وزير الأوقاف: الحديث في الشأن الديني يتطلب إدراك مفهوم المصلحة العامة
قال وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة، إن الحديث في الشأن العام الديني يتطلب بالضرورة إدراك المتحدث لمفهوم المصلحة العامة وتقدّمها على المصلحة الخاصة.
جاء ذلك خلال اجتماع الدورة الثالثة عشرة لأعمال المجلس التنفيذي لوزراء الأوقاف والشئون الإسلامية بدول العالم الإسلامي برئاسة وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ.
ووجه وزير الأوقاف الشكر إلى رئيس مجلس الوزراء، الدكتور المهندس مصطفى مدبولي، لرعايته اجتماع الدورة الـ13 لأعمال المجلس التنفيذي لوزراء الأوقاف والشئون الإسلامية بدول العالم الإسلامي الذي يعقد بالقاهرة اليوم الاثنين.
وأضاف الوزير، أن الحديث في الشأن العام الديني يتطلب بالضرورة إدراك المتحدث لمفهوم المصلحة العامة وتقدّمها على المصلحة الخاصة، بل تقدُّم المصلحة الأعم نفعًا على الأخص، وإدراك الموازنة والترجيح بين دفع المفاسد وجلب المصالح، وأن دفع المفسدة العامة مقدم على جلب المصلحة العامة، وأنه قد تُحتَمل المفسدة الأخف تحققًا للمصلحة الأهم والأعم، ونحو ذلك مما لا يدركه سوى أهل الخبرة والاختصاص في كل علم وفن ومؤسسة ممن تتوافر لهم كامل المعلومات المعينة على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب.
وتابع وزير الأوقاف أن اجتماع المجلس التنفيذي لوزراء شؤون العالم الإسلامي إنما يناقش في كل اجتماع من اجتماعاته عددًا من القضايا الهامة التي تشغل عامة المسلمين، وأن وزارة الأوقاف المصرية قدمت لهذا الاجتماع بحثين هامين: الأول: صناعة الفتوى وضوابط الإفتاء، والثاني: ضوابط الحديث في الشأن العام.
وأوضح وزير الأوقاف - في كلمته - أن الشأن العام هو ما يتجاوز شواغل الفرد واهتماماته الشخصية إلى شواغل المجتمع واهتماماته وقضاياه العامة، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية، أم ثقافية، أم أخلاقية وقيمية، أم اجتماعية، أم رياضية، مما يتصل بقضايا الوطن الكبرى أو الأمة، وأن الشأن العام الإسلامي يعني القضايا ذات الاهتمام المشترك بين جملة المسلمين أو عمومهم أو غالبيتهم أو شريحة واسعة منهم، وكلما زاد الوعي بينهم بقيمة الشأن العام وخطورته زاد التعاون والتكاتف والترابط بينهم من أجل الحفاظ على أوطانهم وثوابت دينهم، فتتحققُ لهم قوة البنيان الواحد، وشعور الجسد الواحد الذي حثنا عليه نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم)، حيث قال : "المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا، وشَبّك بين أَصابعه"()، وقال (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".
وقال وزير الأوقاف: "ينبغي على من يتصدى للحديث في الشأن العام عالمًا كان، أو مفتيًا، أو سياسيًّا، أو اقتصاديًّا، أو إعلاميًّا، أن يكون واسع الأفق ثقافيًّا ومعرفيًّا فيما يتعرض له أو يتحدث عنه، وأن أي إجراء فقهي أو إفتائي أو فكري أو دعوي أو إعلامي لا بد أن يضع في اعتباره كل الملابسات المجتمعية والوطنية والإقليمية والدولية المتصلة بالأمر الذي يتحدث فيه أو عنه، حتى لا تصدرَ بعض الآراء الفردية المتسرعة في الشأن العام دون دراسة وافية، أو دون دراسة أصلًا، بما يصادم الواقع أو يتصادم مع القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، مما قد يسبب ضررًا بالغًا لوطنه ودولته وربما صورة دينه وأمته، سواء أكان ذلك عن قصد وسوء طوية أم عن تسرع وقِصَر نظر ".
