في عيد ميلاد محمد التابعي.. قصة تأسيس مجلة «آخر ساعة»
انتهت علاقة (الصبي) مصطفى أمين بروزاليوسف، بسبب رحلة إلى الإسكندرية، كان يرغب في أن يسافر مع الأستاذ محمد التابعي لكن السيدة فاطمة اليوسف طالبته بالسفر فورا وإلا رد لها الجنيه (بدل السفر) فألقى لها الجنيه فطردته خارج المجلة؟
ويقول مصطفى أمين: الأستاذ محمد التابعي تضامن معي وخرج من مجلة روزاليوسف وفي جيبه ثمانية جنيهات وتأبط ذراعي وسألني كم معك وأضع يدي في جيبي فأجد أربعة قروش.. وحتى نوفر ثمن التاكسي سرنا على أقدامنا من شارع الساحة حيث كانت إدارة مجلة روزاليوسف إلى ميدان إلهامي أمام كوبري قصر النيل حيث كان
راح محمد التابعي يتحدث عن المجلة الكبيرة التي سيصدرها ولم يكن ينقصنا إلا رأس المال وكان رأس المال المطلوب 100 جنيه فقط ورحنا نبحث عن صديق نقترض منه هذا المبلغ فلم نجد الصديق!
كان كل أصدقائنا ينصحوننا بأن نعدل عن المشروع ويقولون: المصريون لا يصلحون أن يصدروا مجلات وكانوا يضربون المثل بالمجلات التي حاولت أن تصدر ثم ماتت بعد شهور وكنا نرى في طريقنا أشلاء من سبقونا.
وكانت هذه الأشلاء هي معالم الطريق.. كنا نرى حولنا جثث مجلات "الباشكاتب" و"الصريح" و"الأمل" و"المشهورة" و"الميكرسكوب" و"النيل" و"المسرح" و"الناقد" و"اللطائف المصورة" و"الحياة والجديدة" وخيال الظل" و"الكشكول" و"السياسة الأسبوعية" وغيرها من ألوف المجلات التي حاول شبان مصريون إصدارها قبلنا وسقطوا صرعى أو غارقين في الديون أو سيف الجلادين والطغاة لكننا مضينا في طريقنا نؤمن أننا نستطيع أن نبدأ من حيث انتهوا وأن نستفيد من تجاربهم وأن نحاول أن نحقق الأمل الذي نحقق الأمل الذي وقف القدر في طريق تحقيقه.
اختلفنا في تسمية المجلة الجديدة!.. لم تسمح الحكومة للتابعي أن يصدر مجلة باسمه، فا ستأجرنا من الأستاذ محمد عفيفي شاهين مجلة اسمها "الطيارة".. لم يعجبنا الاسم وفكرنا في تغييره.
أرسل علي أمين الذي كان يدرس الميكانيكا في انجلترا يقترح أن يكون اسم الجلة "الزعيم" ورفضت وزارة الداخلية الموافقة على الاسم، واقترحت على التابعي اسم "الدستور" رفضه واسم "الجرئ" رفضه واسم "الاستقلال" رفضه وأخيرا اقترحت عليه اسم "آخر ساعة" واشتراه مني ودفع ثمنا له خمس مليمات.
فشلنا في الحصول على شركاء يدفعون مائة جنيه ويدخلون في أرباح آخر ساعة وأخيرا أنقذ طلعت حرب الموقف وأصدر أوامره إلى بنك مصر أن يقرض التابعي مائة جنيه بلا ضمان ذلك أننا لم نجد أحد يضمننا في هذا المبلغ الكبير.
نفد العدد الأول بعد صدوره بنصف ساعة.. وجلست مع التابعي وصاروخان والدكتور سعيد عبده ننتظر المهنئين، وكان أولهم ضابط بوليس ومعه أمر بالقبض على الأستاذ التابعي وصاروخان بتهمة إهانة عبد الفتاح يحيى باشا رئيس الوزراء ورئيس حزب الشعب وذلك لأننا نشرنا صورة في العدد الأول لنصاب واقف أمام القاضي يقول: نصاب معلهش.. إنما عضو في حزب الشعب ده الشئ اللي ماأقبلوش أبدا.. ونشرت الصورة بعنوان التهمة الفظيعة وأصبحت مجلة آخر ساعة اثنين فقط الدكتور سعيد عبده وأنا.
جلسنا نبحث ماذا نفعل.. كان سعيد عبده مدرسا في كلية الطب وكنت حاصلا على شهادة البكالوريا ومتقدما لدخول كلية الحقوق وكان أساتذة وطلبة الجامعة محرما عليهم الكتابة في السياسة فما بالك بمجلة سياسية تعارض الحكومة؟!
اتفقنا أن نتولى إصدار المجلة وليكن ما يكون وبعد منتصف الليل أفرجت النيابة عن التابعي وصاروخان وهكذا بقي سعيد عبده مدرسا في الجامعة وبقيت طالبا.
عشنا بعد ذلك في عواصف وأعاصير.. تحقيقات ومصادرات ومحاكم وبعد أربع سنوات وقفت مع التابعي أمام محكمة الجنايات بتهمة العيب في ولي العهد الأمير محمد علي وحكم علينا بالسجن ستة شهور وأمرت بوقف التنفيذ .. وأمرت بإغلاق آخر ساعة لمدة ثلاثة شهور!
أصدرنا مجلة "المصري أفندي" لصاحبها الأستاذ عبد الرحمن نصر في أثناء تعطيل "آخر ساعة" وكانت صورة طبق الأصل من "آخر ساعة".. وهكذا تجري الأيام.. يوم كانت "آخر ساعة" تجمع بحروف اليد ويم كانت تطبع بالأجرة في مطبعة "الرغائب" ويوم وجدت في مكتب التابعي 200 جنيه واشترى أول مطبعة بالرغم من اعتراضه الشديد ويوم أصبحت لآخر ساعة مطابع للروتوغرافور الفاخر ويوم انتقلت "آخر ساعة لـ "أخبار اليوم" ويوم شقت آخر ساعة طريقها وأصبحت أوسع المجلات الصحفية انتشارا في الشرق الأوسط.
آخر ساعة بالنسبة لنا هي شبابنا وقطعة حلوة من حياتنا وصورة من آمالنا وأحلامنا وتاريخ هزائمنا وانتصاراتنا وقصة حروب خضناها ومعارك قاتلنا فيها وجروح أصابتنا.. هي قصة كفاح فيها هزائم كبيرة وانتصارات أكبر وفيها مفاجآت مريرة ومغامرات أشد مرارة وفيها لذة وفيها عذاب.. تمر في ذاكرتي كفيلم مثير.