خبير آثار يرصد الجوانب القانونية والدينية والاجتماعية والدولية للحفر خلسة وتهريب الآثار
أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار، أن أعمال تهريب الآثار ناتج الحفر خلسة والتي زادت حدتها بعد فوضى يناير 2011 لها عدة أبعاد أثرية وقانونية ودينية واجتماعية ودولية.
وأشار الدكتور ريحان إلى أن الحفر خلسة أو التنقيب غير الشرعي هي أعمال البحث عن الآثار مخالفة للمادة 32 من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010 والمعدل بالقانون رقم 91 لسنة 2018 والتي تنص على أن السلطة المختصة بأعمال التنقيب عن الآثار فوق الأرض وتحت الأرض والمياه الداخلية والإقليمية المصرية هي المجلس الأعلى للآثار، ويجوز للمجلس أن يرخص للهيئات العلمية المتخصصة والجامعات الوطنية منها والأجنبية بالبحث عن الآثار أو التنقيب في مواقع معينة ولفترات محددة وذلك بعد التحقق من توافر الكفاية العلمية والفنية والمالية والخبرة الأثرية ويكون لهذه الهيئة حق النشر العلمي فقط للآثار المكتشفة، وتضمنت المادة 35 أن تكون جميع الآثار المكتشفة التي تعثر عليها بعثات الحفائر العلمية الأجنبية والمصرية ملكًا لمصر.
وأضاف الدكتور ريحان أن عقوبة التنقيب غير الشرعي جاءت في المادة 44 من القانون بأن يعاقب بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه كل من قام بأعمال حفر بقصد الحصول على الآثار دون ترخيص أو اشترك في ذلك ويعاقب بالسجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه إذا كان الفاعل من العاملين بالمجلس الأعلى للآثار أو من مسئولي أو موظفي أو عمال بعثات الحفائر أو من المقاولين المتعاقدين مع المجلس أو من عمالهم.
وأوضح الدكتور ريحان أن الإشكالية في هذه العقوبة بأن تكون الأراضي محل التنقيب من الأراضي الأثرية وهي أنواع منها الأثر المسجل وهو أثر صدر به قرار من الوزير المختص بالآثار ويأخذ رقم تسجيل وهناك أراضي أثرية بقرار ضم وهي الأراضي التي تحتوي على آثار ثابتة ويضمها المجلس الأعلى للآثار لملكيته ولو اقتضى الأمر نزع ملكيتها من صاحبها ولا يجوز التعامل عليها مطلقًا والضم يجب أن يثبت وجود آثار في هذه الأرض.
ويضيف الدكتور ريحان بأن هناك أراضي إخضاع وهي الأراضي التي يصدر بشأنها قرار من رئيس المجلس الأعلى للآثار وتعتبر في ملكية صاحبها لحين صدور قرار بنزع ملكيتها لصالح المجلس الأعلى للآثار أو تسليمها لصاحبها بعد إخلائها من الآثار ولا يستطيع مالك الأرض أن يقوم بأى أعمال بها إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للآثار.
ويشير الدكتور ريحان إلى حرم الأثر وهي الأماكن أو الأراضي الملاصقة للأثر والتي تحددها اللجنة الدائمة المختصة بما يحقق حماية الأثر أمّا خط التجميل المعتمد للأثر فهي المساحة التي تحيط بالأثر وتمتد لمسافة يحددها المجلس بما يضمن عدم تشويه الناحية الجمالية للأثر وتعامل هذه الأراضي معاملة الأراضي الأثرية.
وينوه إلى أراضي المنافع العامة للآثار وهي الأراضي المملوكة للدولة والتي يثبت أثريتها لوجود شواهد أثرية بها وهناك الأماكن أو الأراضي المتآخمة للأثر وهي الأماكن أو الأراضي التي تقع خارج نطاق المواقع أو الأماكن أو الأراضي الأثرية والتي تمتد حتى المسافة التي يحددها المجلس ويصدر بها قرار من المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية بما يحقق حماية بيئة الأثر.
