استقبال شهر رمضان.. بالفرح والسرور وصالح الأعمال
استقبال شهر رمضان هو ما يسعى إليه كل مسلم ومسلمة حبا في الشهر الكريم، في الوقت الذي يحسن فيه البعض استقبال شهر رمضان بالأعمال الصالحة، تمهيدا لصوم شهر رمضان المعظم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعد لـ استقبال شهر رمضان بصوم شهر شعبان إلا قليلا من أيامه، كما كان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه استقبال شهر رمضان بصالح الأعمال.
كيفيّة استقبال شهر رمضان
كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يُبشّر أصحابه بقدوم شهر رمضان المبارك؛ ورُوي عنه -عليه الصلاة والسلام- أنّه كان يقول: (أتاكم شهرُ رمضانَ، شهرٌ مبارَكٌ، فرض اللهُ عليكم صيامَه، تفتحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، وتُغلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ).
كان الصحابة يدعون الله -سبحانه وتعالى- ستّة أشهرٍ أن يُبلّغهم رمضان، ويدعونه ستّة أشهرٍ أخرى أن يتقّبل أعمالهم فيه.
- كان السَّلَف الصالح -رحمهم الله- يستعدّون لاستقبال شهر رمضان بالدعاء، والتضرُّع إلى الله - سبحانه وتعالى -، خاصة أنّ شهر رمضان شهرٌ مباركٌ، شهر القرآن الكريم، وفَتْح أبواب الجنّة، وغَلْق أبواب النار، وتصفيد الشياطين.
- ويستقبل المسلمون شهر رمضان المبارك باللفرح والسرور، لأنّ العبد الصالح يستقبل مواسم الخير والطاعات بالفرح والاستبشار، وشهر رمضان المبارك يُعَدّ من الأزمنة المباركة التي يعود فيها العباد إلى ربّهم، ويتوب العُصاة من ذنوبهم، ويُقبل العباد على المساجد التي تمتلئ بالمُصلّين في الأوقات جميعها؛ فتفرح القلوب المؤمنة، وتستبشر الأرواح الطاهرة بالقُرْب من ربّها عزّ وجلّ.
- كما يستقبل المسلمون شهر رمضان بالحَمْد والشُّكر لله سبحانه وتعالى، إذ إنّ بلوغ شهر رمضان المبارك، وصيامه من أعظم النِّعم التي مَنّ بها الله -سبحانه وتعالى- على عباده؛ ولذلك ينبغي للعبد الإكثار من حَمْد الله، وشُكره.
- وأهم ما يستقبل به المسلم شهر رمضان إخلاص النيّة لله سبحانه وتعالى، فلا بُدّ من استقبال شهر رمضان بتجديد النيّة، وعَقْد العزم على استغلال الأوقات المُباركة؛ وذلك بالتزام الطاعات، واجتناب المعاصي والسيّئات، وتطهير القلوب، والتوبة الصادقة، لا سيّما أنّ الله -سبحانه وتعالى- يجزي العبد على نيّته؛ إذ رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، أنّه قال: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى).
- كما يستقبل المسلمون شهر رمضان المبارك بالتوبة الصادقة إذ إنّه موسمٌ من مواسم الخير والطاعات، وفي الحقيقة فإنّ المعاصي والذنوب تُعَدّ سبباً لعدم التوفيق إلى الطاعات والعبادات، وقد يُحرَم المرء بسببها لَذّة القُرب من الله، والالتزام بأوامره.
- كان يُقال للحسن: "لا نستطيع قيام الليل"، فيقول: "قيّدتك خطاياك"، وكان بعض السَّلف يقولون: "حُرمت قيام الليل سنةً؛ بذنبٍ عملته".
- وقال الفضيل بن عيّاض -رحمه الله-: "إذا كنت لا تستطيع قيام الليل، وصيام النهار؛ فاعلم أنّك محبوسٌ، قد قيّدتك ذنوبك"، ولذلك ينبغي استقبال شهر رمضان المبارك؛ بتجديد التوبة، ومراعاة شروطها، وهي: الندم، والعزم على عدم الرجوع إلى الذنب، وإعادة الحقوق إلى أهلها، بالإضافة إلى كثرة الاستغفار، وسؤال الله -سبحانه وتعالى- القبول.
رمضان فرصةٌ للتغيير
- يعد شهر رمضان المبارك فُرصةً لا تُعوّض للتوبة، والإقلاع عن الذنوب، وتجديد الإيمان في القلوب.
- وينبغي للمسلم الاستعداد النفسيّ لاستقبال رمضان؛ فقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يقولون: "اللهمّ بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغّنا رمضان"، حتى إذا دخل شهر رمضان المبارك، استقبلوه بقلبٍ حيٍّ، ونفسٍ مُشرقةٍ، وتجديد العهد مع الله -سبحانه وتعالى-؛ بالمحافظة على الطاعات، واجتناب المُنكَرات.
- رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (رغِمَ أنفُ رجلٍ ذكرتُ عنده، فلم يُصلِّ عليَّ، ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دخل عليه رمضانُ، ثم انسلخ قبل أن يُغفَرَ له، ورغِمَ أنفُ رجلٍ أدرك عنده أبواه الكِبَرَ، فلم يُدخِلاه الجنَّةَ).
