وزير الأوقاف: جبر الخواطر من شيم الكرام وأعظم العبادات
أكد وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، أهمية التراحم فيما بيننا، مستدلًا على ذلك بقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : "مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى".
وأضاف وزير الأوقاف، في خطبة وصلاة الجمعة التي أداها بعنوان: "جبر الخاطر وأثره على الفرد والمجتمع" بمسجد (عباد الرحمن) بقرية العراقي بمركز أبو حماد بمحافظة الشرقية ـ أن ديننا دين الإنسانية في أسمى معانيها، دين مكارم الأخلاق، ومن أسمى مكارم الأخلاق؛ جبر الخواطر، كما دعا إلى أهمية استعادة كل قيم التراحم فيما بيننا، فديننا يعلمنا أن نجبر خاطر الناس جميعًا، وبخاصة الفقير والضعيف واليتيم والمسكين، فخير الناس أنفعهم للناس، وأمة بلا قيم أمة بلا حياة، فديننا وحضارتنا يرسخان لقيم التسامح، موضحًا أن الإسلام قد وصى بجبر خاطر الجميع.
حضر الخطبة فضيلة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، والدكتور ممدوح غراب محافظ الشرقية، واللواء محمد والي مدير أمن الشرقية، والشيخ مجدي بدران مدير مديرية أوقاف الشرقية، والشيخ زكريا الخطيب مدير مديرية أوقاف المنوفية، والدكتور محمد إبراهيم حامد وكيل مديرية أوقاف الشرقية، وعدد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ بمحافظة الشرقية، وعدد من القيادات الأمنية والشعبية بالمحافظة.
وقال وزير الأوقاف، إن المتكبر هو الله فمن جبر خاطر الخلق جبر الله خاطره في الدنيا والآخرة، ومن تكبر على الخلق فالمتكبر كفيل به.
وتابع وزير الأوقاف: يقول سفيان الثوري: "ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم"، ورب العزة سبحانه وتعالى سمى نفسه في كتابه العزيز "الجبار" يقول الحق سبحانه: "هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ"، ومعنى الجبار هو الذي يجبر عباده، وكما قال الإمام القرطبي (رحمه الله) في دلالة هذه الآية: "فهو سبحانه الذي يجبر الكسير، ويُعطي الفقير، ويغفر للمذنبين، ومن ذلك ما حكاه القرآن الكريم في قصة أم سيدنا موسى (عليه السلام) عندما فارقها ابنها، يقول سبحانه: "فَرَدَدْنَهُ إِلَى أُمِّهِ كَي تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"، ويجبر خاطر السيدة سارّة زوج سيدنا إبراهيم (عليه السلام) فيقول سبحانه : " وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ" ، وعندما خرج سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) من مكة ونظر إليها نظرة المحزون قائلًا : "واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إليَّ ولولا أن أَهْلَكِ أخرَجوني منكِ ما خَرجتُ" يأتي جبر الخواطر الإلهي بقوله تعالى : " إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ" فأبشر يا محمد ستعود فاتحًا منتصرًا إن شاء الله تعالى ، ولما أحزنه (صلى الله عليه وسلم) تكذيب قومه له ، وعدم إيمانهم به ، جاءه جبر الخواطر الإلهي والمواساة الإلهية بقول رب العزة سبحانه: "قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ" ، ويقول له الحق سبحانه : "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا" .
وأوضح وزير الأوقاف أن الحق سبحانه أمرنا أن نجبر الخواطر، ففي الحديث القدسي : "إنَّ اللَّهَ (عزَّ وجلَّ ) يقولُ يَومَ القِيامَةِ : يا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أعُودُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ وكيفَ أُطْعِمُكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي، يا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي، قالَ: يا رَبِّ كيفَ أسْقِيكَ؟ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ، قالَ: اسْتَسْقاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أما إنَّكَ لو سَقَيْتَهُ وجَدْتَ ذلكَ عِندِي" ، ولذلك كانت السيدة عائشة (رضي الله عنها) تطيِّب الدراهم قبل إخراجها وتقول : إن الدرهم ليقع من يد الله بمكان قبل أن يقع في يد الفقير .
وقال وزير الأوقاف : كذلك عند تقسيم الميراث ، يقول الحق سبحانه : "وإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا " ، وذلك جبرًا لخاطرهم وتطييبًا لنفوسهم ، أما في شأن الوالدين ، فقد نحا القرآن منحى آخر ، فقال سبحانه : "إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" قولًا فيه مودة ، وليس هذا للوالدين فحسب ، فقد قال سبحانه : " وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" ، ويقول (عز وجل) :" وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" ، ويقول سبحانه : " الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ" وهذا في الكلام ، فالإنسان الخبيث هو الذي يقول الكلام الخبيث ، أما الإنسان الطيب "وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ" فالكلمة الطيبة صدقة.
واستشهد وزير الأوقاف بقول الله تعالى في شأن سيدنا يوسف عليه السلام : "فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ" ، أجلسهما على سرير الملك إكرامًا وتبجيلًا وتقديرًا لشأن الوالدين ، ليس هذا فحسب بل وعندما دخل عليه إخوته قال : "أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ" ، وأنا خير المضيفين ، وأنا أفضل من يكرم الناس وينزلهم منزلتهم ، حتى عزيز مصر عندما اشترى سيدنا يوسف (عليه السلام) قال لامرأته : " أَكْرِمِي مَثْوَاهُ " ، فمصر بلد مضياف على مر التاريخ ، وأهلها أهل كرم ومروءة على مر التاريخ ، حتى كتب كثير من الكتاب لقد مر على مصر أزمنة عديدة لم يكن فيها جائع ولا محتاج ، لا من أبنائها ، ولا من المقيمين بها ، ولا من الوافدين إليها لكثرة خيراتها وأفضالها وكثرة محسنيها.
وقال وزير الأوقاف : لقد علمنا ديننا أن لا ننهر الضعيف ، يقول الله (عز وجل) مخاطبًا نبينا (صلى الله عليه وسلم) : " وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى" كم منا من فقير أغناه الله ، كم منا من ضعيف قواه الله ، كم منا من كسير جبره الله ، فرد الجميل وشكر النعمة : " فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ " ، يقولون أعط السائل أو رده ردًا جميلا ، كما قال الله (عز وجل) : " قوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ " ، ولنتذكر جميعا ولا سيما من قد أنعم الله عليه بمال أو جاه أو ولد أو صحة أو نعمة تذكر قوله تعالى : "كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ" ، كنتم ضعفاء فقواكم الله ، كنتم فقراء فأغناكم الله ، "وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ " الجبَّار هو الله ، والمتكبر هو الله فمن جبر خاطر الخلق جبر الله خاطره في الدنيا والآخرة.