ولفت الدكتور ريحان إلى أن هناك أراضي يتم فيها الحفر خلسة خارج نطاق ما ذكر، وبالتالي فالأراضي من الملكية الخاصة لا تقوم فيها جريمة التنقيب وفى حالة مداهمة أي شخص يحفر أو يقوم بالتنقيب في ملكية خاصة دون العثور على لقى أثرية فلا جريمة وفي حالة القبض علي القائمين بالحفر في ملكية خاصة مع العثور على لقى أثرية تعتبر قضية حيازة للأثر وليست حفر أو تنقيب غير شرعي طبقًا لدراسة قانونية للدكتور محمد عطية مدرس الترميم بآثار القاهرة وباحث دكتوراه في القانون الدولي الخاص.
وتابع الدكتور ريحان أن نظام المكافأة لمن يعثر على آثار لا يساهم في تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن أعمال التنقيب الغير شرعي أو العثور على قطع أثرية بسبب عيوب المواد 24، 44 من قانون حماية الآثار ومنها تحديد مدة 48 ساعة للإبلاغ عن العثور على أثر من لحظة العثور عليه وإلا يعاقب بتهمة حيازة أثر كما جعل قيمة الأثر احتمالية وبالتالي إعطاء المكافأة احتماليًا أيضا حيث نصت المادة 24 "وللمجلس إذا قدر أهمية الأثر أن يمنح من عثر عليه وأبلغ عنه مكافأة تحددها اللجنة الدائمة".
ويرى الدكتور محمد عطية أن اعتبار المكافأة نقدية فقط ليس بالأمر الصائب لأن توفير مخصصات مالية ليس بالأمر السهل وهو ما سوف يؤثر سلبًا علي قيمة المكافأة بحث تصبح عبثية قليلة القيمة بحيث تدفع من يجد أثرًا أن يمتنع عن تسليمه وبهذا سيكون تصرفه التالي هو ارتكاب ما يجرمه القانون كما يجب التحول إلى المكافأة العينية أي تغيير طبيعة المكافأة ومنها على سبيل المثال إذا نظرنا لقانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 مادة 13 والتي تتناول الوظائف المحجوزة لبعض الفئات مثل ذوي الاحتياجات الخاصة أو مصابي العمليات الحربية ويجب اعتبار من يسلم أثرًا داخلًا في الفئات المذكورة بالمادة 13 من قانون الخدمة المدنية ويتم إيجاد وظيفة له على إخلاصه ووطنيته وأمانته.
أمّا عن الجانب الديني فيرى الدكتور ريحان أنه في سنين الفوضى قبل ثورة 30 يونيو انتشرت فتاوى دينية من غير المتخصصين تزعم بأن الآثار تعتبر من «الركاز»، ووافق هوى أصحاب المصالح الذين يصبحون فريسة سهلة لاستغلالهم عن طريق عصابات الآثار الدولية وأن تعريف الركاز في الإسلام هو ما وجد مدفونا في الأرض من مال الجاهلية، ويقصد بها حضارات ما قبل الإسلام، وقد أوجب الشرع فيه عند استخراجه الخُمس زكاة والباقي لمن استخرجه إن كان استخراجه من أرض يملكها أو من خربة أو من أرض مشتركة كالشارع وغيره.
وأوضح الدكتور ريحان أن هذا التعريف لا ينصب على الآثار لأن الآثار تضم مقتنيات من مواد وأشكال مختلفة ولا تقتصر على العملات فقط، كما أن تحديد فترة تاريخية للركاز لما قبل الإسلام يؤكد أن الآثار ليست ركازًا، لأن الآثار تضم كل العصور التاريخية بما فيها العصر الإسلامي.
ولفت إلى أن علماء الدين أنفسهم حذروا من الطرق غير الشرعية لاستخراج هذه الكنوز من الاستعانة بالسحرة والكهنة والمشعوذين، مما يستوجب استحقاق الإثم العظيم على فاعله، وبالتالي فإن التنقيب للبحث عن الكنوز حرام شرعا، لأنه يؤدي بصاحبه إلى اقتراف الذنوب والتهلكة.
