صدام هيكل والسادات.. «الرئيس يملك إخراجي من الأهرام.. وأين أذهب قراري وحدي»
تميز محمد حسنين هيكل، الذي ولد في مثل هذا اليوم من 98 عامًا بموهبة صحفية، وحضور إعلامي وسياسي نادر على الساحة الدولية، لم يحظى به صحفي مصري وعربي مثله.
علاقات هيكل الكثيرة والمتشعبة التي وصلت في كثير من الأحيان لصداقات مع رؤساء وملوك دول جعلته دائمًا محل نقد وإعجاب في نفس ذات الوقت.
باقوس مسقط رأس أسطورة الصحافة العربية
في 23 سبتمبر 1923، استقبلت قرية باقوس التابعة لمحافظة القليوبية مولدها الجديد محمد حسنين هيكل، الذي انتقل للعيش والدراسة بحي الحسين بمدينة القاهرة.
"الإيجبيشيان جازيت" بداية الأستاذ الحقيقية
اتجه هيكل أو "الأستاذ" كما يلقبه تلاميذه للعمل بالصحافة في سن مبكرة، ودخل "بلاط صاحبة الجلالة" من خلال جريدة"الإيجيبشيان جازيت" كمحرر بقسم الحوادث.
صناعة مجد "الأستاذ" وأسطورته الصحفية بدأت بعد نقله من الحوادث إلى القسم الخارجي بنفس الجريدة، وعمله كمراسل حربي يغطي معارك الحرب العالمية الثانية.
رسائل هيكل الصحفية المميزة بـ"الإيجيبشيان جازيت"، لفتت أنظار الكاتب الصحفي محمد التابعي، الملقب بـ"أمير الصحافة المصرية" ورئيس تحرير مجلة"آخر ساعة"، فطلبه للعمل معه، وظل هيكل يعمل مع التابعي إلى أن تسلم منه رئاسة تحرير المجلة عام 1951، بعد انتقال ملكيتها للأخوين مصطفى وعلي أمين مؤسسين جريدة أخبار اليوم.
جولاته الصحفية وصلت للشرق الأقصى
شغف "الجورنالجي"، وهو أحد ألقاب هيكل المحببة لنفسه، بالبحث والتنقيب والحصول على المعلومة من مصدرها، وتحقيق الانفراد الصحفي، كجعله يعمل كمراسل متجول لجريدة أخبار اليوم بمنطقة الشرق الأوسط التي كانت في أوج اشتعالها بالأحداث حينها، فنقل الأحداث من الشرق الأقصى حتى أنه سافر كوريا، وعاد منها ليجوب أفريقيا، ثم يعود لبلاد البلقان.
"إيران فوق البركان" أول أعمال الأستاذ
"إيران فوق البركان" هو أول كتاب لهيكل، صاحب الـ40 مؤلف، حيث كتبه بعد رحلة إلى إيران استغرقت شهرا كاملا، وطبع في 8 فصول عام 1951، والكتاب محصلة شهر عاشه هيكل في إيران، على إثر مقتل رئيس وزرائها الجنرال على رزم آراه يوم 7 مارس 1951.
هيكل من صحفي قريب للحدث لصانع له
المحطة الأهم في تاريخ حسنين هيكل، والتي حولته من "صحفي قريب جدًا من الحدث إلى صحفي صانع له" كما كان يصف نفسه في الكثير من برامجه التليفزيونية، كانت عام 1957 عندما تولى رئاسة مجلس إدارة وتحرير جريدة الأهرام، وظل يكتب فيها زاويته الأسبوعية الشهيرة التي تنشر صباح كل يوم جمعة "بصراحة".
"أهرام هيكل" من المحلية للعالمية
في عهد "الجورنالجي"، تحولت جريدة الأهرام من مجرد جريدة عريقة إلى صحيفة عالمية، بفضل التصريحات الخاصة التي كان ينفرد بها من مصادر عالمية. حتى أن الأهرام في ذلك الوقت كان يطلق عليها "أهرام هيكل".
ما عزز مكانة هيكل عالميًا قربه من الرئيس جمال عبدالناصر، والعلاقة التي اتسمت بالصداقة أكثر من كونها علاقة رئيس دولة برئيس تحرير صحيفة كبرى.
كتبه العديدة كانت تعكس غزارة إطلاعه، ومتابعاته لأحداث الزمن الذي عاشه، وعلاقاته بصناع السياسة في بلدان مؤثرة بالشرق الأوسط وأوروبا وأميركا والاتحاد السوفييتي سابقاً.
"ما الذي جرى في سوريا" شهادة هيكل علي الوحدة
من أهم مؤلفات هيكل كتاب "ما الذي جرى في سوريا"، الصادر عام 1962، وهو عبارة عن شهادة هيكل على 3 سنوات من الوحدة بين مصر وسوريا في ظل "الجمهورية العربية المتحدة"، وانهيارها السريع والتحول الدراماتيكي في سوريا.
يقدم هيكل في كتابه "خبايا السويس" قراءته لأحداث تأميم قناة السويس، وحرب العدوان الثلاثي التي شنتها بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر.
"الأهرام للدراسات السياسية" مرجعية صانع القرار المصري
عام 1968 أسس هيكل مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية الذي يعتبر من رواد مراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم العربي، ومرجعاً ومصدراً في صنع الأفكار والسيناريوهات الاستراتيجية لصانع القرار المصري.
تولى حقيبتي الخارجية والإعلام في نهاية عهد عبدالناصر
عين هيكل سنة 1970 وزيراً للإعلام، وأضيفت له حقيبة وزارة الخارجية لمدة أسبوعين فقط مع نهاية حقبة حكم جمال عبد الناصر.
حظى هيكل بثقة الرئيس السادات في بداية حكمه، حتى أه كتب له خطاب النصر الذي ألقاه أمام مجلس الشعب في أكتوبر 1973.
السادات يعين هيكل مستشارا له.. والأستاذ يرفض
تحولت علاقة هيكل بالسادات للنقيض لاختلاف في وجهات النظر السياسية. في فبراير 1974 أعتذر هيكل عن تولي منصب مستشار للرئيس.
وكان آنذاك تصريحه الشهير لوسائل الإعلام:"إن الرئيس يملك أن يقرر إخراجي من "الأهرام"، وأما أين أذهب بعد ذلك فقراري وحدي، وقراري هو أن أتفرغ لكتابة كتبي وفقط".
في نهاية حكم السادات أعتقل هيكل ضمن اعتقالات سبتمبر الشهيرة، الذى كتب عنها كتابه الشهير"خريف الغضب"، تفرغ هيكل للكتابة وتقديم البرامج التليفزيونية التي يحكي فيها تجاربه، ويروي شهادته الحية على العصور والملوك والرؤساء.
عطاءه الفكري أزداد مع تقدمه في العمر
مع تقدمه في السن، ازداد عطاء هيكل الفكري والإعلامي، فقد نشرت له في العقدين الأخيرين مؤلفات سياسية وتاريخية مهمة عن الصراع العربي الإسرائيلي، ومحادثات السلام وحروب الخليج.
ويتفق مؤيدوه وخصومه على أن رحيله يوم 17 فبراير 2016 يشكل خسارة كبيرة للصحافة والسياسة في العالم العربي.