رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

ذكرى وفاته السادسة اليوم

نهال كمال تحكي عن عبقرية عبد الرحمن الأبنوي وحلمه الذي لم يتحقق

نشر
عبد الرحمن ونهال
عبد الرحمن ونهال

نجح الخال عبد الرحمن الأبنودي أن يحول رفيقة دربه نهال كمال إلى امرأة صعيدية لا تستقبل خبر وفاة زوجها بفزع كما تفعل النساء في المدن!.. دربها على مدار سنوات كيف تتصرف بقوة بعد رحيله، كتب لها كل شئ قبل الغياب، تفاصيل الجنازة، وأين ستتلقى العزاء، فهل سارت الخطة كما رسمها الأبنودي.

وتقول نهال: عقب وفاة الخال اتصل بي الرئيس عبد الفتاح السيسي وقال لي «إن القوات المسلحة هي من ستتولى الإجراءات، ولن يكون هناك عزاء بالمنزل».. ابتسمت نهال وقالت: تبدلت الخطة بالكامل، ولكن في مصلحته.

وفي هذا الحوار الذي تبوح نهال كمال بالعديد من الأسرار التي لا يعرفها الكثيرون في حياة الأبنودي..

كيف سارت الأيام الأخيرة في حياته؟

دخل في غيبوبة استمرت ثلاثة أيام، ولكني لم أرغب في نشر الخبر، وإثارة حالة ذعر بين محبيه على أمل أن تتحسن حالته.. الفزع كان ينتاب الجميع بمجرد سماع خبر مرضه فما بالك بدنو أجله؟، ومع ذلك فقد اعتبرت ما حدث في الأيام الثلاثة رحمة من «ربنا» علينا؛ لأن الموت المفاجئ يسبب صدمة رهيبة.

وماذا عن آية ونور؟

نور قالت لي بعد وفاته إنه كان يشعر بحالة من التعب والزهق ما جعلها تراه يتعذب.. صدمة فراقه لا يضاهيها شيء؛ فالغرباء تأثروا بموته فما بالك بنا ونحن أهل بيته؟.. وتنظر نهال إلى نقطة بعيدة وهي تقول: ذات مرة قال لي إنني حصلت على كل شيء في الدنيا من تكريم في كل الأماكن، وحب الناس ماذا سأحتاج أكثر من كل هذا؟ فقد وهبني الله كل شيء، ومع ذلك فأحلامه لا تنتهي فهو رجل يحب الحياة لأقصى درجة.

ما هو الحلم الذي لم يحققه الأبنودي؟

حضوره احتفالات قناة السويس الجديدة، والمشاركة بأوبريت، وبالفعل جاءه محمد منير إلى المستشفى عدة مرات، وبعد ذلك توقف الموضوع، ولم يكتمل.

من كان أكثر الأصدقاء بكاء عليه؟

جمال الغيطاني.. كانت تنهمر دموعه أثناء العزاء ولا تتوقف، فقد كان ارتباطهما ببعض في الفترة الأخيره لا يصدق، يتحدثان في الهاتف لساعات طويلة، وقالت لي زوجته الكاتبة الكبيرة ماجدة الجندي إنه قال لها بعد وفاة الأبنودي لن أعيش طويلًا!

وكان الغيطاني يساعدني في إنجاز الكثير من الإجراءات التي لم أكن على علم بكيفية إتمامها، نعم الأخ والصديق للأبنودي، وفي المقابل هناك من اختفوا تمامًا من المشهد، هؤلاء الذين كانوا يظهرون فقط معه أمام الكاميرات، وبمجرد رحيله لم يعد لهم وجود.

وماذا عن جمهوره؟

يغمرني حبهم، ليس في مصر فقط، ولكن في العالم العربي كله، اتصل بي الرئيس الفلسطيني محمود عباس ليعزيني قائلًا إن شوارع فلسطين تبكي الأبنودي، وإنهم وضعوا صورة له بجوار محمود درويش؛ لأنهما صديقين، إضافة إلى أغانيه التي أذيعت في شوارع رام الله يوم وفاته، وهاتفني رئيس مجلس النواب (وقتها) نبيه بري، وزوجته السيدة رندة بري مؤكدين أن موته خسارة فادحة للعالم العربي.