وذكر الدكتور ريحان أن إقامة الجدار المذكورة في سورة الكهف آية 77- والذي يتخذها البعض للخلط بين الآثار والركاز- هي تأكيد القرآن الكريم على أن الركاز يختلف عن الآثار، وأن هناك دعوة للحفاظ على تراث الأجيال القادمة، حيث أقام العبد الصالح الجدار ليحمى ما تحته من كنوز ليستخرجها أصحاب الحق في ذلك وصاحب الحق في استخراج الآثار هي الدولة فقط ممثلة في الجهة المعنية بذلك وليست الأفراد مما يعنى التحريم للأفراد للبحث عن هذه الكنوز.
وهناك فتوى من الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أكد فيها على حرمة تجارة الآثار حيث قال: "لا يجوز شرعًا المتاجرة بالآثار، أو التصرف فيها بالبيع أو الهبة، أو غير ذلك من التصرفات، إلا في حدود ما يسمح به ولي الأمر، وينظِّمه القانون؛ مما يحقق المصلحة العام".
وعن الجانب الاجتماعي يشير الدكتور ريحان بأن هناك عصابات دولية يعونها ممولين محليين يستغلون الحالة الاقتصادية والاجتماعية من إفرازات فوضى يناير 2011 علاوة على كارثة كورونا وحالة الكساد الاقتصادي المصاحبة لها كما انتشرت في مصر عادات اجتماعية غير مألوفة في سنين الفوضى وهي افتقاد عادة احترام الكبير في كل موقع بداية من الأب ثم المدرس وأستاذ الجامعة ثم الرئيس في العمل إلى السلطة الممثلة في العمدة وهكذا فأصبح كل فرد يفكّر في نفسه فقط لدرجة أنه يبيع شرفه من أجل المال والآثار هي شرفه وعرضه.
وتابع: وقد انتبهت الدولة لدور العصابات الدولية في استغلال المهوسين بتجارة الآثار حيث تضمنت التعديلات الأخيرة في قانون حماية الآثار معاقبة عصابات الآثار التي تستغل المهووسين بالحفر خلسة في المادة 42 مكرر 1 ونصها «يعاقب بالسجن المؤبد كل من قام ولو في الخارج بتشكيل عصابة أو إدارتها أو التدخل في إدارتها أو تنظيمها أو الانضمام إليها أو الاشتراك فيها وكان من أغراضها تهريب الآثار إلى خارج البلاد أو سرقتها بقصد التهريب».
وعن الجانب الدولي أوضح الدكتور ريحان في حالة التنقيب غير الشرعي تكون الآثار المهربة غير مسجلة ولا تخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010 والمعدل بالقانون رقم 91 لسنة 2018، وبالتالي تعرض الآثار وتباع في المزادات العلنية بالخارج، وتقوم الجهات القائمة على العرض والبيع بتزوير شهادات عن ملكية القطع وتزور شهادات تصدير لها من دول أخرى غير دولة المصدر وتقوم العصابات المتخصصة في تجارة الآثار وتهريبها من الدول المختلفة والذى تعمل بها خبرات في الآثار والقانون والتزوير الدولي باختلاق شهادات ميلاد وأصالة للقطع وهى مزيفة بالطبع وذلك نتيجة غياب الحماية الدولية للآثار.
وينوه الدكتور ريحان إلى أن المفروض بدلًا من مطالبة المجتمع الدولي للدول المنهوبة آثارها بإثبات ملكيتها لآثارها المنهوبة بطرق متعددة يطالب الجانب الحائز للآثار ويستبيح بيعها في المزادات أن يثبت شرعية حصوله عليها من دولة المصدر.
وأشار إلى أن هذه الآثار المنهوبة تعرض في متاحف العالم وفي المزادات العلنية على أنها آثار مصرية أو عراقية أو لبنانية أليس هذا اعتراف ضمني بأنها آثار تنتمى لهذه البلاد؟ فأين حقوق هذه البلاد ناتج عرضها وحقوقها في عودتها وأين حقوق هذه البلاد في وقف بيعها في المزادات التي تتحكم فيها عصابات فوق القانون في ظل غياب الحماية الدولية.
واستكمل: والسؤال الذى يجب طرحه على الجانب الأجنبي حين يطلب مستندًا لملكية مصر للآثار المصرية المهربة لديه، هل تستطيع أنت أن تثبت لنا أن الآثار المهربة لديك هي آثارًا غير مصرية؟ وبأي تعريف ستبيع هذه الآثار؟ ستبيعها بالطبع على أنها آثارًا مصرية حتى تربح المليارات فهل يحق لك أن تسأل بعد ذلك مصر عن مصريتها؟.
