أساطين التلاوة | الشيخ محمود أبو الوفا الصعيدي خريج المدرسة القرآنية
الشيخ محمود أبو الوفا الصعيدي، أحد أبرز قراء القرآن في العصر الحالي، نشأ وتربى في كنف القرآن الكريم، حتى قيل عنه أنه خريج المدرسة القرآنية، والتف حوله جمهور المستمعين من كل مكان، لعذوبة صوته وحسن أدائه، فاحبهم واحبه، كما أنه عرف برحلاته القرآنية الكثيرة، فهو يعتبر من أكثر قراء القران رحلات داخل مصر وخارج، وكان ذلك سببا من أسباب شهرته، التي ملأت كل بقاع الأرض، أكرمه الله تعالى بأن أسلم على يده الكثير ممن استمعوا إلى صوته الذي وهبه الله إياه، واكرمه في تربيته لأبنائه الذين وهبهم جميعا للقرآن فحفظوه وحفظهم.
في العاشر من شهر نوفمبر عام 1954 م ولد فضيلة القارئ الشيخ محمود أبو الوفا الصعيدي، في قرية الصعايدة قبلي "كلح الجبل" بمركز إدفو محافظة أسوان، والتحق بكتاب القرية كتاب "الشيخ كمال مكي"، وهو لم يتعد الرابعة من عمرة، واتم حفظ القران الكريم كاملا وعمره عشر سنوات، بعد ان استكمل حفظه في كتاب "الشيخ أبو العلا"، ونشأ الشيخ محمود وتربى في بيت عرف بحبه للعلوم الدينية والقران الكريم والسنة النبوية وترعرع في كنف والديه الذين عرفا بصلاحهما ونزعتهما الدينية، ولهذا كان من السهل عليه حفظ القران الكريم في فترة وجيزة.
حصل محمود أبو الوفا الصعيدي على الشهادة الثانوية التجارية بمركز ادفو، ولم يخرج من بلده إلا في عام 1974 م عندما التحق بالخدمة العسكرية بالقوات المسلحة، وظل بها حتى عام 1976 م، وكان اكثر شيء يميزه أثناء خدمته هو تلاوته للقران بصوته العذب الجميل وأخلاقه الحسنة، ونال على هذا شهادة تقدير.
بعد تأدية الخدمة العسكرية، استقر به الحال في قريته التي ولد ونشأ بها، حتى جاءه جواب التعيين من وزارة القوى العاملة، وتم ترشيحه في وظيفة "باحث اجتماعي بإدارة الشئون الاجتماعية بإدفو "، وانتظم في عمله، وكانت له سيرة حسنة وسط زملائه وعرفوه بقارئ القران الكريم، وتقدم اليه بعض ذوي الخبرة، وأشاروا عليه بأن يذهب إلى القاهرة، لأن هناك المجال أوسع.
تقدم محمود أبو الوفا الصعيدي بطلب نقل من مديرية الشئون الاجتماعية بادفوا في عام 1978 م الى مديرية الشئون الاجتماعية بالقاهرة، وكان عمرة آنذاك الرابعة والعشرون عاما، وفعلا تمت الموافقة على طلبه وسافر الى القاهرة، وبدأ يقرأ القران الكريم، وقرر ان يدرس علوم القراءات، فدخل الازهر الشريف وتلقى علوم الفقه والسيرة النبوية والحديث وعلم القراءات على ايدي كبار العلماء أمثال فضيلة الشيخ محمد إسماعيل الهمداني، وغيره.
وبدأ الشيخ محمود أبو الوفا الصعيدي في الفترة منذ عام 1980 م وحتى عام 1990 م يأخذ حيزا محدود في انطلاقه في وسط دولة المقرئين، وكان في بداية قراءته للقران يقلد الشيخ عبد الباسط والشيخ محمد صديق المنشاوي، حتى بدأت شهرته تزداد يوما بعد يوم، فقرر ان تكون له شخصيته القرآنية، وتفرد في القراءة حتى أصبح صاحب "المدرسة الصعيدية" لقوة صوته ورصانته وهيبته، وقد تقبل المستمعين هذه المدرسة بكل حب حتى انها كانت سبب في انتشار اسمه في القاهرة.
شهرته سبقت مرحلة التحاقه بالإذاعة، وهذا لم يكن معهود في دولة القراء من قبل، وفي عام 1991 م استمع اليه الإذاعي فهمي عمر رئيس الإذاعة آنذاك، واعجب به لقوة صوته وجمال أدائه، فطلب منه ان يتقدم بطلب للإذاعة، وعندما تقدم للإذاعة طلبت منه لجنة الاختبار دراسة الموسيقى، وبالفعل درسها ووجد فيها ضالته، لأنها هذبت صوته، وبعدها اعتمدته الإذاعة المصرية قارئا مميزا لديها، وأصبح واحد من جيل العمالقة، وبعدها توالت تسجيلاته الاذاعية خلال موجاتها القصيرة والطويلة، بالإضافة الى اعتماده قارئا مميزا بالتلفزيون المصري، وزادت بعدها شهرته واصبح اسمه من ألمع الأسماء في دنيا تلاوة القران الكريم .
حقق الشيخ محمود أبو الوفا شهرة واسعة، داخل مصر وخارجها في جميع محافظات الجمهورية، واختارته وزارة الأوقاف في عام 1993 م ليكون سفيرا لمصر في دولة ساحل العاج، لإحياء ليالي رمضان مع الجالية الإسلامية بها، وبعدها توالت رحلاته إلى معظم دول العالم، وفي عام 1994 م سافر الى استراليا لمدة عامين متتاليين، بدعوة رسمية من الشيخ تاج الدين الهلالي مفتي استراليا.
وفي عام 2002 م كان ضمن بعثة وزارة الأوقاف الى هولندا، وهناك اسلم على يده عدد كبير من الهولنديين، بعد أن تأثروا بعذوبة صوته وجمال أدائه وتمكنه من ادواته الموسيقية، وفي عام 2006 م ولمدة ثلاث أعوام متواليا، سافر الى تركيا لإحياء الليالي الرمضانية بها، وهم ما زالوا يطلبونه ليقضي معهم رمضان في الأعوام القادمة، هذا فضلا عن رحلاته الداخلية في جميع انحاء الجمهورية، وخاصة في الوجه البحري، مما جعل لمدرسة الصعيدية امتداد في تلامذته الذين تعلموا على يديه، وعلى رأسهم شقيقه الشيخ عبد الله أبو الوفا الصعيدي، وابنه الطبيب الصيدلي القارئ احمد محمود الصعيدي.