وزير الأوقاف في خطبة الجمعة: الهجرة النبوية أعظم نقطة تحول بتاريخ الإسلام
ألقى الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف اليوم الجمعة، خطبة الجمعة بعنوان: "من دروس الهجرة النبوية.. المسجد والسوق والعلاقة بينهما" بمسجد سيدي " علي زين العابدين" (رضي الله عنه) بحي زين العابدين بالقاهرة، وذلك في إطار دور وزارة الأوقاف التنويري والتثقيفي، ومحاربة الأفكار المتطرفة، وغرس القيم الإيمانية والوطنية الصحيحة، بحضور الدكتو عبد الهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية رئيس لجنة التضامن والأسرة بمجلس النواب، والدكتورمهران عبد اللطيف رئيس حي السيدة زينب نائبًا عن اللواء خالد عبد العال محافظ القاهرة، وأ.د محمد محمود أبو هاشم أمين سر لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب، والشيخ خالد خضر مدير مديرية أوقاف القاهرة، وذلك بمراعاة الضوابط الاحترازية والإجراءات الوقائية والتباعد الاجتماعي.
وفي خطبته أشار إلى قول النبي (صلى الله عليه وسلم): " احفظِ اللَّهَ يحفظكَ، احفظِ اللَّهَ تجدْهُ تجاهَكَ، إذا سألتَ فاسألِ اللَّهَ وإذا استعنتَ فاستعن باللَّهِ، واعلم أنَّ الأمَّةَ لو اجتمعت على أن ينفعوكَ بشيءٍ لم ينفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لكَ ، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوكَ بشيءٍ لم يضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعتِ الأقلامُ وجفَّت الصُّحفُ" ، وكان يقول (صلى الله عليه وسلم) : " اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بمقادير اللّه", ويقول الشاعر:
إِذا لَم يَكُن عَونٌ مِنَ اللَهِ للِفَتى * فَأَكثَرُ ما يَجني عَلَيهِ اِجتِهادُهُ
ويقول أيضًا: إذا صح عون الخالق المرء لم يجد * عسيرًا من الآمال إلا ميسرًا وهذا ما تجلى في الهجرة النبوية المشرفة، حين قال أبو بكر (رضى الله عنه) " قُلتُ للنَّبيِّ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) وأَنَا في الغَارِ: لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: ما ظَنُّكَ يا أبَا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟!"، ففي الوقت الذي تخلى عنه أهل الأرض، أدركته عناية السماء، حيث يقول الحق سبحانه تعالى: " إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".
وأكد أن الهجرة المشرفة أعظم نقطة تحول في تاريخ الإسلام كله، كما كانت خطًا فاصلًا بين عهدين؛ العهد المكي بما فيه من الصبر والثبات وقوة التحمل وبناء الرجال وقوة العقيدة الصحيحة وبناء الإنسان القوي، والعهد المدني حيث التحول إلى بناء الدولة بكل ما تعنيه بناء الدولة من معان، ومن أهم المعالم الواضحة في بناء المدينة المنورة التي أسسها سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛ والمعلم الأول هو المسجد؛ فالمسجد بيت الإيمان وبيت المؤمنين، وكما قال الحكماء: المؤمن في المسجد كالسمك في الماء، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ".
فالمسجد يعني القيم، والأخلاق، والرحمة والأمانة والوفاء، وإلى جانب المسجد الذي هو رمز للجانب الروحي، أسس النبي (صلى الله عليه وسلم) السوق كرمز للجانب الحياتي، وفي هذا معانٍ؛ الأول: من انفصلت سلوكياته في السوق عن سلوكياته في المسجد، فهو على خطر عظيم، وبعبارة أخرى؛ من لم يكن سوقه كمسجده فهو على خطر عظيم، حيث يقول الحق سبحانه: " إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ"، يقول أهل العلم من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، ومن لم تنهه الصلاة عن الغش والاستغلال والاحتكار وتطفيف الكيل والميزان, والصدق في البيع والشراء فلا صلاة له، والمسجد لا يعني أبدًا المتاجرة بدين الله على حد قول القائل:
صلى وصام لأمرٍ كان يطلبه * فلما انقضى لا صلى ولا صام، مشيرًا إلى أن من تاجروا بالدين لم يفلحوا، ومن يتاجر بدين الله وببيوت الله فلن يفلح أبدًا، لأن للدين ربًا يحميه.
كما أكد أن الدين قائم على التوازن بين حاجات الروح والجسد، وهذا ما تجسد في الآيات الكريمة في سورة الجمعة يقول تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" لذا كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) القدوة والمثل ؛ فكان يقول : " اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتي فِيهَا معاشِي، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي" فجمع في دعائه بين طلب صلاح الدنيا وصلاح الآخرة ، وهذا ما تعمر به الحياة ، فالمؤمن يعمر الدنيا بالدين ، ولا يخربها باسم الدين ، فكان (صلى الله عليه وسلم) يقول : " اللهم صب الخير صبا , ولا تنزع عني صالح ما أعطيتني أبدًا, ولا تجعل معيشتي كدا , واجعل لي في الخير جدا" , ونحن على العهد إن شاء الله يا رسول الله.