بكى في أحضان السادات بعد استشهاد نجله بالحرب.. محطات بحياة الفنان صلاح منصور
اشتهر بكونه العمدة الضلالي، وترك عمله الصحفي من أجل الفن، ملامحه قادته لإتقان أدوار الشر، إنه الفنان صلاح منصور الذي يعد واحدًا من أشهر نجوم السينما في عصرها الذهبي، حيث قادته مواقفه الوطنية لتكريمه على يد الرئيس الراحل أنور السادات بعد وفاة نجله الشهيد، نتيجة صبره واحتسابه لفقدانه نجليه.
ولد صلاح منصور في 17 مارس عام 1923 بمدينة شبين القناطر بمحافظة القليوبية، وعشق الفن منذ نعومة أظافره، والتحق بالمسرح المدرسي عام 1938 وتخرج من معهد التمثيل عام 1947 في دفعته الأولى وكان من بين زملائه شكري سرحان وفريد شوقي.
وعمل محررًا في مجلة روز اليوسف عام 1940، وكان أول حوار له مع الفنانة السورية الراحلة أسمهان، والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وكان أول دفعته وكون فرقة "المسرح الحر" بالتعاون مع زملائه عام 1954.
وأسس المسرح المدرسي مع زكي طليمات، وشارك بالعديد من المسرحيات من بينها، "الناس اللي تحت، ملك الشحاتين، برعى بعد التحسينات، زقاق المدق، يا طالع الشجرة، رومولوس العظيم وزيارة السيدة العجوز"، وأخرج العديد من المسرحيات من بينها “عبد السلام أفندي وبين قلبين”، وشغل منصب مستشار إدارة التربية المسرحية بوزارة التربية والتعليم حتى وفاته.
وقدم صلاح منصور ، أول أعماله الفنية، وهو فيلم "غرام وانتقام"، وتوالت أعماله العديد السينمائية، المسرحية والتليفزيونية ولعل أبرزها "الزوجة الثانية، ليل ورغبة وعلى هامش السيرة".
الجوائز والتكريمات
وحصد صلاح منصور العديد من الجوائز خلال مسيرته الفنية ومن بينها، "جائزة أحسن ممثل مصري إذاعي في مسابقة أجرتها إذاعة صوت العرب عام 1945، وعلى جائزة الدولة التقديرية من أكاديمية الفنون عام 1978، احتفالًا بعيدها الفني ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1964.
وشارك الفنان صلاح منصور في 9 أفلام بقائمة أفضل 100 فيلم بتاريخ السينما المصرية عام 1996 ومن بينها، “غرام وانتقام، أمير الأنتقام، اللص والكلاب، المستحيل، الزوجة الثانية، البوسطجى، قنديل أم هاشم، بداية ونهاية والعصفور”.
شهرته الفنية
واشتهر الفنان صلاح منصور من خلال دوره بفيلم "الزوجة الثانية" من خلال تجسيده شخصية "العمدة عتمان الضلالي" والذي اشتهر بمعاملته السيئة لأهل قريته من خلال استغلالهم وجمع الأموال والأراضي ومحاولته إنجاب ابن يورثه ويحمل اسمه فيجبر شكري سرحان بشخصية أبو العلا على تطليق زوجته سعاد حسني بشخصية فاطمة بالقوة ويتزوجها بعد تهديده من خلال مشاركة المأمور والمأذون الذي يحلل الحرام كونه تابع للعمدة، وتراوغ فاطمة العمدة وتستمر بعلاقتها بزوجها حتى تظهر بحملها وهو ما يؤثر على العمدة فيصاب بالشلل فور بلوغه الحمل ويموت وتبدأ الزوجة في إعادة الحقوق المسلوبة لأصحابها في نهاية الفيلم وتعود لأحضان زوجها أبو العلا وتستعيد شمل أسرتها.
رميت في صميم الفؤاد بسهم
وتميز الفنان الراحل صلاح منصور بكونه أحد اشهر أسطوات الفن كما قال عنه الفنان الراحل شكري سرحان، والذي أكد على قدرته الفنية العظيمة وعطائه الكبير وكان من الممكن أن يكون عظيمًا في الكوميديا وتميزه بخفة الظل والتلقائية التي كان عليها، وظهرت بقوة خلال مشاركتهم بمسرحية مأخوذة عن رواية فرنسية، حيث كان يقيم صلاح منصور بحي الناصرية ويقيم شكري سرحان بحي المبتديان، ودائما ما يلتقيان لمذاكرة مشاهد المسرحية، وذات مرة كان يقول شكري سرحان بأحد المشاهد، "رميت في صميم الفؤاد بسهم"، وذات مرة وأثناء السير في الشارع ودون قصد، اصطدم صلاح منصور بشخص مفتول العضلات، وما أن عاتبه الشخص حتى رد عليه بتلقائية الجملة قائلًا: "رميت في صميم الفؤاد بسهم".
