69 عاما من العزة والكرامة| الحياة في عهد الملكية.. شعب ذليل وثروة مسروقة
عانت مصر قبل ثورة يوليو، ودفع الشعب وحده فاتورة احتكار مجموعة صغيرة للأرض والثروة، في ظل مجتمع تسوده العلاقات الإقطاعية والرأسمالية المتخلفة، في الوقت الذي كان فيه الاحتلال البريطاني يستنزف خيرات البلاد، ويسيطر على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، من خلال 80 ألف جندي يعيثون في الشوارع فسادا، تحت مظلة الأسرة الحاكمة المالكة، ليأتي حريق القاهرة (26 يناير 1952) ويعمق الكآبة في المشهد المعتم.
كانت مفاتيح الاقتصاد المصري في يد الأجانب، ما جعل الاقتصادي المصري الدكتور عبد الجليل العمري يصفه قائلا "لقد كان الاقتصاد المصري كبقرة ترعى في أرض مصر، ولكن ضروعها كانت كلها تحلب خارج مصر".
احتكر الأرض عشرات أو مئات الأشخاص، في حين وصلت البطالة بين أبناء الشعب، ووصف الاقتصاد المصري قبل ثورة 23 يـوليو بالمتخلف، نتيجة تبعيته للاحتكارات الرأسمالية الأجنبية، وكانت نسبة البطالة بين الـمصريين 46%، في الوقت الذى كان يعمل فيه الغالبية في وظائف بسيطة: سُعاة وفراشين، وأظهرت آخـر ميزانية للدولة عام 1952 عجزًا قــدره 39 مليون جنيه، في حين كانت مخصصات الاستثمار في المشروعات الجديدة طبقـًا للميزانية سواء بواسطة الدولة أو القطاع الخاص صفرًا.
اختفت العدالة الاجتماعية، وسيطر الظلم والقهر، وبلغت نسبة الأمية 90%، بالتوازي مع معدلات المرض التي حققت أرقاما قياسية (45%) من المصريين كانوا مصابين بالبلهارسيا، وغيرها من مختلف الأمراض التي تنتج عن سوء التغذية، وعلى الجانب الآخر وصل البذخ إلى أقصى مداه في القصر، بسبب ما ينفقه الملك على ملذاته وأسرته وحاشيته.
وخير دليل على ذلك الدراسة التي قام بها المؤرخ الراحل الدكتور رءوف عباس بعنوان: "الحركة الـوطنية فى مصر 1918ـ1952"، والتي أوضح فيها أن (نسبة المعدمين من سكان الريف وصلت إلى 76% عام 1937، وبلغت 80% من جملة السكان عام 1952).
وتفاقمت المسألة الاجتماعية تفاقما كبيرًا، نتيجة سوء توزيع الثروات وغياب السياسات الاجتماعية.. ولا أدل على ذلك من استمرار الهبوط في متوسط دخل الفرد من 9.6 جنيه في العام خلال الفترة 1935-1939 إلى 9.4 جنيه خلال سنوات الحرب العالمية الثانية على أساس الأسعار الثابتة أي الأسعار الحقيقية مع استبعاد عامل الارتفاع الملحوظ في الأسعار.
أما القاهرة التي يتحدث الجميع عن جمالها ونظافتها أيام فاروق فقد كانت مخصصة للباشوات والأعيان والجاليات الأجنبية، بل كانت هناك شوارع في القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية يمنع المصريون من دخولها أو التجوال فيها، ما جعل الأوضاع مهيئة للثورة على الإقطاع والاستبداد، لتنطلق الثورة التي قام بها الضباط الأحرار من أجل تحقيق طموحات الشعب المصري بأكمله (القضاء على الإقطاع- القضاء على الاستعمار- القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم- إقامة جيش وطني قوي- إقامة عدالة اجتماعية- إقامة حياة ديمقراطية سليمة).