خبير آثار: مصر عرفت الحج منذ خمسة آلاف عام
أكد الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن مصر عرفت الحج منذ خمسة آلاف عام إلى أبيدوس "بمحافظة سوهاج حاليا"، ورحلات الحج المسيحي إلى جبل طور سيناء " منطقة سانت كاترين حاليا" منذ القرن الرابع الميلادي، الى جانب مرور الحجاج المسلمين من المغرب العربى وإفريقيا عبر طريق الحج البرى الشهير بوسط سيناء وعبر صحراء مصر الجنوبية الشرقية عن طريق قوص- عيذاب وطريق الحج البحرى عبر خليج السويس منذ عام 1885م .
وقال ريحان، في تصريح له اليوم، إن الحجاج فى مصر القديمة توافدوا على أبيدوس للاعتقاد بأن رأس الإله " أوزير" دفُنت هناك وفي عصر الدولة الوسطي شاع الاعتقاد بأن جسد "أوزير" كله يستقر في واحدة من أقدم المقابر في أبيدوس وهي مقبرة الملك "جر" أحد ملوك الأسرة الأولى، ومنها نشأت طقوس الحج إلى مدينة أبيدوس.
وأضاف أن الحج إلى أبيدوس كان بملابس بيضاء عبارة عن إزار أبيض قصير يلبس حتى الكتف وكان اللون الأبيض يدل على التطهر والورع والنقاء، حيث إن كلمة "حج" في اللغة المصرية القديمة تعني أبيض أو ناصع وكان للحج ميعاد ثابت ومحدد وهو اليوم الثامن من الشهر الأول من فصل الفيضان حتى اليوم السادس والعشرين من نفس الشهر.
وأوضح الدكتور ريحان أن المصري القديم اعتقد أن أبيدوس هي بيت "الكا" أي الجسد وبيت "البا" بمعنى الروح الخاص بأوزير، وقد حرص المصري القديم على زيارة الـ"كا- با"، الخاصة بأوزير أثناء حياته في رحلات يستخدم فيها المراكب .
وأكد أن منظر الحج صورته نقوش ونصوص مقابر الدولة القديمة بسقارة، كما يوجد على جدران مقبرة "سن نفر"، وهو عمدة مدينة طيبة فى عهد الملك أمنحتب الثانى الأسرة الثامنة عشر من الدولة الحديثة، نقش يصور رحلة الحج التى قام بها "س نفر" إلى ابيدوس .
وعن رحلات الحج المسيحى إلى منطقة سانت كاترين، أوضح الدكتور ريحان أنه منذ زيارة القديسة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين جبل طور سيناء فى القرن الرابع الميلادى وبنائها كنيسة فى حضن شجرة العليقة المقدسة، وهى الكنيسة الذى يخلع نعليه كل زائر قبل الدخول إليها تبركا بنبى الله موسى، وأصبحت مصر وجهة الحجاج المسيحيين فى العالم من الشرق والغرب يسيرون فى معالم طريق واضح كشفت أعمال الحفائر العلمية فى سيناء عن محطاته.
وقال إن سيناء تضم طريقين للحج المسيحي، طريق شرقي وطريق غربي، أما الطريق الشرقي فهو للمسيحيين القادمين من القدس إلى جبل سيناء ويبدأ من القدس إلى أيلة (العقبة حاليا) إلى النقب ثم وادى الحسى إلى وادى وتير إلى وادى غزالة إلى عين حضرة ثم وادى حجاج وبه تلال من حجر رملي بها نقوش نبطية ويونانية وأرمينية ثم يسير إلى سفح جبل جونة إلى وادى مارة ثم يدخل سفح جبل طور سيناء وطول هذا الطريق 200كم من أيلة إلى جبل طور سيناء.