الشيخ مصطفى إسماعيل
وكان الفنان الراحل صلاح منصور من عشاق القراءة بصوت الشيخ مصطفى إسماعيل، والذي تميز بصوته الجميل، وكان يحرص على أن يصطحب زميله شكري سرحان للجلوس في الصف الأول أمام الشيخ مصطفى إسماعيل حيث كان يقرأ القرآن طوال شهر رمضان المبارك بقصر عابدين.
وكان دائما ما ينسجم صلاح في قراءة الشيخ مصطفى إسماعيل والذي تميز بجمال صوته، قائلًا “أه والنبى، أيوة يا شيخ، الله ويا سلام وكان دائما ما يهاتف الشيخ ليعرف أين سيقرأ، وحين مرة ذهبنا لمتابعة الشيخ بأحد العزاءات”، وظل يردد عبارته المشهورة حتى نهره أحد الرجال بالعزاء قائلًا له: “جرا إيه يا أستاذ، إيه اللى إنت بتعمله ده، ده ميتم اتنين أخوات ماتوا في حادثة، وإنت مصهلل ومجلجل”، فرد عليه الفنان الراحل صلاح منصور بعبارته الشهيرة، قائلًا: "رميت في صميم الفؤاد بسهم"، وأصر الرجل على مغادرة صلاح منصور للعزاء، إلا أن الشيخ مصطفى إسماعيل، قاطعه قائلًا: "لو قام أنا هقوم قبله".
المخرج صلاح أبو سيف
وتعاون صلاح منصور مع المخرج صلاح أبوسيف ولأول مرة من خلال فيلم "بداية ونهاية" عام 1960 من خلال دور الفنان الراحل بشخصية "سليمان البقال" والذي يخدع نفيسة، الفتاة العانس والتي جسدت شخصيتها الفنانة الكبيرة والراحلة سناء جميل.
واستطاع صلاح منصور تقديم شخصية الرجل الطيب من خلال فيلم “القضية 68” والذي كان يرى أن حل المشاكل يجب أن يكون بالمصالحة والود بعيدًا عن أدوار الشر.
زوجته
وبدأت قصة زواج الفنان الراحل صلاح منصور عند لقائه بفتاة أرمينية تدعى "أليس يعقوب"، وقد تعرف عليها بمحض الصدفة عندما وجدها تطرق الباب على شقه جاره فحاول التغزل فيها وهو ما أغضبها فصفعته على وجه، فتعلق بها أكثر وأعجب بها بعد بلوغه بكونها شقيقه جاره الشاب وتزوجا منها بعد إشهار إسلامها واختار لها اسم والدته "رقية نظمى" تزوجا في 9 أكتوبر عام 1950، وشهد على العقد الفنان شكري سرحان وشقيقه واستمر زواجهم حوالى 40 عاماً ولم يحب أو يتزوجا بغيرها.
وفاة نجله الأصغر بالخارج
وعاش الفنان الراحل صلاح منصور حزناً عميقا بسبب معاناة نجله الأصغر هشام من مرض ضمور في أعضائه والذي كان يضطره إلى السفر إلى لندن لعلاج الصمم والتخلف، حتى نفذت أمواله فتقدم بطلب لعلاج نجله على نفقة الدولة وتمت الموافقة عليه لمدة 3 أشهر وبعدها رفضوا التجديد له، وأثناء زيارة الرئيس الراحل محمد أنور السادات للعاصمة البريطانية لندن، ولقائه بالجالية المصرية بالسفارة، طلب منه الفنان مد فترة علاج ابنه وهو ما وافق عليه الرئيس الراحل شفاهية، إلا أن الفنان أصر على كتابة الرئيس القرار حتى يطمئن قلبه، وبعد فترة علاج استمرت لمدة 10 سنوات وشهور، وتوفى الابن بعد إجرائه عملية جراحية بلندن.
وتسببت وفاة هشام نجل الفنان الأصغر في إصابته بصدمة عصبية، ترتب عليه معاناته من سرطان في الرئة وتليف في الكبد.
استشهاد نجله بحرب أكتوبر
شارك نجل الفنان صلاح منصور في حرب السادس من أكتوبر عام 1973، وكان أحد الأبطال الذين استشهدوا بالمعركة وفور وصول خبر استشهاده، أمر بتوزيع الحلويات على جيرانه بالشارع.
وخلال حفل تكريمه على يد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بكى في أحضان الرئيس بعد معانقته، وتبرع بمكافأة ومعاش ابنه الشهيد لتسليح القوات المسلحة.
وفاته
ودخل صلاح منصور مستشفى العجوزة بصحبة زوجته ونجله الأكبر مجدى، وردد آخر كلماته لزوجته ، "لا تبكوا، فقد عشت عمرى وأنا أكره أن أرى الدمع في عيونكم، ولن أحبها بعد موتى".
ورحل الفنان الكبير صلاح منصور يوم الجمعة 19 يناير عام 1979 عن عمر يناهز الـ 56 عاماً، وبعد وفاته تقدمت أرملته بطلب للرئيس السادات لصرف معاش استثنائي، لضيق الحال وهو ما وافق عليه السادات تقديراً لما قدمه الفنان الراحل صلاح منصور لمصر والفن بشكل خاص.