الغاز الطبيعي غير الأحفوري «كنز إفريقيا المفقود» في مواجهة تغيرات مناخية لا ترحم
في ظل حالة من الترقب تنتاب العالم لما ستسفر عنه فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة لـ التغيرات المناخية (COP26)، المزمع انعقاده في غضون أيام في جلاسجو بالمملكة المتحدة، ومع تعاظم الإجماع العالمي للقضاء على انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس للحراري والوصول بها إلى المستوى الصفري بحلول عام 2050، أثيرت سلسلة من قضايا الطاقة والبيئة، لعل أبرزها ما طرحه معهد الدراسات الأمنية الأفريقي (ISS)، ومقره كيب تاون بجنوب أفريقيا، بشأن مصير كنز الغاز الطبيعي الأحفورى المنشأ لدى بعض البلدان الأفريقية التي تبددت آمالها على أعتاب المؤتمر الأممي قبل أن تستفيد من احتياطاتها من الغاز الطبيعي.
ويتساءل الخبير الاستشاري في معهد الدراسات الأمنية الإفريقي بيتر فباريسيوس، هل وصلت الدول الإفريقية الحالمة بـ"كنزها" من الغاز الطبيعي للوقود الأحفوري إلى "الحفل" في الوقت الذي يطفئ فيه منظموه الأنوار ويسدلون الستار؟.
ويشير فابريسيوس إلى أن التجمع العالمي في (COP26) في مدينة جلاسكو البريطانية، سيعكف منذ انطلاقه في 31 أكتوبر الجاري وحتى انتهائه في 12 نوفمبر 2021، على محاولة التوصل إلى اتفاق لتبني معايير صارمة لكبح الاحتباس الحراري والسعي لتقييد الارتفاع الحراري العالمي بواقع 5ر1 درجة مئوية أعلى من مستويات حرارة الأرض قبل عصور التصنيع.
وبينما تتسارع تلك الجهود، فإن هناك ما يقرب من 17 دولة إفريقية ذات احتياطيات نفطية، ومن بينها 15 دولة ثبت لديها احتياطيات غاز طبيعي جديرة بالالتفات، كانت تحلم باستثمار احتياطاتها من الوقود الأحفوري، ولاسيما الغاز الطبيعي، الذي مثل بالنسبة لبعض الدول الإفريقية "كنزًا"، ولاسيما بالنسبة لدول مثل موزمبيق وتنزانيا وأنجولا.
وهنا يتساءل فابريسيوس، هل تبدد حلم تلك الدول في استغلال احتياطياتها من الغاز الطبيعي الأحفوري المنشأ؟ وهل وصلوا متأخراً إلى الحفل؟ وهل يطفئ المؤتمر الأممي (COP26) لدى اختتامه في 12 نوفمبر شعلة الغاز التي لم تكد تٌشعل في آبار الغاز الطبيعي بتلك الدول؟.
وبحسب الخبراء، فقد حظيت تلك القضية باهتمام كبير وكانت مثار قلق عميق عبر عنه المشاركون في "قمة فاينانشيال تايمز - إفريقيا" التي عقدت عبر الفيديو هذا الأسبوع، ويبدي مراسل "فاينانشيال تايمز" توم ويلسون رأيه بمنتهى الصراحة أثناء المؤتمر قائلاً: إنه "بينما تجرى الاستعدادات على قدم وساق لعقد مؤتمر (COP26)، يكرس قادة العالم جهودهم ويطلقون تعهداتهم والتزاماتهم بالتوصل إلى اتفاق بشأن الانبعاثات الصفرية".
وبمزيد من الصراحة يكشف ويلسون أن قادة العالم يحضون شركاتهم بوقف ضخ الاستثمارات في مشروعات نفطية وغازية ذات انبعاثات كربونية كثيفة، لافتًا إلى أن إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لا تتسبب إلا في بنسبة ضئيلة جدًا من الانبعاثات في ظل حقيقة أن معظم دولها فقيرة في موارد الطاقة، غير أنها الأكثر انكشافًا وتعرضًا لأضرار الاحتباس الحراري وتداعياته ومخاطرة، على حد تأكيده، قائلاً "تلك الدول التي تملك وقودًا أحفوريًا لم تتمكن من تعظيم انتفاعها به، والدول الأخرى التي لا تملكه وتفتقر للبينة التحتية عليها التحرك صوب موارد الطاقة المتجددة".
ويشير ويلسون، أثناء القمة التي عقدت عبر دوائر الفيديو، إلى أن أنجولا مثلت حالة الدراسة لهذه المشكلة، فهي بين الدول الأكثر اعتمادًا على النفط الذي يشكل 70 في المئة من الإيرادات الحكومية، و90 في المئة من مصادر النقد الأجنبي للبلاد، وهي الآن تقع تحت ضغوط عالمية هائلة لإبطاء أو وقف إنتاجها من النفط والغاز الطبيعي الأحفوريان، فما هو مصيرها؟.