وأضاف أن الطريق الغربى يبدأ من القدس عبر شمال سيناء وشرق خليج السويس إلى جبل طور سيناء ويبدأ من القدس، عسقلان، غزة، رافيا (رفح)، رينوكورورا (العريش)، أوستراسينى (الفلوسيات)، كاسيوم (القلس)، بيلوزيوم (الفرما)، سرابيوم (الإسماعيلية)، القلزم(السويس)، عيون موسى ، وادى غرندل، وادى المغارة، وادى المكتّب، وادى فيران إلى جبل طور سيناء وطول هذا الطريق 775كم.
وبالنسبة لحج المسلمين، لفت الدكتور ريحان إلى أن" بركة الحاج" بمصر كانت ملتقى الحجاج المسلمين من إفريقيا لبدء الرحلة المقدسة إلى مكة المكرمة عبر سيناء يقضى بها الحجاج يومين أو ثلاثة قبل بدء الرحلة يتزودون بكل احتياجاتهم ثم ينطلقوا إلى عجرود قرب السويس ويستكمل الحجاج طريقهم عبر سيناء.
وأوضح ان أول محطة بها" وادى مبعوق" حيث ذكر وجود ماء عذب طيب فى أحساء ومنها إلى نخل بوسط سيناء، وفى نخل أنشأ السلطان الغورى خان وقد قام بتنفيذ ذلك خاير بك المعمار فى عام (915هـ / 1509م)، وكان الخان ضيقًا فتمت توسعته فى عام (959هـ / 1551م).
واكد أن نخل كانت تمثل سوقًا عربية مشتركة فى زمن الحج حيث ينصب بها سوقًا كبيرًا وأفران لعمل الخبز وترد لهذا السوق الجماعات البدوية من سيناء وبذلك يتوفر للحجاج جملة خدمات بنخل من حيث الإقامة فى خان فى ظل حماية الحراس وتوفير الماء العذب الكافى من الآبار و الفساقي.
وتابع قائلا إن الحاج كان يتوجه من نخل إلى ثمد الحصا، ظهر العقبة ، سطح العقبة ومن عقبة أيلة تسير قافلة الحجاج بمحاذاة البحر الأحمر إلى الجنوب إلى حقل، مدين، ينبع، بدر، رابغ، بطن مر، مكة المكرمة ، لافتا الى أن درب الحاج المصري ظل مستخدمًا حتى أبطل سيره وتحول إلى الطريق البحري عام (1303هـ / 1885م ) .
وأوضح الدكتور ريحان أن عام 1885م كان نقطة فارقة فى طريق الحاج حين تحول من الطريق البري إلى البحري فأصبح الحاج المسلم يشترك مع الحاج المسيحي فى جزء من الطريق حيث كان يأتي الحاج المسيحى من أوروبا عبر الإسكندرية مبحرًا فى نهر النيل ومنه بريا إلى ميناء القلزم (السويس) ليركب نفس السفينة مع الحاج المسلم للإبحار إلى ميناء الطور القديم منذ العصر المملوكى والذى استمر نشاطه حتى عهد أسرة محمد
وأضاف انه من ميناء الطور يتجه الإثنين لزيارة الأماكن المقدسة بمنطقة جبل طور سيناء حيث دير طور سيناء والذى تحول اسمه إلى دير سانت كاترين فى القرن التاسع الميلادي ،وفى الأودية حوله، مثل وادى حجاج.
وكشف عن نقش الحجاج المسيحيين أسماءهم كما نقش الحجاج المسلمين أسماءهم فى محراب الجامع الفاطمى داخل الدير الذى بنى فى عهد الخليفة الآمر بأحكام الله عام 500 هـ 1106م
وأوضح أنه بعد ذلك يظل الحاج المسيحى ممن وجهته جبل طور سيناء هناك ويستكمل الحاج ممن وجهته طور سيناء والقدس طريقه إلى القدس ويعود الحاج المسلم إلى ميناء الطور القديم ليبحر عبر خليج السويس والبحر الأحمر إلى جدة ومنها إلى مكة المكرمة.