إمام الدعاة.. الشيخ محمد متولي الشعراوي صاحب المقام في قلوب المصريين
بكى العالَم الإسلامي، الشيخ محمد متولي الشعراوي، حين مات، كانت جنازته المهيبة في قرية دقادوس بمركز ميت غمر في محافظة الدقهلية، بينما الدموع تجري على وجوه الناس في كل البلدان، بعد أن استطاع أن يحجز مقعده الدائم في قلوب مئات الملايين في أنحاء العالم.
وبكته مصر محمد متولي الشعراوي بنسائها وشيوخها وأطفالها وصبيانها وشبابها، ورجالها وجبالها وبحارها وأشجارها ونهرها، لتتحول بيوتها وشوارعها في 17 يونيو عام 1998 إلى سرادق كبير، كل مَن فيه، وما فيه، يعزي الآخر، ولا يصدق أن الرجل الذي يشملهم ببركته ومحبته غافلهم ورحَل.
ووقف الناس يشاهدون جنازته على الشاشات، ويضربون كفًّا بكف، ويتوجعون من ألم الغياب، وفقدان السند لأرواحهم، ولا يعرفون كيف يتصورن الحياة حين تخلو منه، ومن جلسته المميزة في المساجد، وهو يروح ويجيء في مكانه، ليوزّعَ على الناس ما منحه الله من علم، بينما يصيح الناس تحت قدميه: الله.. الله.. الله.
واستغنى محمد متولي الشعراوي بحب «الله» وطاعته عن الناس، فرزقه الله حب الناس وطاعتهم، ليعيش حياته إماما للمسلمين، إذا جلس وتحدث أنصت الجميع، وإذا قام وحكم خضعت الرقاب، وإذا سار في طريق تراصَّ البشر ليقدموه عليهم.
وتواضع الشعراوي لله، فرفعه الله إلى أعلى منزله، ووهبه بحراً من العلم، ينهل منه حيث يشاء، يستقطب العُصاة إلى حضرته فيتوبون على يديه، ويهدي الضالين إلى نور الحق، ويبتسم ابتسامة الرضا التي تسكن القلوب وتتعلق بها الأبصار.
واستجاب الشيخ محمد متولي الشعراوي، لآليات التقدم التكنولوجي، فأقصى عمليات التدوين بالقلم على الأوراق في تفسير القرآن الكريم، ليُعلي من شأن الصوت والصورة، وتصبح «الميديا» هي أداته الجبارة في الوصول إلى عشرات الملايين من خلال برنامجه الذي استطاع أن يحقق أكبر جماهيرية منذ نشأة التلفزيون إلى وقتنا هذا.
وأسس الشيخ محمد متولي الشعراوي، لمدرسة شفهية في التفسير، تعتمد على البساطة في التناول، والغزارة في العلم، والجسارة في الطرح، والصدق في التناول، والإلهام الذي يأتيه من حيث لا يدري ولا ندري، بينما تظلل السكينة والهدوء والبهجة مجلسه، ويشعر كل مَن في حضرته بالرضا والراحة والسعادة، لا يتمنى للّحظات أن تنقضي، وكلّما انتهى الشيخ من تفسير آية، استعد للانتقال معه إلى رحاب آية أخرى.
كانت حلقات الشعراوي بمنزلة وجبات شهية وجرعات ماء يصح معها الصيام، ينتظرها المصريون – جميعا – قبل أذان المغرب، ليستمتعوا بفنون التفسير التي كانت حكرا على الشيخ ولم يُفْشِ أسرارها لأحد من تلاميذه.
رحم الله الإمام.