أمريكا.. التضخم يقترب من أعلى مستوى في 40 عامًا ويثير المخاوف
تستعد الولايات المتحدة لدخول السنة الثالثة من الوباء باقتصاد مزدهر وفيروس لا يزال متحورًا، لكن بالنسبة لواشنطن وول ستريت، فإن إحدى توابع وباء كوفيد-19 تطغى على كل شيء آخر تقريبًا.
من المتوقع أن يرتفع معدل التضخم الصاعد بالفعل بشكل أكبر عندما تصدر بيانات نوفمبر يوم الجمعة، إلى 6.8 في المئة، وسيكون هذا أعلى معدل منذ أن كان رونالد ريجان رئيسًا في أوائل الثمانينيات، وعلى مدار حياة معظم الأمريكيين.
لا تتلاشى؟
ظل التضخم مرتفعًا لفترة أطول مما تنبأ به صانعو السياسات، رغم أنه من المتوقع أن تهدأ معدلات التضخم في العام المقبل.
ساعدت الأسعار المرتفعة على تحقيق الأعمال التجارية الأمريكية لنتائج أعمال قوية على مدار العام، حيث سجلت أعلى هوامش ربح لها منذ الخمسينيات من القرن الماضي، ولكن بالنسبة لإدارة جو بايدن وبنك الاحتياطي الفيدرالي برئاسة جيروم باول - والذين لم يتوقعوا حدوث ذلك - فإن العودة المفاجئة للتضخم، الذي كانت ساكناً إلى حد كبير لعقود قبل عام 2021، يبدو أكثر ضرراً بشكل متزايد.
من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى بعض التغييرات الكبيرة في العام المقبل، حيث يميل بنك الاحتياطي الفيدرالي نحو رفع أسعار الفائدة ويتجه رئيسه إلى انتخابات التجديد النصفي مع تراجع معدلات التأييد.
كيف حدث هذا؟ بشكل أساسي، جعل الوباء من الصعب على العالم إنتاج الأشياء ونقلها، وقامت الحكومة بتعزيز دخل المواطن الأمريكي خلال الأزمة بشكل لم يحدث من قبل، لذلك ظلت الأسر حريصة على الإنفاق، هذا إلى جانب كل من إجراءات الإغلاق والحذر الناتج عن الوباء، مما أدى الى تركز القوى الشرائية في السلع الاستهلاكية عوضاً عن الخدمات.
وهذا هو السبب وراء وجود طوابير طويلة من سفن الشحن الممتدة قبالة سواحل لوس أنجلوس في انتظار الرسو، بينما يواصل تجار السيارات المستعملة رفع الأسعار ويؤدي ارتفاع أسعار السلع الأساسية العالمية إلى قيام الأمريكيين بدفع المزيد من الأموال في متاجر البقالة ومحطات البنزين.
قبل عام مضى، كان الاقتصاديون يتوقعون أن يسجل التضخم نسبة 2% لعام 2021، وقد أدى الوباء إلى انخفاض الأسعار في وقت مبكر من بداية العام، وتوقع الجميع انتعاشًا. لكن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي باول كان يرى أن التضخم سيكون مؤقتًا، وليس كبيرًا جدًا، وهو التوقع الذي ساد بشكل كبير.
ويقول عمير شريف، رئيس شركة الأبحاث Inflation Insights LLC، "إن أول تلميح إلى أن التضخم على وشك التسارع حقًا جاء في فبراير". "كان هناك أمور تنبئ بوجود مشكلة تحت السطح، وبشكل أكثر تحديدًا في السيارات."
هوس السيارات
ارتفعت أسعار السيارات المستعملة بشكل كبير في ظل الوباء
أدى النقص في أشباه الموصلات الناجم عن الوباء إلى إعاقة إنتاج السيارات الجديدة، لذلك كان المشترون - بما في ذلك شركات التأجير التي باعت أساطيلها في بداية الأزمة - يزايدون على أسعار السيارات القديمة.
امتلك المواطنون الأمريكيون النقد لأنه على عكس الركود الأخير، عندما عرقل التقشف المالي التعافي الاقتصادي، أقر الكونجرس تدفقات حزم تحفيزية مالية، فبالإضافة إلى حزمة الإنقاذ البالغة 2.2 تريليون دولار في ربيع عام 2020 في بداية انتشار فيروس كورونا، أقر الكونجرس حزمة تحفيز إضافية بقيمة 900 مليار دولار في ديسمبر 2020، وبعدها حزمة تحفيز أخرى تبلغ 1.9 تريليون دولار في مارس 2021 بعد أن تولى بايدن منصب الرئاسة.
لكن المستهلكين ظلوا مترددين في إنفاق أموالهم في الصالات الرياضية أو المطاعم، حيث قد يصابون كوفيد – 19، وفي المقابل قاموا بشراء المزيد من السلع. وتسبب النقص في المواد الخام والعاملين في اختناقات في جميع مراحل سلاسل التوريد، وتعرضت الموانئ للتكدس، واستمرت الواردات في تحطيم الأرقام القياسية.
تقول أنيتا ماركوسكا، كبيرة المحللين الاقتصاديين في شركة جيفريز: "لقد كانت صدمة في معدلات الطلب". "المستهلك الأمريكي أساسًا هو الذي تسبب في هذا الصعود التضخمي، بمجرد رغبته في شراء أشياء أكثر مما يمكن للاقتصاد العالمي إنتاجه."