وماذا كان يقول لك عن الرئيس السيسي؟

الرئيس السيسي، التقى به أثناء فترة ترشحه للرئاسة، وكان الأبنودي يحبه جدًا، وبعد مقابلته قال لي إنه يصدق هذا الرجل، لأنه وطني وصادق وله رؤية، وقلبه يخفق خوفًا على البلد، وهو من أنقذ مصر من كارثة كانت ستؤدي لدخولها في عصور ظلام تمتد لمئات الأعوام، وقال أيضًا: إن عبد الناصر حقق الجماهيرية والشعبية لأنه كان يستند على جناحي: الشباب والفقراء، وأنا أعتقد أن السيسي يسير على هذا المنهج؛ لأنه يرغب في قيادات شابة ويهمه أن يعيش المواطن حياة أفضل.

ما الذي تبقى من كنوز الأبنودي التي لم تخرج للنور بعد؟

الكثير من القصائد لم تظهر، وسأنشرها تباعًا في الصحف.

هل فكرت في جمعها في ديوان؟

لا أرغب في هذا لأن الأبنودي كانت له طريقته الخاصة في تنظيم دواوينه، وأخشى أن أضع قصائد غير متناغمة مع بعضها، فهو كان يختار كل شيء في الديوان حتى الغلاف، ولكن هذا لا يمنع أنني من اقترح عليه أن يضع صورته على كل ديوان، قلت له إنها أقوى علامة تجارية، وستجعل محبينك يشترون الديوان لمجرد رؤيتها.

هل فكرت في إنشاء قناه تليفزيونية باسم الأبنودي؟

أحلم بهذا، ولكن الأمر يحتاج لتمويل كبير، ولكني أسعى لإنشاء موقع خاص بالأبنودي على الإنترنت يحتوي على كل أعماله.

ما هي الأسرار التي كان الأبنودي يخفيها عن الإعلام؟

من يعرف الأبنودي جيدًا يدرك تمامًا أنه لا يمتلك أسرارًا، الأبنودي كتاب مفتوح، مصر كلها أهله، كل من يراهم يألفهم ويألفونه، ليس بوجهين، تجده جالسًا مع أي شخص، وهنا تكمن عظمته.. في تواضعه وصدقه اللامتناهي.

متى كان ينفعل؟

عندما يشعر بإهدار حق الفقير، ويقول: بدلًا من أن نواسيه ونصبره على حياته نصعبها عليه أكثر.

ومتى كان يضحك؟

لم يكن يكف عن الضحك.. مثل عم «إبراهيم أبو العيون» في وجوه على الشط لو لم يضحك يومًا يموت، وعلى الرغم من شهرة الصعيدي بالتكشيرة، ورغم أن والده لم يكن يبتسم إلا أنه كان مثل والدته الضحكة لا تفارق وجهه، لا يطيق الحزن ولا يقبل الوجوه المتجهمة.

كيف تشاهدين الأبنودي الآن؟

كل شيء.. الأب، الزوج، الأخ، الصديق، العاشق، وعندما أتأمل الوضع الآن أقول لنفسي كيف كنت أعيش مع هذا الشخص العظيم؟، إلا أن عبقريته كانت تكمن في بساطته، وإحساسه بالناس، وكل ما يشغله الوصول للشخص الأقل ثقافه، يصل لأبسط البسطاء، ولا يكترث لمن يقولون أنه شاعر مباشر فهناك من يقول هذا، ولكنه كان يرد قائلًا: إن هذا لا يهمه، وأن له دور يجب أن يؤديه.

هل كان للأبنودي أعداء؟

كان يقول إن أي شاعر محبط من الممكن أن يكون عدوًا لي، فهو الوحيد الذي سيقول “اشمعنا الأبنودي”؛ فالأبنودي شاعر عصامي بنى نفسه بنفسه، وشق طريقه ولم يساعده أحد، صحيح أن صلاح جاهين قدمه وأول من نشر له، ولكن الاستمرار 50 سنة يعنى أن هناك رؤية متكاملة وموهبة حقيقية.