وواصل قائلا: وإذا كان أهل العلم والفقه على أن العالم الفقيه المجتهد أهلَ الاجتهاد والنظر المعتبر شرعًا إن اجتهد فأخطأ فله أجر وإذا اجتهد فأصاب فله أجران، فإن مفهوم المخالفة يقتضي أنَّ من اجتهد أو أفتى من غير أهل العلم والاختصاص فيما لا علم ولا دراية له به فأصاب فعليه وزر لجرأته على الفتوى أو إقحام نفسه فيما ليس له بأهل، فإن اجتهد فأخطأ فعليه وزران، وزر لخطئه ووزر لجرأته على ما أقدم عليه أو قام به بغير علم، كالطبيب المختص الذي يمارس الطب ويجتهد فيه فإن أخطأ خطأ مهنيًّا لا عن قصد ولا إهمال بما يقدره أهل الاختصاص في الطب فلا حرج عليه لا شرعًا ولا قانونًا، أما لو مارس غير المتخصص في الطب عملية التطبيب فهو معاقب قانونًا حتى لو نجح مصادفة فيما قام به، وذلك لحرص الإسلام على احترام الاختصاص، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"، كما أن القوانين المنظمة لشئون الناس والحياة مبنية على ذلك.
ونوه وزير الأوقاف بأن الحديث في الشأن العام دون وعي وإدراك تامّين يمكن أن يعرض أمن الوطن أو الأمة الفكري أو العام للخطر، سواء أكان ذلك عن تعمد وقصد أم عن غفلة أم جهالة أم سبق لسان، لمن لا يملكون أنفسهم ولا ألسنتهم ولا سيما أمام الكاميرات وتحت الأضواء المبهرة، مشددا على أن هناك أمران في غاية الخطورة أضرا بالخطاب الثقافي بصفة عامة والديني بصفة خاصة، هما: الجهل والمغالطة، أما الأول فداء يجب مداواته بالعلم، وأما الثاني فداء خطير يحتاج إلى تعرية أصحابه، وكشف ما وراء مغالطتهم من عمالة، أو متاجرة بالدين.
جدير بالذكر أن اجتماع المجلس يناقش أهمية استحداث لوائح وبرامج لتحصين المنابر من خطابات الكراهية، والتطرف والإرهاب، والقيم الإنسانية المشتركة: قيمتا التعايش والتسامح، ووسائل التواصل الحديثة ودور وزارات الشؤون الإسلامية والأوقاف في الاستفادة منها، وضوابط الحديث في الشأن العام، ودور الأوقاف في زيادة الناتج المحلي في الدول الإسلامية وتجربة هيئة الأوقاف المصرية في الاستثمار وزيادة الوقف وأنواعه التي استحدثتها الهيئة، وتجربة الهيئة العامة للأوقاف بالمملكة العربية السعودية في الصناديق الوقفية.
ويشارك في اجتماع هذا العام كل من: جمهورية مصر العربية، والمملكة العربية السعودية، والمملكة المغربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، ودولة الكويت "افتراضيًا"، وجمهورية جامبيا، وجمهورية باكستان الإسلامية، وجمهورية إندونيسيا، وبحضور الدكتور نور الحق قادري الوزير الاتحادي للشئون الدينية والتحالف بين الأديان، والشيخ الحاج موسى درامي وزير الحكومة المحلي والشئون الدينية بجامبيا، والدكتور عبد الله سليمان عقيل الدعجة أمين عام وزارة الأوقاف نائبًا عن وزير الأوقاف والمقدسات الإسلامية بالمملكة الأردنية، والسفير أحمد التازي سفير المملكة المغربية بالقاهرة نائبًا عن وزير الأوقاف والشئون الإسلامية بالمملكة المغربية، وعبر الفيديو كونفرانس الدكتور قمر الدين أمين وكيل الوزارة للشئون الإسلامية نائبًا عن وزير الشئون الدينية بإندونيسيا، وفريد أسد عبد الله عمادي وكيل وزارة الأوقاف نائبًا عن وزير الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت.
ويهدف مؤتمر وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية بدول العالم الإسلامي إلى تعزيز التضامن الإسلامي بين الدول الإسلامية الأعضاء، والتنسيق والتعاون في مجالات الدعوة والأوقاف والشؤون الإسلامية، وكشف وتفنيد المذاهب والاتجاهات المناوئة للإسلام، وبذل كافة الجهود من أجل تنشيط الدعوة للفهم الصحيح للإسلام في العالم، وفق كتاب الله وسنة نبيه، وما سار عليه سلف الأمة الصالح، وتنسيق المواقف بين الدول الأعضاء من أجل العمل على احترام المساجد وحفظ الأماكن المقدسة وسلامتها، ودعم العلاقات مع المنظمات والهيئات والمؤسسات والمراكز الإسلامية في الخارج والتنسيق بينها لتمكينها من أداء رسالتها الإسلامية، وتنسيق الجهود لمساعدة الأقليات الإسلامية في الحفاظ على عقيدتها وهويتها وثقافتها داخل المجتمعات التي تعيش فيها.