رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

حكايات رمضانية.. قصة المسحراتي وطبلته وعباراته الشهيرة

نشر
مستقبل وطن نيوز

تعددت وسائل وأساليب تنبيه الصائمين وإيقاظهم للسحور منذ عهد الرسالة وإلى الآن، ففي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يعرفون وقت السحور بآذان بلال، ويعرفون المنع بآذان ابن أم مكتوم.

ويشير خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار إلى أن السحور في بداية الإسلام  كان عن طريق أذانان للفجر، أحدهما يقوم به بلال وهو قبيل الوقت الحقيقي للفجر والثاني يقوم به عبد الله بن أم مكتوم.

وأضاف: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن أذان بلال ليس موعدًا للإمساك عن الطعام والشراب لبدء الصيام وإنما هو أذان للمسلمين في تناول طعام السحور حتى يسمعوا أذان ابن أم مكتوم فجاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم "إن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم"، وروى أحمد "لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن ليرجع قائمكم وينبه نائمكم"، فقد كان أذان بلال بمنزلة الإعلام بالتسحير في شهر رمضان وما كان الناس في المدينة يحتاجون إلى أكثر من ذلك للتنبيه على السحور.

ويوضح الدكتور عبد الرحيم ريحان أنه مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية وتعدد الولايات بدأت تظهر وسائل أخرى للسحور، وبدأ المسلمون يتفننون في وسائله وأساليبه حتى ظهرت وظيفة المسحراتي في الدولة الإسلامية في العصر العباسي، ويعتبر والى مصر عتبة بن إسحاق أول من طاف شوارع القاهرة ليلًا في رمضان لإيقاظ أهلها إلى تناول طعام السحور عام 238هـ /853م، وكان يتحمل مشقة السير من مدينة العسكر إلى الفسطاط مناديًا الناس "عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة" وذلك طبقًا لما جاء في دراسة للدكتور علي أحمد الطايش أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة.

 

وينوه الدكتور ريحان إلى أن المسحراتي في العصر العباسي كان يحمل طبلة صغيرة يطبل عليها مستخدمًا قطعة من الجلد أو الخشب ومعه طفل أو طفلة صغيرة معها شمعة أو مصباح لتنير له طريقه، وكانت النساء تترك له على باب منازلهن قطعة نقود معدنية ملفوفة داخل ورقة ثم يشعلن أحد أطرافها ويلقين بها إلى المسحراتي الذي يستدل على مكان وجودها من ضوء النار فيدعى لأصحاب البيت ويقرأ الفاتحة.

وفي نهاية الشهر الكريم كان يلف على البيوت التي كانت تعتمد عليه في السحور ليأخذ أجرته، وكان من المعتاد أن ينشد المسحراتي شعرًا يسمى بالـ "قوما" نسبة إلى قيام الليل لتناول السحور وكان مشهورًا آنذاك.

ولفت الدكتور ريحان إلى أن مهنة المسحراتى لم تقتصر على الرجال فقط  كما يعتقد البعض، فكما أن هناك المسحراتى فهناك أيضاَ "المسحراتية"، ففي العصر الطولوني كانت المرأة تقوم بإنشاد الأناشيد من وراء النافذة في وقت السحور لتوقظ أهالي البيوت المجاورة لها كما كانت المرأة المستيقظة في وقت السحور تنادي على جاراتها لإيقاظهن.

وفى العصر الفاطمي أصدر الحاكم بأمر الله الفاطمي أمرًا بأن ينام الناس مبكرين بعد صلاة التراويح وكان جنود الحاكم يمرون على البيوت يدقون الأبواب ليوقظوا النائمين للسحور، ومع مرور الأيام عين أولو الأمر رجلًا للقيام بمهمة المسحراتي كان ينادي “يا أهل الله قوموا تسحروا” ويدق على أبواب البيوت بعصا كان يحملها في يده، وتطورت مع الأيام إلى طبلة يدق عليها دقات منتظمة.

ويتابع الدكتور ريحان أنه في العصر المملوكي كادت مهنة المسحراتى أن تتلاشى تمامًا لولا أن الظاهر بيبرس أعادها حيث عين أناسًا مخصوصين من العامة وصغار علماء الدين للقيام بتلك المهمة وكانوا يحشدون من وراءه الأطفال الصغار ومعهم الفوانيس والشموع وتعرف طبلة المسحراتي بـ "البازة" إذ يُمسكها بيده اليسرى وبيده اليمنى سير من الجلد أو خشبة يُطبل بها في رمضان وقت السحور.

والبازة عبارة عن طبلة من جنس النقارات ذات وجه واحد من الجلد مثبت بمسامير وظهرها أجوف من النحاس وبه مكان يمكن أن تعلق منه وقد يسمونها طبلة المسحر والكبير من هذا الصنف يسمونه طبلة جمال.

ويردد المسحراتى بعض الجمل بإيقاع متناغم رخيم ويطوف المسحراتى الشوارع والأزقة والحارات بفانوسه الصغير وطبلته التقليدية التي ينقر عليها نقرات رتيبة عند باب كل بيت وهو ينادي صاحب البيت باسمه يدعوه للاستيقاظ من أجل السحور و"وحدوا الدايم سحور يا صايم".

عاجل