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مواظباً على الاعتكاف في شهر رمضان، وروت أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِن بَعْدِهِ).
و ويكون الاعتكاف وإحياء ليلة القدر بالقيام والذِّكر وقراءة القرآن الكريم، وفي إحيائها خيرٌ عظيم، فهي خيرٌ من ألف شهرٍ، وتتنزَّل فيها الملائكة، قال الله -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ). من أفضل ما يُقال في ليلة القدر هو ما علَّمه الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها- عندما سألته: (قلتُ يا رسولَ اللَّهِ أرأيتَ إن عَلِمْتُ أيُّ لَيلةٍ لَيلةُ القَدرِ ما أقولُ فيها قالَ قولي اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ كَريمُ تُحبُّ العفوَ فاعْفُ عنِّي).
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).
ذكر الله -تعالى-: بحيث يشغل العبد نفسه بالذِّكر، كأذكار الصَّباح والمساء والاستيقاظ وغيرها من الأذكار المأثورة الواردة عن الرَّسول -صلى الله عليه وسلم، والحرص على ملازمة الذِّكر خلال اليوم من تهليلٍ وتسبيحٍ وتكبيرٍ وحوقلةٍ.
- هناك العديد من النُّصوص الشَّرعيَّة التي تحثُّ على الذِّكر، كقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّـهَ ذِكْرًا كَثِيرًا* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا).
- روى أبو هريرة -رضي الله عنه-: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، يَسِيرُ في طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ علَى جَبَلٍ يُقَالُ له جُمْدَانُ، فَقالَ: سِيرُوا هذا جُمْدَانُ سَبَقَ المُفَرِّدُونَ قالوا: وَما المُفَرِّدُونَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ).
الصدقة: وهي تطهِّر القلب وتقي النَّفس من الشُّحِّ والبُخل، فعلى المسلم أن يحرص على تفقُّد أحوال الفقراء والمساكين، وسدِّ حاجاتهم من مالٍ وطعامٍ ولباسٍ وغيره، ومحاولة المواظبة عليها خلال أيام الشَّهر المبارك، فالصَّدقة سببٌ في مغفرة الذُّنوب، بدليل قوله -تعالى: (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها وَصَلِّ عَلَيهِم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم وَاللَّـهُ سَميعٌ عَليم).
قراءة القرآن: رمضان الشهر الذي نزل فيه القرآن على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد قال -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)، لذلك يحرص العبد فيه على الإكثار من تلاوة كتاب الله -تعالى- خلال أيام الشَّهر الفضيل لما فيه من الأجر والثَّواب العظيم.
صلة الرحم: وهي من أعظم العبادات وأجلِّها، وهي وسيلةٌ للتقرُّب من الله -تعالى-، وهي من الأمور التي تدفع البلاء عن العبد وبأدائها تحصل البركة في حياته وعمره، وقد حثَّ الله -تعالى- العباد على صلة الرَّحم في قوله: (وَالَّذينَ آمَنوا مِن بَعدُ وَهاجَروا وَجاهَدوا مَعَكُم فَأُولـئِكَ مِنكُم وَأُولُو الأَرحامِ بَعضُهُم أَولى بِبَعضٍ في كِتابِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ).
العمرة: إنَّ أداء العمرة في بيت الله الحرام في رمضان تعدل حجَّة، فقد أخرج الإمام مسلم -رحمه الله- حديث النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فإنَّ عُمْرَةً فيه تَعْدِلُ حَجَّةً).