السلع الأساسية
مع تعافي اقتصاد الدول الأخرى، انتعشت السلع الأساسية العالمية، وإن كانت أقل وفرة، كالنفط، حيث ارتفعت أسعار البترول في الولايات المتحدة بحوالي 50% مقارنة بالعام الماضي.
لم يقتصر ارتفاع السلع على الطاقة، فقد جاء أحد أهم تأثيرات التضخم الوبائي في أسواق الأخشاب، حيث قفزت الأسعار بنحو 70% من أوائل مارس إلى أوائل مايو، مما زاد من قوة تأثير الطفرة على أسعار المنازل.
كما صرح المدير المالي لشركة كروجر، جاري ميلرشيب، في التعليق على تقارير الأرباح الفصلية الصادرة 2 ديسمبر من سلسلة متاجر بقالة كروجر " شوهد ارتفاعًا في معدل تضخم تكلفة المنتج في أغلب الفئات" وذلك في الربع الثالث من العام المالي. مضيفًا أنه "من المنطق أن تصبح التكلفة أعلى على العميل".
أما بالنسبة إلى الأعمال التجارية الأمريكية، فقد تضمنت هذه التكاليف المرتفعة الأجور الإجمالية التي تدفعها المنشأة، حيث واجه أصحاب العمل صعوبات من أجل زيادة أعداد الموظفين بسرعة لتلبية الطلب المتزايد. ففي شهر يونيو، تصدرت شركة شيبوتلي للمشويات المكسيكية عناوين الأخبار بسبب رفعها للأسعار بنحو 4% لتعويض زيادات الأجور، ومن ثم اتبعت شركات أخرى خطاهم باقي العام. على الأقل من وجهة نظر السوق،
كان تقرير مؤشر أسعار المستهلك لشهر سبتمبر نقطة التحول، حيث اتسع الفارق في التضخم ليشمل أكثر من مجرد عدة نقاط، فلم يؤثر الارتفاع الإجمالي للمؤشر فقط، ولكن ساهم الغذاء والسكن بأكثر من نصف هذا الارتفاع، حيث شهدت أسعار الإيجار أكبر قفزة في عقدين.
موقف إدارة بايدن
كانت خطة بايدن تتمثل في إلحاق حزم التحفيز المالية لمواجهة تداعيات فيروس كورونا، باستثمارات تقدر بتريليونات الدولارات في مجالات رعاية الأطفال والتحول للطاقة النظيفة. على الرغم من ذلك، أشار الديموقراطيون المعتدلون في الكونجرس إلى أن الإنفاق الحكومي هو المحرك وراء ارتفاع معدل التضخم، ولهذا رفضوا التصويت على إقرار المزيد منها، الأمر الذي تسبب في تخفيض قيمة خطط الإنفاق الاجتماعي، ويمكن أن تشهد الخطة المزيد من الخفض أثناء التصويت عليها في مجلس الشيوخ هذا الشهر.
وانخفضت نسبة تأييد بايدن، حيث أظهرت استطلاعات الرأي إلى أن الناخبين لا يحبون طريقة إدارته للاقتصاد ويميلون إلى تحميله مسؤولية ارتفاع معدل التضخم، الأمر الذي سبب متاعب لحزبه الذي يجب أن يدافع عن مواطن الضعف الكبرى في انتخابات التجديد النصفي التي ستتم في شهر نوفمبر المقبل.
في الوقت الذي تتوقع فيه أبحاث بلومبيرج الاقتصادية بأن يصل التضخم إلى نحو 7% لشهور قليلة أخرى، إلا أن هناك اتفاق واسع النطاق على أنه سينخفض في وقت ما في العام المقبل.
تشير أسواق الطاقة بالفعل إلى حدوث بعض الهدوء، حيث انخفضت أسعار النفط بنحو 15% منذ أواخر أكتوبر، مما يعني انخفاض تكاليف الوقود والنقل في عام 2022. ومن المتوقع أن يتباطأ تضخم السلع المعمرة مع انحسار الوباء وعودة الأسر إلى أنماط الإنفاق الأكثر طبيعية.
قد يتلاشى تأثير ذلك بسبب تكاليف السكن. ويقول ديفيد ويلكوكس الباحث الاقتصادي ببلومبرج أنه يمكن أن يرتفع معدل النمو بنسبة تتراوح بين 6% و7% بحلول الصيف المقبل، أي نحو ضعف المعدل المحقق في السنوات التي سبقت الوباء.
وربما يكون المجهول الأكبر في عام 2022 هو الأجور، التي ارتفعت بالفعل بشكل أسرع من أي وقت خلال عقدًا من الزمن والذي انتهى بانتشار وباء كوفيد - 19.
وأخيرا يتساءل ماركوسكا من شركة جيفريز: "السؤال بالنسبة لي ليس ما إذا كان التضخم سيتباطأ". "السؤال هو، هل سنعود إلى معدل الـ %2؟ هل سنعود إلى 3%؟ ما هي النسبة في المدى المتوسط؟ وهذا، على ما أعتقد، سيحدده سوق العمل ".