طابا مصرية 100%.. 32 عاما على استرداد المدينة الأخيرة من أرض الفيروز
إذا كانت مصر حققت في حرب أكتوبر انتصارا تاريخيا على الأرض بالسلاح، فإن عودة طابا إلى حضن الوطن كانت أيضا دليلا دامغا على نجاح الدبلوماسية المصرية، وهي تلعب الدور الأبرز في تجميع الأدلة والوثائق لإثبات حق مصر في ترابها.
بدأت القصة في أكتوبر 1981 خلال اجتماع الجانب المصرى مع الإسرائيلي لتفعيل انسحاب الجيش الإسرائيلى من سيناء، حيث اتفق الطرفان على كل العلامات الحدودية باستثناء العلامة 91 الخاصة بمدينة طابا.
ومن جانبه رفض الوفد الإسرائيلى تنفيذ الانسحاب بشكل كامل وتوسع الخلاف حتى شمل 13 علامة أخرى، فيما أعلنت مصر تمسكها بموقفها المدعوم بالوثائق الدولية والخرائط التى تثبت تبعية تلك المناطق للأراضى المصرية.
تعقدت الأمور بشكل أكبر بعد تعنت الإسرائيليين فى إعادة طابا، ما جعل مصر تلجأ إلى التحكيم الدولى لحل النزاع كما تنص المادة السابعة من معاهدة السلام بين البلدين نتيجة للرفض الإسرائيلي.
ووفق نبيل العربي في كتابه «طابا.. كامب ديفيد.. والجدار العازل» حاولت الدولة العبرية تضليل الرأي العام العالمي بل وربما المصري بالقول إن العلامات التي تم الاتفاق عليها في 1906 تم تعديلها في 1915 بواسطة توماس إدوارد لورانس الضابط البريطاني الذي كان له دور في الثورات العربية على الدولة العثمانية، كما يشير كذلك إلى ما قامت به إسرائيل من إزالة لمعالم العلامة 90 بعد أن تركتها في موقعها لإيهام مصر بأنها العلامة .91
وعمدت إسرائيل إلى إزالة جزء من هضبة شرق وادي طابا سرا لتشق طريقا يربط طابا بميناء إيلات على الجانب الإسرائيلي من الحدود مع مصر، رغم علم مصر بقيام إسرائيل بشق هذا الطريق وببناء فندق هناك، فهي لم تكن تعلم بمسألة إزالة العلامة.
إلا أن الدبلوماسية المصرية وتحركاتها الدولية لإظهار الحقيقة أحبطت المخطط الإسرائيلي لسرقة جزء من أراضي سيناء، وقدمت مصر الوثائق والخرائط التي تثبت تبعية طابا للأراضي المصرية، مشيرة إلى انسحاب إسرائيل من سيناء - بما فيها طابا- إلى الحدود الدولية عقب عدوان 1956، وردت الحكومة الإسرائيلية بأن موقفها قائم على وجود خطأ في تعليم الحدود وفق اتفاقية 1906 الخاصة بتعيين الحدود بين مصر والدولة العثمانية، وأن موقفها بعد حرب أكتوبر 1973 يسعى لتصحيح هذا الخطأ.
29 خريطة قدمتها الخارجية بأحجام مختلفة تثبت الملكية المصرية لطابا، وتمكنت من جمع خرائط ووثائق من الأرشيف المصرى والبريطانى والتركى، وقدمت 10 خرائط من الأرشيف الإسرائيلى نفسه تثبت تبعية طابا للأراضى المصرية، فيما قدمت إسرائيل ست خرائط فقط لكن الخرائط والوثائق لم تكن كافية فقط لحسم القضية لصالح مصر.
كما تمت الاستعانة بمجموعة من الأشخاص غير المتوقعين الذين كان لشهادتهم دور هام في حسم تبعية طابا لمصر، وهم 3 ضباط من يوغوسلافيا حيث اكتشفت وزارة الخارجية خلال استعدادها للتحكيم، أن القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة، والتي تواجدت في سيناء منذ العام 1956 بعد العدوان الثلاثي على مصر، كان لها وجود في منطقة طابا، وبالتعمق في البحث تبين أن المنطقة كانت في دائرة اختصاص قوات من الدانمارك ويوغوسلافيا.
وتواصلت الخارجية المصرية مع الدنمارك لطلب التعاون لكنها لم تتجاوب، في حين تجاوبت حكومة يوغوسلافيا ورتبت لقاءات للدبلوماسيين المصريين مع قادة جنودها الذين شاركوا في القوات الدولية.
تم اختيار 3 ضباط يوغوسلاف لتقديم شهادتهم أمام هيئة التحكيم، وكان لشهادتهم تأثير واضح على الهيئة، بعدما أكدوا أن مهمة كتيبتهم لمدة 10 سنوات كانت القيام بدوريات في المنطقة التي تدعي إسرائيل أنها خارج الحدود المصرية، وأن خرائطهم تؤكد أن خط الحدود يمر عبر الهضبة وليس في وادي طابا كما تزعم إسرائيل.
وفى سبتمبر 1988 أعلنت هيئة التحكيم الدولية في الجلسة العلنية التي عقدت في برلمان جنيف حكمها في قضية طابا، وكان لرئيس الجمهورية تصريح شديد اللهجة طالب فيه إسرائيل بالانسحاب الفورى وأعلن فيه أن مصر لن تقبل استمرار المماطلات والمناورات الإسرائيلية وأنها قد تلجأ إلى التخلص من جميع المنشآت فى طابا.
وبعد مفاوضات تم إصدار حكم المحكمة بتبعية طابا للأراضي المصرية وتم التوصل إلى عقد ما سمى باتفاق روما التنفيذي في 29 نوفمبر 1988 والذي نص فيه على تحديد علامات الحدود الأربعة عشرة وفقا للحكم الصادر عن محكمة التحكيم، وعلى الانسحاب الإسرائيلي من الأرض المصرية إلى ما وراء هذه العلامات فور تحديدها، وتم جلاء الإسرائيليين عن طابا فى 19 مارس 1989.