ويقدم الدكتور ريحان الحلول الجذرية لكل هذا ممثلًا في تغيير تشريعات ومنها المادة 8 من قانون حماية الآثار "تعتبر جميع الآثار من الأموال العامة - عدا الأملاك الخاصة والأوقاف - حتى لو وجدت خارج جمهورية مصر العربية وكان خروجها بطرق غير مشروعة" والمطلوب تغيير الجملة "وكان خروجها بطرق غير مشروعة" إلى الفقرة "بصرف النظر عن طريقة خروجها.
وبهذا تكون كل الآثار المصرية خارج مصر من الأموال العامة المصرية وينطبق عليها ما ينطبق على الآثار المصرية لحين استرجاعها وجب دفع مبالغ نظير عرضها بالمتاحف المختلفة أو استغلالها بأي شكل مع حق معنوي لمصر في عرض هذه الآثار بالشكل اللائق وعدم تشويهها وعدم استنساخها وعدم إجراء أي دراسات عليها إلا بموافقة الجانب المصري خاصة المومياوات وإعادة النظر في المواد 24 – 44 لتأمين من يقوم بالإبلاغ عن أعمال الحفر خلسة أو من يعثرون على آثار بالصدفة بمكافآت مالية كبرى ومكافآت عينية ممثلة في وظائف جديدة ودعا أيضًا إلى القيام بتشريع لتقنين المتاحف والمجموعات الخاصة، حيث إن كل من يمتلك آثارًا له الحق في إنشاء متحف أو مجموعة خاصة للانتفاع بها بعد تسجيلها في عداد الآثار وإخضاع هذه المتاحف والمجموعات الخاصة لإشراف وزارة السياحة الآثار.
كما يطالب الدكتور ريحان بإصدار فتوى واضحة من الأزهر للتفريق بين الركاز والآثار، وتحويل إدارة الآثار المستردة بوزارة السياحة والآثار إلى هيئة مستقلة تحت اسم "هيئة الآثار المستردة" كهيئة المتحف المصري الكبير على أن تضم آثاريين وقانونيين وخبراء مساحة وخبرات دبلوماسية وأمنية وإعلامية تتبنى استعادة الآثار المصرية بالخارج والحصول على حقوق مادية من المتاحف العالمية التي تعرض آثارًا مصرية أو تتربح من آثار مصرية مستنسخة أو تستخدم الآثار المصرية علامات تجارية في ضوء الضوابط القانونية الدولية والمحلية المنظمة لذلك مع احتفاظ مصر بحقها القانوني في المطالبة بعودة هذه الآثار وحقها الأدبي في طريقة عرض هذه الآثار بشكل مشرّف يليق بقيمة الحضارة المصرية.
وأشار الدكتور ريحان إلى ضرورة إنشاء شرطة خاصة تحت اسم "شرطة مكافحة تهريب الآثار" تكون مهمتها منع تهريب وسرقة الآثار والحفر خلسة الذي انتشر بشكل جنوني خاصة بعد عام 2011 وتستخدم فيه أحدث تقنيات علمية بأجهزة مهرّبة لكشف عما في باطن الأرض من آثار وتكون هذه الشرطة معاونة لهيئة الآثار المستردة ولديها معدات وأجهزة خاصة لكشف مواقع الحفر خلسة وملاحقتها وكشف أجهزة التنقيب عن الآثار وملاحقة العصابات الدولية وعملاؤها من تجار الآثار في مصر.
ونوه الدكتور ريحان إلى ضرورة التعاون مع القوات المسلحة لاستخدام طائرات ومعدات عسكرية متطورة لهذا الغرض، وقد أوصى الاتحاد العام للآثاريين العرب في مؤتمره الـ21 الذي انعقد في الشيخ زايد في الفترة من 10 إلى 11 نوفمبر 2018 بضرورة أن تقوم القوات المسلحة والمؤسسات العسكرية في كل الدول العربية بحماية الآثار والتراث وفقًا لتوصية اليونسكو.