سمير الإسكندراني.. مطرب ملأ الدنيا بأغانيه ودوَّن قصته في سجلات الوطنية
في شوارع وسط البلد كان يمكنك رؤية سمير الإسكندراني يسير بمفرده، وهو يحمل على وجهه شبح ابتسامة، ونظرات تحية إلى كل من يراه "ويشبه عليه"، وكأنه يشجعه على المصافحة، وتبادل عبارات قصيرة.
وحدها لحية سمير الإسكندراني كانت لا تستجيب للزمن، وظلت على حالها، شابة، مثل أغنياته، تحتفظ بقوتها وحيويتها، وتفردها، وجمالها، وبهجتها على الدوام.
هنا في شارع عبد الخالق ثروت، كان سمير الإسكندراني يسير بهدوء ووقار على الرصيف، مهموما وصامتا، ينظر إلى الأمام مثل ضابط في طابور التدريب، وأحيانا إلى الأرض كأنه يفتش عن عملة معدنية مفقودة، أو إلى السماء كأنما يبحث عن نفسه.
ولم يكن سمير الإسكندراني، يكترث بالضوضاء، وكلاكسات السيارات في الإشارات الحمراء.. لا تجذبه المعروضات خلف الفتارين، يعيش بداخل أفكاره، في زمن ومكان حصريين لا يراهما سواه، في الوقت الذي كان كل من يصادفه في الشارع يتأمل وجهه الصامت الذي يفيض بالذكريات.
وفاة سمير الإسكندراني
في الصباح الباكر علمت شوارع وسط البلد بنبأ رحيل صديقها الوفي، من نشرات الأخبار المنبعثة من راديوهات سيارات الأجرة، ومن عناوين الصحف الملقاة على الأرض، ومن بوستات النعي المنشورة على الشاشات المضيئة بين أيادي العابرين.
مات سمير الإسكندراني، بعد أن ترك في قلوب المصريين محبته، وفي آذانهم صوته المسكون بالرهبة والجلال، والبهاء، وحماس العشاق، ونقاء البلور، وصفاء النيل، ورنين الذهب في بنوك الحظ.
رحل الأستاذ سمير، بعد أن ملأ الدنيا بالحياة، والضحكات، والأصدقاء، والأغاني، ودون قصته في سجلات الوطنية، باعتباره نجما في سماء الجاسوسية، وإنسانا على أرض المحبة، وعاشقا نبيلا لهذا البلد الذي كلما مات أحدا من أبنائه المخلصين تحول إلى وردة.
ذهب سمير الإسكندراني خلف روحه الملهمة إلى عالم آخر، حيث لا نكران، ولا إهمال، ولا نسيان، ذهب إلى عالم آخر يثمن قيمة رجل يمتلك من الموهبة والإنسانية، والصدق، والمحبة، والتضحية ما يستحق التكريم على الدوام.
رحل الأستاذ سمير الإسكندراني وبقيت أغنياته الجميلة التي حفظها المصريون: يا نخلتين في العلالي، طالعة من بيت أبوها، النيل الفضي، ترحال السنين، ابن مصر، في حب مصر، قولوا لحبيبي، يا رب بلدي وحبايبي، وبنعاهدك يا غالية.