«المعاهد الأزهرية»: الهجرة النبوية كانت تحولا إيجابيا نحو بناء الدولة المدنية
قال الدكتور سلامة داوود، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، إن الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة كانت حدثًا فارقًا في تاريخ الإسلام، انتقل به المسلمون من الضعف إلى القوة، ومن الذل إلى العزة، ومن الضيق إلى السعة، وسيظل هذا المعنى درسًا جليلًا وعبرة باقية لكل أمة أرادت أن تقدم وتهجر الضعف والجهل والتخلف، مضيفًا أنه ما تزال هذه الأمة بخير ما علقت أجيالها بمعالي الأمور، وحببتها إليها، وكرهت إليها الكسل والتراخي وضياع الأعمار في توافه الأمور وصغائرها، ورُب همة أحيت أمة، وقليل الخير يجر إلى كثيره.
جاء ذلك خلال احتفالية نظمها الأزهر الشريف اليوم بعنوان: (هجرة المصطفى- صلى الله عليه وسلم- عبرة وعظة) بمناسبة العام الهجري الجديد 1443ه، وذلك بحضور الدكتور سلامة داود، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، والدكتور حسن الصغير، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، والدكتور سعيد عامر، الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، ولفيف من قيادات الأزهر وعدد من وعاظ وواعظات الأزهر.
وأوضح رئيس قطاع المعاهد الأزهرية أنه يجب الثقة بأن الله تعالى لا يخذل من أخلص وأخذ بالأسباب وأتقن عمله، وإن انقطعت به الأسباب، وأُحِيط به، وتقطعت به السبل، مبينًا أن المحبة والتآلف أهم وسائل النجاح في كل أمة وفي كل مؤسسة، أما غرس الكراهية والتباغض بين الأفراد فهو العامل الأكبر للفشل، والطريقة الرشيدة السديدة للرقي تبدأ من جمع الفرقاء، وتأليف القلوب والسير نحو هدف واحد وغاية واحدة، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، حينما هاجر إلى المدينة آخي بين المهاجرين والأنصار، فألف بين قلوبهم، فصنعت الأخوة والمحبة منهم جيلاً هو خير جيل ظهر على وجه البسيطة.
من جانبه، قال الدكتور حسن الصغير، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، أن احتفال أهل العلم بهجرة النبي يتضمن جانبين: الأول يتعلق بمضي سنة ماضية وقدوم سنة جديدة، والثاني: أن الدعاة والمعلمين عليهم أن يتأسوا بالنبي- صلى الله عليه وسلم- والواجب على كل معلم أن ينظر في حاله هل أدى واجبه على أكمل وجه أم قصر فيه، فلابد من الإخلاص لله-عز وجل- وأن نهاجر ليس هجرة مكان وإنما نظر في أحوالنا وحال التعليم والارتقاء به، لتتقدم بلادنا.
وأكد أمين عام هيئة كبار العلماء، أن علماء هذه الأمة عليهم حمل ثقيل وأمانة كبيرة في نشرة الدعوة إلى الله، وإنتاج منهج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وأننا بحاجة إلى أن نتواصى بالحق وبالصبر في كل أمور حياتنا، وأن نطبق معايير الجودة الشرعية في أفعالنا لتتحسن أحوالنا وتصلح مجتمعاتنا.
وفي السياق ذاته، بيّن الدكتور سعيد عامر، الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني، أن هجرة رسول الله ﷺ من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة حدث تاريخي عظيم غير مجرى التاريخ البشري، موضحًا أن الأمة في حاجة ماسة إلى استلهام العبر والعظات التي تشحذ الهمم وتقوي العزائم وتجدد الأمل وتدفع عوامل اليأس والقنوط، وتأخذ بأيدينا إلى طريق النصر والتمكين ورقي المجتمع، فقد كانت الهجرة فرقانا بين الحق والباطل، وتحولًا إيجابيا نحو بناء الدولة المدنية، ولا يكون ذلك إلا بالأخذ بالأسباب والتنظيم والتخطيط، وحسن التوكل على الله والاعتماد عليه، ففي حديث الهجرة خطط النبي ﷺ تخطيطًا محكمًا من بداية الرحلة إلى منتهاها، وقد اتفق علماء المسلمين على احترام قانون السببية، وربوا عليه أتباعهم، وأشاعوه بين العامة والخاصة.
واختتم الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني، كلمته بأننا أمرنا باحترام قانون السببية، ثم أمرنا بالتوكل، فالأسباب لا تبلغ نتائجها إلا في حماية الله ورعايته، مضيفًا أنه يجب على الناس أن يجمعوا كل ما يملكون من أسباب، ثم يتوكلوا على الله لكي يتمم لهم ويحفظ عليهم ما جمعوا ويبلغ بكل شيء هدفه الذي نطلبه له، مؤكدًا أن النبي ﷺ قد حقق صدق اليقين وحقيقة التوكل على الله، فنال معية الله عز وجل، وهذا يؤكد أن الإسلام دين التوازن فلا تعارض فيه بين العقل والقلب، ولا بين التوكل والأخذ بالأسباب، وتفاصيل الرحلة شاهدة بذلك.