ويقر وزير النقل الأنجولي ريكاردو فيجاس دابريو بأن مثل تلك القضية تمثل أحد التحديات الكبرى التي تواجه اقتصاد بلاده، الذي يعتمد بكثافة على النفط الأحفوري، وهو ما يعني أنه سيتعثر ويعاني من أجل إيجاد موارد أخرى للوفاء بمتطلبات أنجولا واحتياجاتها الاقتصادية والاجتماعية، وهذا الأمر لفت إليه الرئيس الأنجولي جواو لويرنكو من أن إنتاج بلاده من النفط الأحفورى ينحسر في الوقت الذي يعزف فيه العالم ويتجه بعيدًا عن الوقود الأحفوري، ولدى سؤاله عن خططته لجذب استثمارات في قطاع النفط والغاز وتنويع اقتصاد بلاده، أجاب قائلا إن "بلاده تعمل بجد لجذب استثمارات في مجال النفط، وعلى الأخص في مجال الغاز غير المصاحب، وعلى سبيل مثال استثمار احتياطيات الغاز الطبيعي غير الأحفورية".
ودعا الرئيس الأنجولي إلى تبني "أجندة إفريقية شاملة" تطالب بالسماح بالانتقال التدريجي بالنسبة للقارة الإفريقية، وقد حظيت فكرة "النهج المتوازن" دعماً ملحوظاً، وهنا يشير نائب رئيس شركة "كوزمو إنيرجي" مايك أندرسون إلى أن منشأة تسييل الغاز الطبيعي العملاقة التي تشيدها شركة "كوزموس" بالتعاون مع "بريتش بتروليوم" في موريتانيا والسنغال تعد أمراً حيوياً لتحول الطاقة بالنسبة لكلا الدولتين.
وهناك العديد من الدول التي استندت إلى الغاز الطبيعي بوصفه انتقالاً إلى الطاقة الصديقة للبيئة (الهيدروجين الأخضر)، وهو مصدر طاقة يدفع الاتحاد الأوروبي بقوة لتبني استخداماته.
ويقول أندرسون إن "وزير الطاقة السنغالي أخبر الأمم المتحدة أخيرًا أن إحباط إنتاج الغاز الطبيعي أمام الدول التي تتمتع بإمدادات طاقة موثوقة منه سوف يخلف تداعيات كارثية اقتصادية واجتماعية على تلك الدول"، مضيفا: "فعلى سبيل المثال، فإن دولة مثل أنجولا، بما تتمتع به من احتياطيات نفطية ضخمة تقوم بمشروعات طاقة كهربية تولد 5 آلاف ميجا وات فقط لتلبية احتياجات سكانها البالغ تعدادهم 35 مليونا، وهو ما يعادل الطاقة الكهربية التي تستهلكها كرواتيا، التي لا يتجاوز سكانها 5 ملايين نسمة".
ونبه خبير التغيرات المناخية في معهد الدراسات الأمنية الإفريقي ديزيجين نايدو إلى أنه في الوقت الذي يتوافر فيه الإجماع على أن الفحم بصدد الخروج من المعادلة والنفط الخام سيخرج بعده، فإن ما بات شائعاً أن الغاز الطبيعي يعد تحولاً لطاقة متجددة مستقبلية، ويعود ذلك جزئياً إلى أن تقنيات الطاقات المتجددة غير مهيأة حالياً لتلبية أعباء الطاقة الرئيسية الراهنة وتحتاج إلى عقد آخر من التنمية.
وطالب بضرورة أن تحظى الدول الإفريقية المنتجة للنفط والمنتجة للغاز الطبيعي بمزيد من الوقت لتطوير احتياطياتها والانتفاع منها من أجل تحسين ظروف شعوبها، قائلا "علينا أن نتعلم من تاريخ القارة، أننا لم ننعم بحق استغلال وتحويل تلك الأصول إلى مكاسب حقيقة يُنتفع بها محلياً".
ويحذر نايدو من أنه ما لم تتعلم إفريقيا من أخطاء الماضي، وما لم تحسن استثمار أصولها واستخدامها، فإنها ستهدر فرص التنمية، وإذا أنكرت تلك الفرصة لأسباب مناخية، فإن الدول الثرية عليها أن تعوضها بـ100 مليار دولار سنوياً، وهو ما وعدت به لمساعدة الدول النامية لتخفيف آثار التغيرات المناخية والتكيف معها، مضيفا: أن "إفريقيا ليست منتفعة من التغيرات المناخية".
وأشار إلى أن 100 مليار دولار هي في الواقع تعادل نحو 80 مليار دولار، بمعنى أن الأمر سيتوقف على الدول المتقدمة لإقرار كم من الوقت أمام مستقبل الغاز الطبيعي الإفريقي، ذلك الكنز الذي يخشى أن تفقده إفريقيا على أعتاب مؤتمر الأمم المتحدة للتغيرات المناخية وانبعاثاته "الصفرية.