الرحلة الأخيرة لـ«ذبيح الجيزة».. قرر جلوس والده في البيت والإنفاق على علاجه فعاد جثة
«قبلة على جبين والديه».. هكذا ودع "سعيد غريب" (11 سنة)، أسرته، قبل أن يذهب إلى عمل كـ"سائق توكتوك"، قائلًا: "إن شاء الله ربنا يرزقني يابابا النهارده وأقدر أجيب قرش علشان أجيبلك العلاج". إلا أن الطفل لم يعد ليحقق الوعد الذي قطعه، ومات وهو يدافع عن وسيلة "أكل عيشه".
رفض "سعيد" التفريط في التوك توك الذي يعمل عليه، تذكر وقتها والده الراقد في المنزل وازداد إصرارًا الطفل الذي يبلغ من العمر 11 عامًا على عدم تركه لأشقياء الثلاثة الذين حاولوا سرقته بمنطقة أطفيح بمحافظة الجيزة، ليقرر اللصوص إنهاء حياته بذبحه وإلقاء جثته في الشارع.
لم يرض الطفل أن يقف مكتوف الأيدي بعدما مرض والده "عمود البيت"، وصمم أن يبحث عن لقمة العيش بأي ثمن وفي أي مكان حتى يتحصل على أموال للإنفاق على البيت، وعلاج والده المريض، ونصحه الأقارب بالعمل على توكتوك في المنطقة "أنت راجل البيت دلوقتي ولازم تشتغل علشان تصرف على علاج أبوك والبيت".
ذابت قدما الطفل النحيل في رحلة البحث عن عمل، ولم يجد عملا مناسبا له خاصة أن الصحة "على قد الحال"، وبعد أيام من الشقاء، تلقى مكالمة من أحد الجيران، يطلب منه أن يحضر إلى "موقف التكاتك"، لتسلم وردية للعمل على توك توك.
على الفور، ذهب "سعيد" إلى مكان العمل، خاصة أنه استدان لكل من هب ودب للإنفاق على أسرته، ومرت عدة أيام على عمله، كان الشاب يخرج من المنزل في تمام الساعة السادسة صباحًا ويعود في الثالثة فجر كل يوم.
السبت قبل الماضي، عقارب الساعة أشارت إلى الثانية بعد منتصف الليل، استوقف "سعيد" شاب في المنطقة، وطلب توصيله إلى منطقة المقابر، وما أن وصل إلى مكان مظلم، حتى طلب منه التوقف لاصطحاب شابين آخرين متوقفين بجانب الطريق، لكنه شعر بالغدر في عينه فرفض، ليفاجأ بقيام الشاب بحنقه من الخلف.
أوقف التوك توك، وهم الأشقياء الثلاثة نحوه، وطلبوا منه النزول، لكنه رفض وأصر على عدم تركه لهم، وسط توسلات منه بأن يتركوه لحال سبيله، "والنبي أنا أبويا مريض والتوكتوك مش بتاعي"، لم يهتم المتهمون الثلاثة بكلام وتوسلات "سعيد"، وأصروا على سرقته، فقاومهم بشدة حتى أمسك أحدهم برأسه وقام بذبحه داخل التوكتوك، وألقوا بجثته في الشارع وفروا هاربين.
بعد دقائق معدودة من الواقعة تفاجأ قائد سيارة بالشاب غارقا في دمائه، فبادر بالتوقف وحاول إسعافه لكنه فشل، وعلى الفور قام بالاتصال بالنجدة التي حضرت وعاينت الجثة.
وقال أحد أفراد عائلة المجني عليه، أن الضحية يعمل سائق توك توك، لمساعدته أسرته في الإنفاق بعد تعرض والده لإصابة منذ سنوات خلال حادث، وأنه خرج للعمل بالتوك توك، إلا أنه بعد مرور عدة ساعات انقطع الاتصال به، وبدأ أفراد أسرته في البحث عنه، وبسؤال زملائه من سائقي التوك توك دون جدوى، وانتهت عمليات البحث بالعثور على جثته وسط المقابر، وأن المناظرة الأولية للجثة تشير إلى تعرضه للخنق، بدافع سرقة التوك توك.
تلقى مركز شرطة أطفيح بلاغا يفيد العثور على جثة طفل ملقاة وسط المقابر، انتقل رجال المباحث إلى محل الواقعة، وتم العثور على جثة الطفل، واختفاء التوك توك الخاص به، وحرر محضر بالواقعة، وجارى تكثيف التحريات لكشف ملابسات مقتله، والتوصل لهوية قاتله، وتولت النيابة التحقيق.