الجميع يقرأ للأبنودي.. لمن كان يقرأ الأبنودي؟

للجميع!.. الأدب العالمي والشعر، ولكل الشعراء الشباب، وكان يقدم من يقتنع بهم في معرض الكتاب مثل عبد الناصر علام، ومصباح المهدي، وغيرهما، وكان يفرح باكتشافه موهبة جديدة قائلًا: إن هذا يقوينا كشعراء، ويعطي دفعة للإبداع، خاصة عندما يكون هناك الكثير من الشعراء الجيدين على الساحة.

متى اختلفتي مع الأبنودي؟

نحن في النهاية زوجين عاديين جدًا، قد نختلف في الأراء ووجهات النظر، وأذكر أننا اختلفنا بشدة عندما قرر الانتقال للعيش في الإسماعيلية، فعندما رأيت المكان للمرة الأولى لم أستوعب كيف سنقيم فيه، ولكنه بدله وملأه بالخضرة والزرع، صنع منه مكانًا آخر، كان بإمكانه دائمًا أن يحول التراب إلى ذهب.

متى كان يظهر الأبنودي الصعيدي؟

في قلقه وخوفه على بناته، ورغبته في الاطمئنان عليهم طوال الوقت؛ فهو من يتابع أكثر ويقلق أكثر، ولكنه ليس الصعيدي بالمعنى المنغلق فقد أخذ من الصعيد شهامته وقيمه النبيلة، وترك أفكاره التي تقيد حرية المرأة، وتقف ضدها، فهو مؤمن جدًا بالست، وعملها ودورها في المجتمع وقدراتها غير العادية، وكان يقول إنها حارسة الحضارة، ولولا أمي لما أصبحت الأبنودي، هي التي علمتني كل شيء، وكانت أكثر من يتحدث عنها، فهي حياته وعشقه ومن صنعته، وهي مدرسة متكاملة للأغاني الشعبية والأساطير التي كانت تحكيها له، وهي نسج خياله.

هل كانت له علاقات قوية بالسياسيين؟

أكثر علاقاته كانت مع الأدباء والمثقفين، علاقته بالسياسيين تقتصر على محادثات تليفونية لإبداء الأراء حول مقالات، أو قصائد فقط، وكانت صلته بالناس وثيقة أكثر من أي شيء آخر، وكان أكثر اهتمامه بالبسطاء.

هل كان الأبنودي منحازًا لرشدي؟

طبعًا فهو صديق العمر، محمد رشدي كان يتصل به يوميًا، ويردد دائمًا طالما الأبنودي على قيد الحياة فأنا بخير، ويظل يتصل ليتأكد أنه على قيد الحياة.

ومن من المطربين أحبهم الأبنودي وكان على اتصال دائم بهم؟

منير، والحجار، الذي كان مرتبطا بهما بشدة في الفترة الأخيرة، لدرجة أنه اتصل بـ”الحجار” ذات مرة قبل وفاته بشهرين أو ثلاثه وقال له «أنا خلاص بخلص تعالى عاوز أشوفك»، وبالفعل حضر إليه، وكان يقول أن أكثر مطرب غنى له هو على الحجار، وهو أكثر صوت يستطيع حمل كلمات الأبنودي.

وماذا عن محمد ثروت؟

ثروت هو الذي ربط له« كرافات» بدلة الفرح، فيما كان الأبنودي يعلق ساخرًا «معقول على آخر الزمن ألبس كرافاتة برضه»، وقال إنها ستكون المرة الأولى والأخيرة التي يرتديها، وكان أيضا يرفض ارتداء النظارة ويقول« هو في واحد صعيدي يلبس نضارة؟».

هل هناك طقوس للأبنودي كانت غريبة بالنسبة لك؟

عشقه للأرض والشجر وتسميته لكل شجرة أو نخلة باسم معين، والتحدث إليها، وخاصة الرمان، يحبه ويزرعه، علاقته به قوية جدًا؛ لأنهم كانوا يطلقون عليه حين كان صغيرًا «رمان» حيث كان يسرق الرمان من حديقة جيرانهم.

عاجل