خشية انهياره.. حكم نهائي بإخلاء أحد عقارات المساكن الاقتصادية بالإسكندرية
تحول حكم محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الصادر بجلسة 29 يناير 2013، بإخلاء ساكني أحد العقارات بالمساكن الاقتصادية بمنطقة العامرية لخطورة حالته الإنشائية وخشية انهياره في أي وقت، وما يترتب على ذلك من أثار أخصها إلزام هشام قنديل رئيس الحكومة في عهد الإخوان بتوفير مسكن ملائم بديل لأسر العقار، إلى حكم نهائي وبات بعد عدم الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا.
وألزمت المحكمة في منطوق حكمها الصادر برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، رئيس محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، رئيس الجمهورية آنذاك، بإعمال العدالة الانتقالية في جرائم انهيار المباني بالإسكندرية والبناء العشوائي الذي خلت الأوراق من تطبيقه عقب أحداث 25 يناير 2011 ومدة اعتلائهم الحكم على النحو المبين بالأسباب، وألزمت الحكومة المصروفات.
وقالت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية وقت صدور الحكم، إن الدستور الساري في ذلك الوقت الصادر في ديسمبر عام 2012 جعل المسكن الملائم حق مكفول وألزم الدولة بخطة وطنية للإسكان تقوم على العدالة الاجتماعية, إلا أنه بات حقاً نظرياً فحسب في ذلك العهد.
وأضافت المحكمة أنها وهي جزء من نسيج هذا الوطن إيمانا منها بواجبها الدستوري في بسط العدالة على جموع الشعب، فإنها وقد قضت بإخلاء المسكن الذى تملكه الحكومة من شاغليه لوجود خطورة على حياتهم من حالته الإنشائية المتردية لم تتخذ حكومة هشام قنديل عام 2012 ما يجب اتخاذه للحفاظ على الأرواح والأموال لقاطني ذلك العقار، ومن ثم دعت المحكمة رئيس الجمهورية عام 2012 إلى سرعة التدخل التشريعي الحاسم للنظر في القرار الجمهوري رقم 2095 لسنة 1969 الخاص بالمساكن المصلحية وإعادة تنظيمه من جديد في ضوء حكم المادة (67) من دستور 2012 لتحقيق صالح البسطاء ولتكون حقوقهم الدستورية مواكبة للدستور، وبما يحقق العدالة الاجتماعية ويحفظ للأسرة المصرية كرامتها في إيجاد المسكن البديل الملائم.
ومن ثم تلزم الحكومة عام 2012 بأن تجد مسكن ملائم بديل لصالح هؤلاء البسطاء خاصة إذا قضى المواطن حياته منذ تعيينه حتى بلوغه سن الستين، وتكون أسرته قد تشكلت وتربت أطفالها وكيانها على نحو تعتمد فيه على هذا المسكن دون أن تتوافر لها القدرة على شراء مسكن بديل في ظل أزمة الإسكان الطاحنة وارتفاع الأسعار، إلا أن أحكام دستور 2012 تسير في وادٍ، وتسير نصوص القوانين فى وادٍ آخر فتنعدم الفائدة المرجوة التي استهدفها دستور 2012 مما جعل الحق في المسكن الملائم محض حق نظري وهو ما سوف يؤدي إلى انصراف الشعب عن الثقة المشروعة في النظام الحاكم عام 2012 بعد أحداث 25 يناير 2011 .
وأشارت المحكمة أنه بحكم ولايتها في إرساء قيم الحق والعدل إزاء عدم تطبيق النص الدستوري الخاص بتوفير المسكن الملائم وما يتبعه من سرعة انتشار البناء العشوائي دون ضابط أو رابط مما ترتب عليه ظاهرة البناء العشوائي وانهيار المباني، تجد لزاماً عليها أن تدعو رئيس الجمهورية عام 2012 إلى تطبيق العدالة الانتقالية وهى التي لم يطبقها أو يضعها موضع الاهتمام، وهي لا تحتاج إلى تشريع يقرها أو قواعد تنظمها بحسبانها لغة عالمية تطبقها الدول من تلقاء نفسها عقب الثورات أو الحروب وتستمد مصدرها من كفاح الشعوب، والفلسفة التي تقوم عليها تكمن في إنهاء ثقافة الإفلات من العقاب، إلا أنها لم تجد طريقاً للتطبيق، مما لا يمكن معه أن تستقر نفوس الشعب أو تهدأ، على نحو سيؤدي إلى انهيار الثقة الاجتماعية في نظام حكمهم.
وأوضحت المحكمة أن دعوتها لرئيس الجمهورية عام 2012 بإعمال العدالة الانتقالية التي كشفت الدعوى عن عدم اتخاذ أي إجراء منها يأتي لمواجهة البناء العشوائي والجرائم التي تمت ضد التراث المعماري لمدينة الإسكندرية على مدار سنوات لمن لا يقدر معاني الحضارة وتم إهدار هذا التراث فقد سُمح بهدم الفيلات ذات القيمة التاريخية والفنية التي كانت للدولة المصرية مصلحة قومية في صيانتها, وبناء بنايات شاهقة, منها على سبيل المثال لا الحصر، قصر أحمد شوقى أمير الشعراء بستانلى, وقصر عثمان باشا محرم بسيدي بشر، وقصر مصطفى النحاس بزيزينيا، وقصر موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بجليم، وقصر صيدناوي بشارع سوريا برشدي، وغيرها من ثروة الإسكندرية المعمارية والتاريخية التي تم العدوان عليها على مدار أجيال وهي المسجلة في منظمة اليونسكو، الأمر الذي ازداد سوءاً بعد أحداث 25 يناير 2011 وبلغ قمة الانحدار عام 2012
واستطردت المحكمة أن عام 2012 شهد انتشار البناء العشوائي كهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ بسبب عدم مراعاة أصول المهنة وعدم الدقة في تنفيذ الأعمال وإهمال المهندسين في الملاحظة والإشراف والغش في استخدام مواد غير مطابقة للمواصفات الفنية وغياب الرقابة من جهاز التفتيش على أعمال البناء والإهمال الجسيم للمحافظين الذين عينوا عام 2012 فلم يكن هناك إزاء البناء العشوائي ثمة دور حقيقي أو خطة علمية مدروسة للحد من تلك الظاهرة، رغم أن مدينة الإسكندرية كانت أعظم مدينة في العالم القديم وكانت مصر تتباهى بجمالها وسحرها بين مدن العالم, إذ كانت بها منارة الإسكندرية القديمة أحد عجائب الدنيا السبع, وكذلك مكتبة الإسكندرية القديمة التي كانت تسمى بدار الحكمة وكانت مركز إشعاع ثقافي للدول المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط خاصة أثينا وروما, فكانت بمثابة حاضرة العالم الهلنيستي، وكانت مبانيها فضلاً عن متانتها مراَة لروعة الفن والجمال، فقد كانت مدينة لها قدسيتها الثقافية والجمالية مُحكمة بأبواب وشوارع متوازية مُعمدة في الإبداع، وبما لا تجاوز مبانيها حداً من الارتفاع غير المألوف، لذا فإن ظاهرة البناء العشوائي وانهيار المباني تمثل اعتداءً صارخاً لمشاعر المساكين الحالمين بالمسكن، الراغبين فى الاستقرار والساعين للأمان، كما تمثل تخريباً للاقتصاد القومي وتشكل تهديداً وترويعاً لأرواح الاَمنين وسلامتهم وسلامة ممتلكاتهم .