الاستعداد لرمضان في رجب وشعبان
كان السَّلَف الصالح -رحمهم الله- يستعدون لاستقبال شهر رمضان المبارك في شهري رجب، وكان بعضهم يقول: "رجب شهر الغَرْس، وشعبان شهر السَّقي، ورمضان شهر جَنْي الثمار، فإذا أردت جَنْي الثمار في رمضان؛ فلا بدّ من الغَرْس في رجب، وسَقْي ذلك الغرس في شعبان"، وقد شبه السَّرِيُّ السَّقْطِي -رحمه الله- العام بالشجرة، والشهور بالفروع، والأيّام بالأغصان، والساعات بالأوراق، وأنفاس العبد بالثمار، وبيّن أنّ شهر رجب أيّام توريقها، وشعبان أيّام تفريعها، ورمضان أيّام قَطفها؛ ولذلك ينبغي الاستعداد بغَرْس الأعمال الصالحة في رجب، والاستمرار والمواظبة عليها في شهر شعبان؛ لقَطْف الثمار، والشعور بلَذّة العبادة في رمضان.
الاستعداد لرمضان في شعبان
- رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (كانَ يصومُ حتَّى نَقولَ: قد صامَ. ويفطرُ حتَّى نقولَ قد أفطرَ، ولم يَكُن يصومُ شَهْرًا، أَكْثرَ من شعبانَ كانَ يصومُ شعبانَ إلَّا قليلًا، كانَ يصومُ شعبانَ كُلَّهُ).
- قد يوسوس الشيطان للعبد بأنّ صوم شعبان سيُضعف هِمّته لصيام رمضان، والصحيح أنّ من صام شعبان؛ احتساباً للأجر من الله -سبحانه وتعالى-؛ ليغفرَ ذنبه، فإنّ الله يُعينه على صيام الشهرَين؛ فإذا فتح الله للعبد باب الطاعة، هيّأ الأسباب لها، وإذا فتح باب المغفرة، هيّأ الأسباب لها، والأصل أن يَهُمّ المسلم بالطاعة دون التفكير في العواقب؛ فالعاقبة بِيَد الله -سبحانه وتعالى-، وهي بالتأكيد محمودةٌ. تعمير أوقات الغفلة بالطاعة.
- إذا أقبل الله -سبحانه وتعالى- على عبده، وفَّقَه، وحَفِظه، وسدّد خُطاه، وأعطاه الخير الكثير، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام- فيما يرويه عن ربّه -عزّ وجلّ: (وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ).
- استحبّ عددٌ من العلماء إحياء ليلة النّصف من شعبان؛ طمعاً في نَيْل تلك المغفرة، وبذلك تظهر آثار المغفرة في ما تبقّى من شعبان، فيحلّ شهر رمضان والعبد مغفورٌ له، مُقبلٌ على الله -سبحانه- بما يُرضيه. الإكثار من تلاوة القرآن الكريم: فينبغي الإكثار في شهر شعبان من قراءة القرآن الكريم، وتدبُّر آياته؛ وذلك استعداداً لاستقبال شهر رمضان؛ شهر القرآن الكريم.
حال الصحابة في الاستعداد لرمضان
كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يستعدّ لشهر رمضان المبارك بالأعمال الصالحة، ومنها الصيام؛ فقد ثبت أنّه كان يصوم شهر شعبان؛ استعداداً لقدوم شهر رمضان.
- صيام شعبان يُعَدّ تمريناً على الصيام في رمضان؛ وذلك حتى لا يشعر الصائم بالتعب والمَشقّة أثناء صيامه رمضان، بالإضافة إلى أنّ الصائم يجد حلاوة الصيام في شعبان، فيبدأ صيام رمضان بنشاطٍ وقوةٍ.
- من صور استعداد السلف الصالح -رحمهم الله- لاستقبال رمضان أنّهم كانوا يقضون ما عليهم من صيامٍ قبل دخول رمضان؛ فقد رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ يَكونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِن رَمَضَانَ، فَما أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إلَّا في شَعْبَانَ).
- وثبت أيضاً أنّهم كانوا يستعدّون لاستقبال شهر رمضان المبارك بالدعاء، كما قال يحيى بن أبي كثير -رحمه الله-: "كان من دعائهم: اللهمّ سلّمني إلى رمضان، وسلّم لي رمضان، وتسلّمه مِني متقبّلاً".
- وكان السَّلَف الصالح يفرحون لقدوم شهر رمضان المبارك فرحاً شديداً؛ وذلك لأنّ صيامه رُكنٌ من أركان الإسلام؛ إذ رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ).
- ومن أحوال السلف الصالح -رحمهم الله- في رمضان: أنّهم كانوا يُعوّدون أنفسهم خلاله على صيام النافلة فيما بعد؛ وذلك لأنّ الصيام سبب لاجتناب عذاب جهنّم؛ رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (مَن صَامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللهِ، بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا).
وكانوا يُدرّبون أنفسهم على قيام الليل، قال سعيد بن المُسيِّب: "إنّ الرجل ليصلّي بالليل، فيجعل الله في وجهه نوراً يحبّه عليه كلّ مسلمٍ، فيراه من لم يره قطّ، فيقول: إنّي لأحبُّ هذا الرجل"، ومن هديهم في رمضان الإكثار من تلاوة القرآن الكريم؛ فقد رُوِي أنّ محمّداً بن إسماعيل البخاريّ -رحمه الله- كان يختم القرآن الكريم في رمضان كلّ يومٍ، وكان سفيان الثوريّ يترك الأعمال كلّها في رمضان، ويُقبِل على تلاوة القرآن الكريم.